انحصر الكلام والجهود مؤخرا في التوصل لهدنة وتمديد الهدنة، وهي الدائرة المفرغة منذ 1948؛ هدنة ببطن هدنة، و”لا رحنا ولا جينا”. والآن أضيفت عقبة جديدة؛ فكرة الدولتين. شرحت بمقالتي السابقة كيف أن إقامة دولة فلسطينية أصبحت غير ممكنة، وكذا الأمر بالنسبة لأمل الصهاينة بطرد الفلسطينيين. السياسة فن الممكن، والشيء الممكن الوحيد أمام هذا الانسداد هو دمج الفلسطينيين بدولة واحدة، بإطار ”شعبان بمستقبل واحد”.السلام يهم الطرفين، فبه يستطيعون أن يعيشوا دون هذا الكابوس المستمر؛ الخوف من تفجير أو خطف، ويبقى المواطن خاضعا للتفتيش والنظر حوله في أي حقيبة قريبة منه، وأي شخص يبدو غريب المظهر أمامه. وفي كل جولة يهلك المئات. خسر الإسرائيليون 67 قتيلا والفلسطينيون 1891 قتيلا في الجولة الأخيرة. سيكون هذا مصير الطرفين الأبدي من دون حل دائم.سيستطيع العرب في الدولة الواحدة أن يأمنوا على حريتهم وحقوقهم المدنية، شيئا فشيئا. وهناك الكثير مما يغري الإسرائيليين بالتعايش معهم، لأنه سيتضمن السلام مع كل الدول الإسلامية بما يفتح سوقا شاسعة للبضائع والخبرات الإسرائيلية.السلام مع العرب مهم من الناحية النفسية للإسرائيليين. إنهم الآن يعيشون غرباء بين أقوام يكرهونهم، في بلد أشبه بال”غيتو”. بذل اليهود جهودا كبيرة للتخلص من حياة ال”غيتو” القديم في أوروبا، وإذا بهم يلقون أنفسهم في ”غيتو” جديد أكبر محاط بأسوار كونكريتية. هذه حياة غير طبيعية، لا بد أن تحدث أثرها السلبي في كل طفل يولد في هذا ال”غيتو”، ويدرك أن من حوله يكرهونه ويتربصون لخطفه وقتله. كلنا نعرف أي حياة تعيسة يعيشها إنسان في خصومة مستمرة مع جيرانه.حذر حكماء اليهود بالأمس من آثار وعد بلفور وإقامة دولة يهودية على حياة اليهود في العالم، وما يؤدي إليه من معاداة السامية، ويثيره من شكوك في ولائهم. الواقع أن شيئا من ذلك قد اجتاح أوروبا مؤخرا بسبب ما حدث في غزة. واعترفت به المصادر اليهودية أيضا. جرت اعتداءات شنيعة على بعض المعابد والدكاكين اليهودية، وحمل المتظاهرون شعارات صريحة في عدائها وعنصريتها اللاسامية. إن تكرر أحداث من طراز ما جرى في غزة سيؤلب الرأي العام العالمي ضد إسرائيل وشعبها وكل من يساعدها ويدعمها، وكله بما سيؤدي لإحياء المشاعر العنصرية القديمة. إن من مصلحة إسرائيل ألا تنسى الشعار الصهيوني القديم ”دولة ككل الدول”، وهو ما يعني أن عليها أن تسعى لتطبيع وضعها في المنطقة وبين شعوب المنطقة، بل والمجموعة الدولية أيضا، لتصبح دولة ككل الدول. تحقيق ذلك يتوقف على تحقيق السلام مع دول المنطقة ومع الشعب الفلسطيني والتعايش معهم.الشعب الفلسطيني من أكثر شعوب العالم الثالث ثقافة وأعلاها نسبة في التعلم. ولهم مواهب وقدرات كبيرة في شتى الميادين. المرأة الفلسطينية من أبرع نساء العالم في الإبداع والمثابرة. وأنا على ثقة أن تلاحم الشعبين الفلسطيني واليهودي سيؤتي ثمارا يانعة تجعل من بلدهم المشترك مركزا عالميا محطا للأنظار.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 12/08/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : خالد القشطيني
المصدر : www.al-fadjr.com