الجزائر

للسياسيين الخيار؟



إن الحراك الشعبي الذي تعيشه البلاد, أفرز سلوكات إيجابية خصت الحفاظ على سلمية المظاهرات وعلى نظافة المحيط والتآزر والتلاحم بين المتظاهرين على اختلاف توجهاتهم ... ولكنه إلى جانب ذلك فتح الحراك الباب على مصراعيه لسلوكات بدأت تبعاتها تثقل كاهل الاقتصاد الوطني, وتقلق طمأنينة فئات اجتماعية أخرى وتحول بينها وبين نشاطها المهني والاجتماعي والتربوي... وتشل مرافق عامة وجدت لتقديم خدماتها لجميع المواطنين بما فيهم من اختاروا النأي بأنفسهم عن فعاليات الحراك أيام الجمعة, أو خلال بقية أيام الأسبوع, وكذا استغلال الحراك من أجل أغراض مهنية أو لتحقيق مكاسب اجتماعية , بل وحتى لمجرد التهرب من أداء العمل اليومي, أو من مقاعد الدراسة,الأمر الذي جعل بعض الاقتصاديين يقدرون نسبة تراجع أداء الاقتصاد الوطني بحوالي 40 % منذ بدء الحراك؟ فكيف ستكون عليه الحال خلال شهر رمضان , الذي عادة ما تتراجع خلاله مردودية العمل وفي جميع القطاعات ؟ ومن ذلك أيضا منع أعضاء الحكومة من القيام بمهامهم الوظيفية, التي تتيح السير العادي لمختلف مصالح الدولة واستمرار المرافق العامة في تقديم خدماتها للمواطنين .لكن هذا لا يعفي أعضاء الطاقم الحكومي, من إيجاد آليات بديلة لتسيير قطاعاتهم, بعيدا عن الأساليب البيروقراطية المتوارثة منذ عهد المندوبيات الخاصة, التي تولت تسيير الجماعات المحلية بعد الاستقلال, بل حتى المهمة الإدارية لمختلف الطواقم الحكومية ما زالت تعاني من نقائص لتركيزها على الجوانب التقنية البيروقراطية المحضة التي تسهل حاجة الإدارة أكثر من حاجات المواطن. إذ في وقت تخلى الوزراء في الديمقراطيات الحديثة عن كثير من التقاليد البروتوكولية التي تعزلهم عن الاحتكاك بمواطنيهم و مشاركتهم إياهم ظروف معيشتهم اليومية , يتمسك بيروقراطيونا بأبراجهم العاجية التي تبعدهم عن الواقع الاجتماعي المطالَبين بالتكفل بتحسينه ؟
فأي نظام سياسي أو إداري لا يخضعان إلى تقنين واضح يحدد العلاقة بين النظام والمواطن , ولا يضع قواعد تضمن مراقبة صارمة لتطبيق ذلك التقنين , وتقييم فعاليته بانتظام, سيتحول مع مر الأيام إلى نظام بيروقراطي يعرقل سير الإدارة العمومية ويعطل مصالح المواطنين , ويكبح مسيرة التنمية , وهو ما تعاني منه بلادنا, رغم أنها ليست في حاجة إلى تقنين بقدر حاجتها إلى تطبيقه مع بعض الإصلاحات التي تزيل شعور المواطن أنه غريب في بلاده , وهو شعور لا يبرح نفسية الكثير من المواطنين جراء بطء الإجراءات الإدارية وتغلب الروتين على الهيئات الإدارية و تضخمها الورمي على حساب نوعية الخدمات و كلفتها , و كذا شعوره بأن حتى الوثائق الشخصية, إنما هي ضرورة يحتاجها في تعامله مع إدارات بلاده بما فيها الإدارة التي أصدرتها أحيانا ؟
إعادة النظر في المفهوم
يحدث في عصر يقترح بعض الباحثين "إعادة النظر في المفهوم الإجرائي للديمقراطية" بعد ميلاد ما يسمى بالديمقراطية الالكترونية بالنظر إلى "محورية الدور الذي تلعبه تقنيات الاتصال في افتتاح الفرصة لتوسيع نطاق تداول المعلومات السياسية مما يعطيها أبعادا جديدة في عملية الانتقال الديمقراطي . و من خلال تحليل توظيف وسائل الإعلام و تقنياتها للرأي العام في نطاق عملية التحول الديمقراطي خلال السنوات الأخيرة تولدت ديمقراطيات جديدة ذات ألوان ومسارات مختلفة " كتلك الناجمة عن الثورات الملونة و الثورات الوردية و المرقمة التي نجح بعضها نسبيا في وضع قواعد لمثل هذا النوع من الديمقراطيات الذي يتشكل في العالم الافتراضي أولا ثم ينتقل إلى العالم الواقعي...
ويعدد الباحثون بعض أوجه التغيرات التي أحدثتها التكنولوجيا الرقمية على كثير من الممارسات الديمقراطية ، بل وكذا إيجاد ممارسات أخرى لم تكن موجودة من قبل بسبب قوتها الهائلة في إيجاد وسائل شديدة التنوع و الوفرة ، فيما يتعلق بالتواصل بين البشر, ملاحظين :" أن البعض يرى أنها أفرزت التوجه نحو اللامركزية بدلا عن المركزية ، و أفرزت التوجه نحو العالمية على حساب القوميات المحلية ، و التوجه إلى إلغاء التخصصية و إلغاء العديد من الوسطاء في العملية يصل لمستوى مخاطبة كل مواطن على حدى . لقد أعطت تقنية الاتصال الجديدة للديمقراطية بعدا جديدا "هي الديمقراطية الإلكترونية " و أهدت الحكومات أساسا تنظيميا متطورا هو الحكومات الإلكترونية و قدمت للاحتجاجات والأنماط الديمقراطية رؤى جديدة كالاحتجاجات الإلكترونية و الاعتصامات الإلكترونية ، و العصيان المدني الإلكتروني ، إذ يكفي جلوس عدد كبير من الناشطين سياسيا وراء شاشات الحواسيب ، و الاتصال بالانترنت للتظاهر و تكوين رأي عام بصور أكثر فاعلية."
وللسياسيين حاضرا و مستقبلا واسع الخيارات إن سلبا و إن إيجابا , لأن مثل هذه التقنيات , سلاح ذو حدين , كما يمكنها إنتاج ممارسة ديمقراطية فعالة و نافعة للمجتمع , يمكنها أيضا فرض بيروقراطية إلكترونية أخطر من البيروقراطية التقليدية .


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)