الجزائر

لماذا تغيب وفد الأوراس عن مؤتمر الصومام؟



الحاج بن علا: "مع بن بلة.. مصيبا أو مخطئا"!
بومدين.. من الكتانية.. إلى الخديوية

نقف في هذه الحلقة مع أربع شخصيات وطنية أخرى هي:
1 - عبد الحميد بوضياف الذي يساعدنا بشهادته في فك لغزين: وصول الضّابط المغربي حمادي الريفي إلى المنطقة الثالثة (الصومام - جرجرة)، وسبب تغيب منطقة الأوراس عن مؤتمر الصومام.
2 - عبد الرحمان مهري الذي يثري معلوماتنا بعض خلفيات عما أصبح يعرف لاحقا "بمؤامرة العقداء" وكذلك بعض آثار العقيد هواري بومدين في معهد الكتّانية والثانوية الخديوية.
3 - علي منجلي الذي ينقل إلينا صورا من وفاء الحاج بن علا لصديقه الرئيس بن بلة، ومن تصرفات "ضباط فرنسا" إبان ثورة التحرير كذلك.
4 - لخضر بورقعة الذي يحدثنا عن بعض الممارسات التي كان من نتائجها خاصة، خروج مصطفى الأكحل إلى تونس، والتحاق الطيب الجغلالي بالولاية السادسة.

عبد الحميد بوضياف
كيف وصل الضابط حمادي الريفي إلى جرجرة
عبد الحميد بوضياف (*) من مناضلي حزب الشعب الجزائري ناحية باتنة، كان رفقة الحاج لخضر عبيدي ومسعود بالعڤون من مستقبلي أعضاء "المنظمة الخاصة - بقسنطينة - الفارين إلى الأوراس في صائفة 1950 ؛ وكذلك يوسف زيغود ورفاقه الفارين من سجن عنابة في 21 أفريل 1951.
قبيل فاتح نوفمبر 1954، اختاره رابح بيطاط قائد المنطقة الرابعة لإجراء فترة تكوين عسكري بالقاهرة، رفقة عبد القادر (بودة؟) من العاصمة. وقد تمكن المناضلان من الوصول إلى طرابلس، عبر نفس الطريق الذي كان سلكه قائد الأوراس مصطفى بن بولعيد في صائفة نفس السنة.
غير أن مشروع التكوين العسكري توقف بالعاصمة الليبية، لأن أحمد بن بلة عضو الوفد الخارجي لجبهة التحرير كلفهما بمهمة أخرى: مرافقة الضابط المغربي حمادي العزيز (الرّيفي) (1) إلى الأوراس، كمساعدة بن بولعيد في الجانب العسكري.
وفي قابس فوجئ الثلاثة بالصحافة التونسية، تعلن عن اندلاع الثورة بالجزائر، وبناء على ذلك قرروا الالتحاق بالعاصمة مباشرة، متنكرين في زي مسافرين عاديين.
بالعاصمة تكفل بالمناضل عبد القادر بإيواء الضابط المغربي، قبل أن يتولى المناضل عبد الله كشيدة (2) ضمان وصوله إلى بلقاسم كريم ورفاقه.. بينما بقي بوضياف أياما بالعاصمة، في كفالة ياسف السعدي الذي كانت عائلته تملك مخبزة في القصبة، ومزرعة ناحية بوزريعة، إلى أن عاد بيطاط بعد قليل من البليدة، حيث قاد الهجوم على ثكنة "بيزو" ليلة فاتح نوفمبر.
ما لبث بيطاط أن كلف بوضياف بمهمة إلى ليبيا، تندرج في إطار ترتيب موعد اجتماع قادة الثورة - في حدود 10 أو 11 يناير 1955 - والحصول على حصة المنطقة الرابعة من المساعدات المالية خاصة.
حاول السفر إلى ليبيا أو مصر عبر فرنسا حيث يقيم أخوه، لكن التطورات السريعة للموقف بالجزائر جعلته يباشر - مؤقتا - نضاله باتحادية الجبهة بفرنسا، مع عبد الكريم السويسي وموسى بوضياف (شقيق القائد محمد بوضياف).
في ربيع 1956 قرر العودة إلى الجزائر، كائنا ما كان مصيره.. نزل بالعاصمة، وتمكن من الالتحاق بالوطاية، ومنها توجه نحو مدوكال، حيث التقى بمجموعة سي الحواس الذي كان على سابق معرفة به. وصادف أن جاءت دورية من الأوراس، فعاد معها إلى ناحية عاجل عجول، فأقام هناك فترة قصيرة قبل الانضمام إلى جماعة عمر بن بولعيد. كان بوضياف ضمن وفد المنطقة الأولى الذي قدم للمشاركة في مؤتمر الصومام صائفة 1956. لكن عند مشارف أوزلاڤن مكان انعقاد المؤتمر، تبين أن عناصر الوفد لم تكن مجمعة، على تزكية عمر بن بولعيد خلفا لأخيه الشهيد. وكان في طليعة المتحفظين الطاهر النويشي، بينما وجد الشاهد نفسه في صف عمر، رفقة آخرين مثل علي بن مشيش مسؤول الأمن في جماعته.
وعقب المؤتمر حضر بوضياف مهمة الرائد عميروش آيت حمودة بالأوراس، والملاحظ أنه يحمل عنها ذكرى سيئة. وقد حافظ على ولائه لعمر فنكب معه، إذ سجن بتهمة "التشويش" في تونس.
ويخبرنا بالمناسبة أن عمر بن بولعيد نشط - بعد العفو عنه - في اتحادية جبهة التحرير بتونس، وقد كان على رأسها الطيب (علال) الثعالبي عضو المجلس الوطني للثورة الجزائرية.

