أليس غريبا أننا شعب نعيش بما يدرّ علينا البترول، فإن علا ثمنه سعدنا وإن هوى شقونا وربطنا مصيرنا ومصير أجيالنا بمادة لا محالة زائلة، بينما نملك وطننا بحجم قارة يستطيع أن يعيش على أرضه ربع البشرية بما حباه اللّه من خيرات وخصه من ثروات.أليس غريبا أننا شعب لقمة عيشه تأتيه من الأسواق الخارجية وهو يعيش على أرض خصبة ويلبس مما ينتجه الخارج، وهو يملك يدا عاملة كثيرة وفتية.
أليس غريبا أننا نركب المركبات التي صنعها غيرنا ونتحدث بوسائل اتصالات ليست من صنعنا، بل حتى أبسط وسائل وأدوات عيشنا نأتي بها من عند غيرنا، حتى لعب أطفالنا نأتي بها من أمم لا يملكون ثروات مثلنا ولا شباب مثل شبابنا ولا طاقات مثل طاقاتنا.
أليس غريبا أننا نتغنى بأننا نملك خمسون جامعة لا تقدّم أدنى خدمة لتخرجنا من هذه المحنة، وكأن الأمر لا يعنيها، بل إن مصيرها مثل مصيرنا معلّق بثمن النفط فإن علا فتحت أبوابها وإن نزل أصابها الشلل، وباتت عاجزة عن الحركة وهجرها علمائها وخبرائها، وباتت مراكز لتسليم الشهادات لا أكثر، وبقيت بذلك خاوية على عروشها.
أليس غريبا أن تصير مدارسنا عبارة عن مراكز لتقديم المقررات وسرد الكثير من المعلومات، وتتخلى عن دورها التربوي الذي هو أساس وجودها، فولد عن ذلك جيل من الشباب طابعه العنف وغابت عنه الأخلاق تماما وعرف كثيرا من الانحرافات، فالمعلم صار يلهث وراء تحسين وضعه الاجتماعي بواسطة الإضرابات والاعتصامات، وصار لا يقدّم إلا دروسا عامة وتخلى عن دوره التربوي والأخلاقي فيها.
أليس غريبا أن يكون عندنا قطاع للصحة به الكثير من المستشفيات الجامعية والمراكز الصحية المجهزة تجهيزا حديثا، ونصطدم لما نرى خدماتها وما تقدّمه من علاجات وما تقوم به من خدمات من المفروض أنه أحسن القطاعات لارتباطه بالخدمة الإنسانية قبل كل شيء، فنجده قطاع مريض بحاجة لتدخل عاجل وهذا بشهادة أهله والمشرفين عليه. والمصيبة أن هذا القطاع ورغم مرضه وعجزه إلا أن مستخدميه والعاملين فيه يقومون بالإضرابات والاعتصامات، مطالبين بتعويض عن ما يقومون به من تضحيات وما يقدّمونه للمرضى من خدمات.
أليس غريبا أننا نملك أكثر من خمسة عشر ألف مسجدا ولكن للأسف نائمة وخاوية ورجالها خارج الرواق، وكأن أمر هذا الشعب وهذا الوطن لا يعنيهم ولا يهمّهم، وتخلوا بذلك عن دورهم الأساسي في تعليم الناس وإرشادهم إلى السلوك الحسن وتوجيههم إلى الأخلاق الحسنة، فانشغل أئمتها بمسائل كيفية الوضوء وجمع التبرعات لبناء المساجد، وكأن مشكلتنا في بناء المساجد وليست في بناء الرجال، وتناسوا بذلك الجرائم الكبرى التي تحدث في هذا الوطن من قتل النفوس وقطع الطرقات والانتحارات والعنف الذي يمارسه الابن على أبيه والتلميذ على أستاذه والسرقة والنهب، وغيرها من الكبائر التي وجب معالجتها أولا.
أليس غريبا أن تنفق وزارة الفلاحة عشرات آلاف الملايير لتأمين أمننا الغذائي في برنامج (الدعم الفلاحي) على مر سنين طويلة، فتصير هذه الأموال في مهب الريح، بسبب أطماع وجشع المستفيدين منها وتوجيهها إلى خدمة أغراض شخصية آنية.
أليس غريبا أن يتخلى الأولياء عن تربية أبنائهم والاهتمام بهم، ويتركونهم وهم في عمر الزهور إلى شتى أنواع المؤثرات والموبقات التي تعرفها الشوارع والقنوات، فيكونون بذلك عرضة لسوء الأخلاق فيشبّون على الانحراف، وكل ذلك بسبب إهمال الوالدين وتفريطهم في تربية وتعليم أبنائهم.
أليس غريبا أن يتخلى الجميع، أفرادا وجماعات، عن دوره الواجب القيام به في بناء هذا الوطن والمساهمة في تنميته وتطويره، ونلقي باللوم على الحكومات المتعاقبة في تربية أبنائنا وتعليمهم، بعد أن أهمل الأولياء دورهم وغفل الكثير من المعلمين عن أداء رسالتهم، وغابت المساجد تماما عن توجيه أبناء الوطن لبناء الوطن.
أليس غريبا أن نلقي بالحمل الثقيل على رجال الشرطة والأمن في حماية هذا الوطن وأهله بعد أن تخلى الجميع عن دوره، فأصبح الشرطي يتدخل في كل وقت وحين لمحاربة المفسدين وملاحقة السارقين ومداهمة المنحرفين وحماية الوالدين من أبنائهم والأبناء من آبائهم والأساتذة من طلابهم والطلاب من أساتذتهم، وبات العنف سلوكا يوميا تشهده العائلات فيما بينها وسلوكا لأبناء الحي الواحد وداخل مؤسساتنا التربوية، وعادة مترسخة في شوارعنا وأسواقنا، وهذا كله بسبب تخلي الجميع عن دوره وتفريطه في واجبه اتجاه ما هو مسؤول عنه.
فوُلد جراء ذلك أن صار الشرطي يقوم بدور الولي ودور الإمام ودور المعلم ودور المربي، فبتفريط هؤلاء جميعا ازداد الضغط على عمل الشرطي وأصبح هو الحامي وأحيانا هو رجل المطافئ، وهذا بسبب أن أزمة مجتمعنا ليس كما يراها ويتصورها الكثير بأنها اقتصادية أو سياسية بل إن أزمة مجتمعنا أخلاقية بحتة، فالأخلاق تبني الأوطان وبها تصان وترقى، أما فيما عدا ذلك فهو درب الغافلين وطريق التائهين. ألم يقل الشاعر:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وأخيرا، أتوجه بطلب عاجل لجميع الهيئات والمؤسسات المعنية في أن يفتح نقاش عام حول أزمتنا الأخلاقية، لأن الأمر خطير ولا يقبل الانتظار، خاصة إذا علمنا أن القضية تتعلق بتحرير هذا الوطن من العنف والانحراف وفساد الأخلاق وغياب الروح الحقيقة لدى أبنائه في قيمة الانتماء لوطنه وضرورة التضحية من أجله.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 11/10/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : بلقاسم مرفاد
المصدر : www.elkhabar.com