الجزائر

للرداءة وجوه كثيرة ...



للرداءة وجوه كثيرة ...
الشخصيات العظيمة يخلدها التاريخ من خلال أعمالهم وأفكارهم، وكثيرا ما ترك هؤلاء العظماء مقولات قصيرة لكنها جامعة، تبقى هذه المقولات منقوشة في ذاكرة الشعوب وتتوارثها الأجيال. منذ أيام فقدنا وفقدت الجزائر والأمة العربية والإسلامية رجلا حكيما وقامة وطنية وثورية طالما عمل حكام الجزائر على تهميشها وإقصائها من ذاكرة الشعب الجزائري، ولكن ما لا يدركه حكام الجزائر أن العظماء لا يمكن إقصائهم أو محوهم من ذاكرة الشعوب، فهؤلاء تدفن أجسادهم وتطفو أفكارهم، تكفن أجسادهم وتفتح كتبهم، تسكت أصواتهم وتبقى مواقفهم، يسدل عليهم التراب بينما ينفض الغبار عن ذاكرتهم . منذ سنوات قال المرحوم عبد الحميد مهري مقولة واصفا الوضع السياسي في الجزائر جاء فيها » نحن في زمن الرداءة وللرداءة أهلها »…لو قال مهري هذه المقولة وسكت لكفته وكفت من يسوسون الجزائر وصفا. لا أدري هل وصف مهري كان يقتصر على الوضع السياسي أم على وضع الجزائر ككل، لكن من المؤكد أن وصف الرجل أعمق وأشمل، لأن للرداءة وجوه كثيرة.

فعندما تتحالف ثلاث أحزاب من مرجعيات فكرية مختلفة حول برنامج اسمه برنامج الرئيس أو برنامج فخامته فتلك رداءة سياسية!

عندما تتدلى كروش جنرالات الجيش أمامهم من السمنة فتلك رداءة عسكرية!

عندما نكدس الطائرات والدبابات بالملايير ليأكلها الصدأ فتلك رداءة إستراتيجية!

عندما تخلد الجزائر سويا مع المستعر الذكرى الخمسين لاستقلالها فتلك خيانة ورداءة تاريخية!

عندما تجد الجزائر نفسها بعد خمسين سنة من الاستقلال تحكم من ضباط الجيش الفرنسي فتلك رداءة ثورية!

عندما يكون تقصير الثوب وإعفاء اللحية من أصول الدين وتكون معارضة الحاكم الجائر والمجرم والخروج عليه من كبائر المعاصي فهذه رداءة دينية !

عندما يخرج طلبة الباكلوريا إلى الشارع في الصباح مطالبين بتحديد وتقليص الدروس ويستجيب لهم الوزير في المساء فتلك رداءة تربوية!

عندما يضرب الطلبة في الجامعة لخمسة أشهر ويدرسون شهرا ويمتحنون في شهر فتلك رداءة علمية!

عندما يصدر بلد البترول الخام و يستورد نصف حاجياته من البنزين فتلك رداءة اقتصادية وطاقوية!

لا يكفي المقام لسرد كم الرداءة الاقتصادية والثقافية والإعلامية والفكرية والأدبية، لكن عندما يجتمع هذا الكم من الرداءة وأكثر في بلد واحد فتلك رداءة جزائر العزة والكرامة…..!

في مصر توفي القائد الحقيقي لحرب أكتوبر سعد الدين الشاذلي في نفس يوم سقوط مبارك وكان آخر ما نطق به عند سماعه الخبر هي » أتمنى أن لا يعودوا مرة أخرى « ، فكان هذا عزاءً كبيرا للمصريين في حق هذه القائد الذي حاولت الأنظمة المتعاقبة في مصر محو دوره في حرب أكتوبر وتزييف حتى الصور الفوتوغرافية، ولكن جاءت الثورة لتعيد حقوق هذا الرجل ويخرج عشرات الآلاف في جنازته ويصلي عليه الملايين صلاة الغائب في ميدان التحرير … ولكنك يا مهري رحلت وتركتنا نعيش الرداءة ولم تعش حتى تقرً عينك وأنت ترى الجزائر تعود لأبنائها ، لكن عزاءنا أنك رحلت من عالم الرداءة للقاء رب غفور رحيم، رحلت لتلاقي ربك ولن تٌسأل عن دماء الجزائريين فأنت منها براء، ولن تسأل عن شق الصف الوطني ولن تسأل عن نهب مقدرات وثروات البلاد فكلها أنت منها براء….لقد رفضت أن تشرعن لهذه العصابة عندما شرعن لها الكثيرون، رفضت أن تحمي دولة الرداءة والإجرام عندما تشدق بها الكثيرون…يا مهري: سيذكرك قومك إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)