(*) إضافة حول شيحاني
تطرق بوضياف إلى الشهيد بشير شيحاني الذي كان محدثا بليغا. ويذكر في هذا الصدد، أن الشيخ مزيان سرحاني وهو من قدماء المناضلين بباتنة كان يشبهه بالأمير عبد القادر.
ويعتقد الشاهد أن الأوراس كان سيكون له شأن آخر، لو أوفد بن بولعيد شيحاني بدله، في مهمته إلى ليبيا التي انتهت باعتقاله في 11 فبراير 1955.
(*) من مواليد باتنة سنة 1927. وهذه الشهادة المختصرة ثمرة لقاءين معه، يومي 10 يناير و 18 نوفمبر 2010 بمسكنه في العاشور (العاصمة).
(1) اعتقل بالمنطقة الثالثة في فبراير 1955، وشنت سلطات الاحتلال حملة دعائية حوله بدعوى أنه "ضابط عراقي" ودليل على "التدخل الأجنبي" في حرب الجزائر!
(2) من أقارب المناضل المعروف عيسى كشيدة.

عبد الرحمان مهري
الشيخ دردور نصح العموري بالابتعاد عن "المخابرات"
في جلسة مع الفقيد عبد الرحمان مهري (1) بشقته في شارع بلقاسم كريم يوم 2 مارس 2008، سجلت عنه ملاحظات حول بعض الشخصيات والأحداث.
1 - "المنظمة الخاصة" بوادي الزناتي:
كان سليمان بركات مسؤولا عن "المنظمة الخاصة" بوادي الزناتي.. وغداة الإعلان عن اكتشاف المنظمة في ربيع 1950 تم اعتقاله أسوة بالعشرات من مناضليها. وقد تمكن من الفرار في 21 أفريل 1951 رفقة زيغود (2)، واللجوء إلى الأوراس بعض الوقت.. لكن نقل بعد ذلك إلى وهران فاعتقل قبيل الثورة، ليقضي بالسجن الحكم الغيابي الصادر عليه بعنابة في (يونيو 1951).
وعشية إعلان الثورة لم يستطع مراد ديدوش شخصيا إخراج بعض المسؤولين السابقين عن المنظمة في المدنية.. من تحفظهم، فقرر تجاوزهم بإنشاء خلية جديدة، كان الشاهد من أعضائها رفقة صالح بوبنيدر (3).. وقد نقل هذا القرار إلى وادي الزناتي المناضل محمد ڤديد.
2 - حول العقيد محمد العموري:
عرفت محمد العموري بقسنطينة أيام معهد الكتانية. وعند انتقالي إلى القاهرة أقمت مع المناضلين الشيخ عمر دردور وبورغيدة، فقالبت العموري هناك من جديد، فقد كان يتردد على الشيخ دردور، وكثيرا ما يتناول الطعام معنا.
في صائفة 1958 قابلته بعد اجتماعه بالثلاثي بلقاسم كريم وبن طبال وبوالصوف وتقديم تقريره أمامهم حول مشاكل "قيادة العمليات العسكرية" (كوم).. كان ناقما لأمرين:
1 - إسناد رئاسة الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية إلى فرحات عباس، عوض قيادي من حركة انتصار الحريات الديمقراطية.
2 - موقف كريم وكتلته من العربية.
عقب ذلك بلغ الشيخ دردور أن العموري يجتمع بفتحي الديب فنصحه بعدم التعامل مع المخابرات، لأن مصر تفضل في نهاية المطاف التعامل مع قيادة جبهة التحرير.
