عاد المختص التونسي في الشأن الأمني، نزار مقني، إلى تأثير الجزائر على الوضع العام وبالأخص في دول الجوار، وأشاد بدورها في الملف الليبي والمالي، وقال في حوار مع ”الفجر”، أن ”الجزائر قامت بإنجاز تاريخي مع الماليين وتحاول تكراره مع الليبيين، أما تونس فوضعها لا يسمح لها بلعب دور فعال”.الفجر: يواجه العالم العربي مسؤولية سياسية وأخلاقية وبالأخص دول الخليج التي يشار إليها بأصابع الاتهام في إشعال المنطقة في وقت تدير ظهرها أمام شعوبها، في رأيكم لماذا ترفض دول الخليج استقبال اللاجئين خاصة السوريين منهم؟نزار مقني: كما هو معروف أن دول الخليج ترفض استقبال عدد كبير من اللاجئين السوريين مخافة من أن يشكل ذلك ثقلا عليها وخاصة من الجانب الأمني، فالمعروف أن هذه الدول باتت تعاني من الإرهاب وخاصة من عمليات داعش الإرهابية التي بدأت في كل من السعودية والكويت، لذا فهي تتخوف من أن استقبال لاجئين على أراضيها قد يزيد الطين بلة.وإذا ما نظرنا إلى خارطة الصراع جيدا في منطقة الشرق الأوسط، فسنلاحظ أن دول الخليج بصفة عامة والسعودية بصفة خاصة، تعاني من صراعين مفتوحين، الأول في اليمن والآخر في سوريا والعراق، وهما صراعان يتميزان بنوعين مختلفين من النزاع رغم دورانهما في نفس محور الاقتتال الطائفي والمذهبي.هذا النوع من الصراعات التي أرادت السعودية ودول الخليج أن تبعدهما عن حدودها منذ 1979، بات اليوم على مشارف الحدود، الأول الخطر ”الجهادي” الذي عملت على إبعاده نحو أفغانستان من خلال دعوتها للجهاد ضد الاتحاد السوفياتي، وهو ما حصل طوال عشرية الثمانينات من القرن الماضي بدعم من أمريكا، حتى أن الجهاد أذن له من واشنطن، وكان ”الإمام” الذي نادى بذلك هو زغبينيو بريجنسكي، مستشار الرئيس الأمريكي. ومن ثم حاولت الدول الخليجية وخاصة السعودية وقطر، إبعاده وإبقاءه في حالة استعداد بالمدارس الدينية في كل من باكستان وأفغانستان، وقامت بتمويله واللعب على حباله وخيوطه لتستفيد منه في مراحل تالية، وهو ما تجلى في الصراع بسوريا، حيث نودي للجهاد من جديد ضد ”الرافضيين”، ما ساهم في تغذية الصراع في سوريا وتحويلها إلى مستنقع كبير بعد أن انتفخ ”الرضيع” الذي ولد في أول الثمانينات إلى شاب في التسعينات، كان تنظيم القاعدة رمزه الكبير، إلى أن أصبح منتفخ وشره تجلى في الجيل الثالث من التنظيمات الإرهابية والمتمثل بداعش. لذلك فإن دول الخليج بدأت اليوم في حصد ما زرعته، وأضحى ما خططت لإبعاده عن أراضيها يتهددها في الشمال والجنوب والشرق.الطفل ”إيلان” صدم الضمير العربي وفطر قلوب الأوروبيين، ماذا تقولون عن المشهد؟إيلان، ضحية أطراف كثيرة اجتمعت لتقضي على أحلامه وأحلام كثير من الأطفال ممن استبيحت حياتهم بعد التوغل في عقر ديارهم وانتهكت حرمتهم، وألخص المتورطين في المأساة الأليمة، في الحكومات العربية ومعهم تجار الدين الذين حرصوا على زراعة الموت بعيدا عنهم لإنقاذ محيطهم.بالعودة إلى تونس، ما رأيكم في الانتقادات الموجهة لقانون الإرهاب الجديد؟