الجزائر

لك الله يا مصر..



لك الله يا مصر..
السؤال الذي يفرض نفسه في مأزق مصر مع مليونيات ميدان التحرير سواء “المؤيدة” منها أو المناهضة لعرش الإخوان حيث اللحى تفتي واللحى تحكم، ترى إلى متى ومصر تعيش وضع بلد خرج من سلطة القصر، حيث قبضة أمن الدولة إلى سلطة الميدان، حيث تخرج من ميدان لتقع في آخر؟ وهل قدر على قاهرة المعز أن تصبح جزءا من إنتاج مستمر للانسداد وللتصعيد ولتبادل “الفتونة” بين هذا الطرف وذاك؟ فقضية الاستفتاء على دستور “الريس” التي تبناها الدكتور مرسي كورقة أشهرها في وجه ميادين الفوضى والجنون، سواء كانت تحمل بصمات الفلول، أو توقيع “ثوار في كل مكان”، لم تكن سوى الشجرة التي تخفي غابة من التناقضات ومن التزاوج غير المنطقي الذي أفرزه “ربيع” مصر الثوري، ليرسو الحال بعد أن غابت شمس الربيع على أن مصر.. أمام خريف غضب وشتاء فوضى، فنكتة فصول أربعة في يوم وساعة واحدة تجاوز لسنة أن لكل فصل خصوصياته، كما لكل طيف انتماؤه وتوجهاته..
الأزمة التي تعيشها مصر الآن ليست في مادة دستورية، فسرها خصوم مرسي والإخوان على أنها إعلان عن مبعث جديد لفرعون عاد من أعماق البحر، ليستحوذ على عصا موسى ويهش بها على معارضيه، ولكنها، ونقصد الأزمة، في تحالف غير منطقي وغير عقلي، بين نقيضين وضدين جمعهما ميدان واحد لقطف رأس “مبارك” واحد، وحين سقط الخصم المشترك، طفت على سطح الميدان، وسطح الثورة، مرحلة جمع الأنفال، فالتحالف المؤقت بين الإسلاميين وبقية التيارات المصرية فرضته ضرورة الثورة. ومن سيروا اللعبة من بدايتها تجاهلوا في قمة نشواهم بأكاليل الربيع العربي، أن المشكلة الحقيقية ليست في الوصول إلى القمة ولكن في القدرة على المحافظة على محطة الصعود من مفاجآت السقوط الحر..
أكبر ما يمكن أن يستشف من فوضى مصر، حيث سيناريوهات السقوط أكثر من آمال المرور إلى بر الآمان بقاهرة معز مقهورة في قومها، أن أرض الكنانة لم تستطع بعد نهاية الثورة التي أطاحت بنظام مبارك، الخروج من مأزق “الثورة”، كحاضر يومي أصبح جزءا من المكونات النفسية للمكون المصري، ففكرة الثورة على الخبر وعلى القطار وعلى “ليلى علوي”، وعلى ازدحام المرور، ثم على الإخوان، وحكم الدكتور مرسي، تحولت إلى فيلم معروض على المباشر، وبين الثورة..والثورة.. هناك مصر تئن وتتوجع ويتم “تثوريها” لأتفه وأسفه الأسباب والقضايا، فمن كانت تزايد على الآخرين و”الأخيرين” بأنها حاضنة الربيع العربي، انتهى بها الطواف والمطاف إلى وضع لا يحسدها عليه أحد… عن أزمة الإعلان الدستوري، وعن مليونية الإنذار الأخير، وعن قتلى ما بعد الثورة وما بعد مبارك وما بعد المجلس العسكري، وعن واقعة “صفين” بين أنصار مرسي وأنصار “مرسيات” الجهات الأخرى المتبضعة من سياسة “ميادين التحرير”، فإن كل التبريرات وكل الحجج وكل الاتهامات المتسوق بها من على جثة “أنا وحدي مصر”، ليس لها من موقع إلا أن مصر تغرق، ولا فرق أن جرفها تيار الإخوان، إلى المنتهى أو جرها بلاطجة السياسيين من بقية الاتجاهات السياسية المتاجرة بمسميات الحرية والثورة إلى الهاوية..
هل هناك هوى وهاوية أكثر من هذا الوضع المؤرق والبائس الذي وصلت إليه قاطرة الربيع العربي من خلال ما يجري في مسارح ميادين التحرير بمصر، حيث “الدولة” كمؤسسة يحتكم إليها الجميع، لم تعد إلا “شارعا” مشرعا على الفوضى التي تطالب الرئيس بالرحيل، كما تطالب في الجهة من ذات الرئيس بالخلود، ولو فقدت مصر كل مصر وكل مصري بسيط، كان يأمل في ثورة فولد من عمق وعقمهم جميعا، ثور هائج أول ما نطح ..نطح مصر كأمة وكتاريخ وكوجود مهدد لاستمرار الدولة في حد ذاتها..
المختزل والمختزن البسيط، في ضحايا “تثوير” الشعب المصري ضد نفسه أولا وأخيرا، أن أم الدنيا لم يعد لها من الدنيا غير متابعة “التدني” السياسي الممارس في حق مصرهم كما ينادونها ويخشعون لها جميعا حين يسمعون اسمها..
فبغض النظر إن كان الإخوان هم من أجج الوضع بعد أن قرروا عدم التنازل قيد أنملة عن صلاحيات “زعيمهم” ريس الجميع، أو كانت المشكلة كل المعضلة في الطرف الآخر، الذي صحا من سكرة “هزمنا مبارك”، ليطالب مرة أخرى بسكرة أخرى تسمى “رأس مرسي”، فإنه، أيها السادة أيها السيدات..لا أحد يحب منكم “مصره” ..فالثورة التي لا تمل من الاقتيات من على ظهر جثث ابنائها سواء كان الحاكم مبارك أو المشير الطنطاوي أو الشيخ مرسي، ثورة مطعون في “ربيعها”..فمتى تنتهون، فإنه لا شيء يمكن أن يعوض سقوط مصر من “عل”..
نهاية الأمر..سقط سبعة قتلى جدد بمحاذاة ميدان تحرير قديم، تجددت ثورته، فكان العنوان الكبير لسقوط ضحايا جدد ومتجددين، أن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون.. فبربكم من هم الشهداء ومن هم الطغاة في مسرحية “الزعيم” المعروضة على خشبة.. المصريون يتقاتلون والقاتل والقتيل بالإضافة إلى فتيل فاعل مصريا بحتا.. لك الله يا مصر فثوراتك المتعددة تثير الخوف كما تثير السخرية من “ربيع” عربي لم يعد فيه من حاضر غير “الماضي” الذي سجل أنها ليست المرة الأولى التي تهزم فيه السياسة مصر الكبيرة وهي في عزة احتفائها بنصرها، فهل تذكرون ما حدث في حرب أكتوبر المجيدة..لا داعي للذكرى.. فالهزيمة كما الخيانة جاثمتان أمام أعين التاريخ الذي لم يرحم السادات كما لم يرحم جمال عبد الناصر في نكسة 1967…


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)