وصادف في تلك الأثناء أن فتحت على سبيل الخطإ - رسالة إلى العموري من الرائد عبد الله بالهوشات، يؤكد فيها - تلميحا - أن الجماعة على أتم الاستعداد لاستقباله (4).
اتفقت مع الشيخ دردور على ألا نسلم الرسالة لصاحبها، ولا لمصالح الحكومة المؤقتة.
3 - حول الرائد مصطفى الأكحل
استعان بي عندما كانت مصالح الحكومة المؤقتة تطارده بالقاهرة، فقدمته إلى مسؤول رابطة الطلبة الجزائريين لمنور مروش.
4 - حول بومدين
عرفته في معهد الكتانية (قسنطينة) مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، كان في السنة الثانية عندما كنت في السنة الرابعة.. ولم يكن مهيكلا في حركة الانتصار. وسمعت أخباره في القاهرة، بعد التحاقي بالثانوية "الخديوية" التي كان تركها وهو في السنة الأولى من التعليم الثانوي، خلال الموسم الدراسي 1954 - 1955. وكان رفيقه محمد الصالح شيروف بمثابة سنده المالي، مند وصولهما إلى القاهرة سنة 1952.

(1) الشقيق الأصغر لعبد الحميد مهري.
(2) كان معهما أيضا عمار بن عودة وعبد الباقي بكوشه.
(3) اشتهر إبان الثورة بكناية "صوت العرب".
(4) المقصود بالجماعة قيادتي الولاية الأولى والقاعدة الشرقية.

الرائد علي منجلي
"ضباط فرنسا": "نزعة واضحة.. إلى التسلط"..
زرت الرائد علي منجلي عضو مجلس الثورة المعين عقب الإطاحة بالرئيس أحمد بن بلة في 19 يونيو 1965 ببيته في عزابة يوم 8 مايو 1989.. وتناول الحديث بعض ذكرياته عن "ضباط فرنسا" وكل من بوضياف وبن بلة.
1 - "ضباط فرنسا"
ذكر الرائد علي منجلي الضباط الفارين من الجيش الفرنسي، فأثنى على النقيب بن عبد المومن، بينما قدح في "المرشح" العربي بالخير..
وحسب شهادته أنه كان يستعين بهم في المناطق الحدودية الشرقية كتقنيين فقط. لكنه لاحظ أنهم كانوا يحاولون دائما تجاوز المهام المسندة إليهم، مع نزعة واضحة إلى التسلط.. ويضيف في هذا الصدد: "كنت أعينهم في مكان، لأجدهم بعد فترة في مكان آخر!". لم نكن نشك فيهم، لأنهم قدموا من ألمانيا عن طريق شبكة جبهة التحرير، وكان بومدين هو من أسند إليهم مسؤوليات إدارية وسياسية بعد الاستقلال.
2 - بوضياف
قال الرائد منجلي بشأن بوضياف: "اتصلنا به في تونس غداة الإفراج، في محاولة لإبعاده عن الحكومة المؤقتة. لكنه أبى ذلك. فلما عبرنا له عن خشيتنا أن يؤدي موقفه هذا إلى إراقة الدماء، كان جوابه: فليكن!".
3 - الرئيس بن بلة:
حسب الشاهد أن الرئيس أحمد بن بلة ما لبث أن أغضب الجميع بتصريحاته وتصرفاته الارتجالية. وقد أثار هذا الموضوع ذات يوم مع رئيس المجلس الوطني (*) الحاج بن علا، ليلفت انتباهه إلى أن مثل هذه التصرفات ستؤدي حتما إلى الإطاحة بالرجل! دون أن يثير ذلك رد فعل من أحد! وكان جواب الحاج بن علا: "أنا مجبر على مسايرة بن بلة، صائبا كان أو مخطئا"!