أرى أن قانون مكافحة الإرهاب مشروع يمكن أن يشكل يد طويلة من قبل السلطة التنفيذية لضرب المناخ الجديد للحريات في تونس، إذا ما ترجمت بعض من مواده إلى تطبيق راديكالي ضد المدافعين على هذه الحريات. فالقانون يولد مرتين، الأولى عند كتابته وأخرى عند تطبيقه، وأرى أنه لا بد من أن يكون لدور المجتمع المدني فاعلية في عدم تطبيقه براديكالية خاصة فيما يتعلق بمفهوم التنظيمات الإرهابية، وبالرغم من ذلك فإن هذا القانون حمل عدة مواد جديدة تحمي حقوق الإنسان من التعذيب وغيره في التعامل الأمني مع المستجوبين، وكذلك أخذ بعين الاعتبار السر المهني لعدد من الوظائف كالصحفي والمحامي والطبيب. ورغم ذلك فإن امكانية التلويح به في وجه أي تيارات سياسية واتهامها بالإرهاب ممكنة، إذ أن تعريف هذا المصطلح بقي ضبابيا ومتأثر بالتعريف الدولي لهذا المصطلح حسب عديد المختصين في القانون الدولي.الغنوشي انتقد مؤخرا ضعف الدور التونسي في حل أزمة ليبيا مقارنة بدور الجزائر اللافت، ما رأيكم؟أرى أن الدور التونسي في الملف الليبي كان من الممكن أن يكون أكثر فاعلية، لكنه تأثر بالمناخ السياسي الذي ساد البلاد قبل عامين، وهو ما حال دون ذلك، فتونس كانت تعيش انقساما، وكانت هناك لعبة محاور بارزة بين الإسلام السياسي ومن يسانده مقابل ذلك في ليبيا ومن الخارج، وتيار آخر كان يمثل الجانب المدني وضد أخونة السلطة وما يمثله في ليبيا كذلك وفي الخارج، وبمنطق آخر كانت نفس المحاور الإقليمية التي تساند فجر ليبيا تساند حركة النهضة ومن دعمها في تونس، وهما بالأخص تركيا وقطر، بالمقابل كان هناك من يساند التيار المدني والمتمثل في عملية الكرامة ومجلس النواب المنتخب بطبرق، وهما كل من مصر والامارات ومن ورائهما السعودية. لهذا السبب لم تكن تونس لتلعب دورا كبيرا في الملف الليبي رغم أنها أول من اكتوى بنيرانها إرهابا واقتصادا ومجتمعا، فهناك إلى الآن مليون ونصف ليبي يقيمون في تونس. من جانب آخر، فإن الائتلاف الحكومي الحاكم الذي يوجد به كل من النهضة ونداء تونس اللذين كانا متنافرين في السابق، جعل اتجاه ريح الدبلوماسية التونسية يتكيف مع الوضع، فعوض الاعتراف بطرف واحد من الصراع الليبي والمتعارف عليه دوليا والمتمثل بسلطة طبرق، قامت وزارة الخارجية التونسية بتعيين قنصلين في كل من طبرق وطرابلس، وهذا يمكن ان يكون بحكم طبيعة الائتلاف الحاكم في البلاد.أما الجزائر، فإن الاستقرار السياسي الذي تعرفه وكذا وضوح معالم السياسة الخارجية الجزائرية التي تعمل على درء الأخطار على حدودها، تستطيع القيام بمثل هذا الدور. أريد أن أضيف أن الديبلوماسية الجزائرية وبمنطق درأ الأخطار عن حدودها، قامت بإنجاز تاريخي بتقريب وجهات نظر الحركات الأزاوادية في مالي، ودفعها إلى طاولة المفاوضات وإمضاء اتفاق سلام تاريخي بينها في العاصمة الجزائرية، وهو ما تعمل عليه اليوم في ليبيا، من خلال محاولة إبعاد خيار التدخل العسكري في ليبيا والذهاب نحو حل سياسي، وهو عكس ما تريده مصر التي تفضل الخيار العسكري خاصة في شرق ليبيا.تتداول مصادر إعلامية خبر مفاده أن الرئيس بشار الأسد قد ينتقل إلى الجزائر رغم النفي الرسمي، إلى أي مدى سيسيئ هذا الأمر إلى الجزائر؟سيكون سيئا على الجزائر أن حدث ذلك على المدى القصير، حيث ستواجه انتقادات، لكن سرعان ما تصمت الألسن عن الكلام، لأن استقباله سيكون في إطار مفاهمات دولية لحل الأزمة السورية، فلا أظن أن الجزائر توافق على ذلك من دون علم أحد، بل يمكن أن تصنف الجزائر فيما بعد ضمن الدول التي شاركت في صنع السلام في سوريا.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 19/09/2015
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : الفجر
المصدر : www.al-fadjr.com