(*) كان منجلي يومئذ (1964) نائبا لرئيس المجلس الوطني.

الرائد لخضر بورقعة
ملاحظات عن الجغلالي والأكحل وبونعامة
سجلنا هذ الملاحظات عن الرائد لخضر بورقعة، أثناء لقاء بمنزله يوم الجمعة 23 أكتوبر 1987، وتناولت ممارسات طالت القادة الشهداء: الطيب الجغلالي، مصطفى الأكحل، الجيلالي بونعامة.
1 - الطيب بوقاسمي (الجغلالي):
يقول الرائد بورقعة عنه: كانت للجغلالي سلطة معنوية على مجاهدي المنطقة الرابعة، وكان المفروض أن يكون في مجلس الولاية غداة مؤتمر الصومام. لكن العقيد سليمان دهيلس (الصادق) قائد الولاية الجديد - خلفا لأوعمران - رشح بدله عمر أوصديق ولقب "سي الطيب" للتضليل.. فكان المجاهدون الذين يسمعون ذلك يعتقدون أول وهلة أنه الجغلالي، إلى أن يفاجئهم أو صديق!
وذات مرة كلف العقيد دهيلس الجغلالي، بمرافقة أوصديق في أول جولة له عبر الولاية. ولم يكن يعرفه من قبل، ففوجئ بما كان يتمتع به من سمعة، الأمر الذي أدى إلى عكس الوضع، فأصبح أوصديق هو المرافق!
هذه التجربة أحرجت أوصديق، فنبه قائد الولاية بضرورة أن يأخذ بعين الاعتبار مكانة الرجل في الولاية. فبرر موقفه منه "بأنه أمي"! (1) وكان رد أوصديق: "وهل أنت تحسن القراءة؟!".
كان الجغلالي يتشبه بأبي ذرّ الغفاري، وقد ذهب بهذه العقلية إلى تونس سنة 1957، فلم ينسجم مع بعض الممارسات هناك. فلما عاد سي الحواس إلى منطقته (2) عاد معه كمساعد له.
2 - علي زغداني (مصطفى الأكحل):
كان مصطفى الأكحل شريكا لعلي خوجة، في عملية الفرار من ثكنة بلكور (بلوزداد) سنة 1955. وكان المفروض أن يخلفه غداة استشهاده (1956). لكن العقيد عمار أوعمران اختار رابح مقراني (سي لخضر)، فحملها على مضض. غداة مؤتمر الصومام، كان من المنتظر أن يعين في مجلس الولاية مكلفا بالشؤون العسكرية، لكن حدث غير ذلك.. فطلب هذه المرة الالتحاق بالولاية الأولى (3).
3 - الجيلالي بونعامة:
عندما خلف العقيد امحمد بوڤرة العقيد دهيلس في صائفة 1957، كان الجيلالي بونعامة مرشحا ليكون نائبه العسكري. لكن عمر أوصديق ورباح زراري قاما بتمثيل مسرحية، بعد استشهاد سي لخضر (مقراني) ؛ فقد أجهش عز الدين بالبكاء أثناء الاجتماع، فاستغل أوصديق الموقف ليرشحه خلفا له قائلا: "فهذه فرصتك لتثأر له"!

(1) بعض أشباه المتعلمين بالفرنسية يعتبرون من يقرأ العربية "أميا"، ولو كان إماما معلما مثل الجغلالي!
(2) كان سي الحواس يومئذ قد استقل بالمنطقة الثالثة من الولاية الأولى، بدعم من العقيد عميروش قائد الولاية الثالثة ؛ وذلك بسبب مشاكل القيادة على مستوى الأوراس منذ استشهاد بن بولعيد.
(3) خرج مصطفى الأكحل إلى تونس رفقة أوعمران مطلع 1957


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)