برنامج توزيع مياه في العاصمة إثر أزمة مياه حادة
أطلقت العديد من بلديات العاصمة الجزائرية برنامجًا لتوزيع مياه الشرب بالتناوب إثر أزمة مياه حادة تشهدها الجزائر عقب انخفاض متفاوت في منسوب السدود التي تمون شمال ووسط البلاد.
لم تكن الانقطاعات التي عرفتها بلديات العاصمة من المياه وليدة تهيئة للبنية التحتية أو شبكات المياه، وإنما شكلت أزمة حادة منذ منتصف الشهر الماضي نتيجة انخفاض مخزون المياه في السدود التي تمون الولايات الشمالية، كسد قدارة، فسجلت عجزًا بنسبة 25 بالمائة حسب بيان صادر عن وزارة الموارد المائية بالجزائر.
وقال بيان الوزارة أن الجزائر تعيش على غرار دول بحر الأبيض المتوسط عجزًا مائيًا ناجمًا عن التغيرات المناخية التي أثرت على نسبة التساقط بشكل كبير، ما أدى بالحكومة إلى تفعيل مخطط لتزويد البلديات الـ57 للعاصمة بالمياه بالتناوب، فيما نشرت شركة توزيع المياه “سيال”، برنامج توزيع المياه عبر صفحتها على وسائط التواصل الاجتماعي.
وفي تصريح لمراسل “تطبيق خبّر” الميداني في الجزائر عبد المؤمن لعرابي أوضح الباحث البيئي والخبير في المياه نجيب درويش، أن هناك انخفاضا بنسبة 30 بالمائة في كمية تساقط الأمطار في السنوات الأخيرة بسبب التغيرات المناخية حسب شبكة خبراء المعنية بالتغيرات المناخية والبيئية في منطقة البحر الأبيض المتوسط (MEDECC)، وهذا أثر سلبًا على نسبة امتلاء السدود والمياه الجوفية.
وأضاف درويش أن هناك علاقة طردية بين تساقط الأمطار وانخفاض مستوى السدود، إذ أن تناقص هطول الأمطار يؤدي إلى انخفاض مخزون السدود بصفة آلية.
سد مياه من سدود الجزائر
سد قدارة الذي يؤمن مياه 5 ولايات جزائرية منها العاصمة انخفض منسوبه لأول مرة منذ 20 سنة بشكل يخيف السكان
أنس قريشي، وهو أحد سكان منطقة الخروبة أين يقع سد قدارة الذي يمول الولايات الخمس الكبرى في الشمال والعاصمة، قال لمراسل “تطبيق خبّر” إنه طيلة عشرين سنة لم يشهد انخفاضًا للمياه في السد الذي يطل عليه من منزله الصغير، متوقعًا أنه قد يخلو تمامًا من المياه خلال الأيام القليلة القادمة، واعتبر أن هذا المشهد مرعب بالنسبة لسكان المنطقة فضلًا عن أن المياه تأتيهم مرتين في الأسبوع عبر الحنفيات المنزلية.
طوابير لملئ براميل ماء
مؤخرًا، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صور لطوابير من المواطنين ينتظرون لملأ عبوات بلاستيكية بعد انقطاع المياه في عدة أماكن لأكثر من عشرة أيام، فيما خلفت حالة من الاحتجاج في الكثير من المرات بسبب هذه الانقطاعات المتكررة.
تسببت هذه الانقطاعات المتكررة والتي لم يشهدها الجزائريون منذ عشرين سنة في حالة من الارتباك العام، إذ خرج المحتجون في مناطق عديدة في العاصمة وقطعوا الطرق الرئيسية بعد انقطاع دام أكثر من عشرة أيام كما حدث في منطقة برج الكيفان شرقي العاصمة. نتيجة لذلك ارتفعت أسعار الخزانات البلاستيكية بشكل مذهل، إذ تجاوزت قيمتها الضعف، فيما ارتفعت أيضًا أسعار صهاريج المياه الموجهة للاستهلاك في المنازل.
بيّن الباحث البيئي نجيب درويش أن نقص المياه قد يؤثر بصفة مباشرة على انتشار وباء فيروس كورونا المستجد، لأن الوقاية من الفيروس تحتاج استعمال المياه بشكل دائم من خلال غسل اليدين ونظافة الجسد.
لأول مرة منذ 20 سنة.. سدود فارغة وأزمة مياه بفعل التغيرات المناخية في الجزائر
يتكرر مشهد صهاريج المياه والزحمة عليها في الجزائر هذه السنة
سدود بأقل من 50 بالمائة .. وحلول في الأفق
تُعيدنا مشكلة انخفاض منسوب السدود في الجزائر لأكثر من عشرين سنة خلت قبل البدء في إنشاء محطات تحلية المياه، إذ أنها الآن لم تعد كافية في ظل التطور الديمغرافي الرهيب في السنوات القليلة الماضية، فضلًا عن الاستهلاك الواسع للمياه، ما حتم البحث عن حلول ظرفية سريعة لهذه الأزمة.
خلال حديثه مراسل “تطبيق خبّر” الميداني، أوضح نجيب درويش أن هناك حلولًا عديدة، من بينها إعادة استعمال المياه المعالجة في الفلاحة، كما هو الشأن في بعض الدول كتونس وإسبانيا، وتحلية مياه البحر، وما يسمى “البراكشواتر”، أي المياه المالحة في الصحراء.
من بين الحلول كذلك، الترشيد في استعمال المياه من خلال الحملات التوعوية عبر وسائل الإعلام للمواطنين، وبعض الحلول التقنية التي ترافق هذه الحملات من بينها معالجة التسربات في شبكات المياه. وأضاف درويش أنه يجب على الحكومة الذهاب لتحلية مياه البحر والمياه المعالجة، مبيّنًا أن بعض التدابير قد اتخذت في هذا الشأن.
بحيرة سد قدارة بالجزائر
تناقصت المياه في السدود بنسبة 50% من سعتها والجزائر تتجه لتحلية مياه البحر
كما يمكن أيضًا استعمال المياه المعالجة في الصناعة، فمثلًا محطة توليد الكهرباء تستعمل المياه لتبريد التوربينات، لكن الجزائر لم تضغ بعد التشريعات اللازمة في هذا الشأن، فضلًآ عن إعادة استعمال المياه المعالجة في الزراعة، وهي تجارب قليلة في الجزائر في كل من تلمسان وبومرداس وبرج بوعريريج، حيث تم استصلاح حوالي 912 هكتارًآ من الأراضي بمدينة تلمسان بهذه التقنية.
التغيرات المناخية…هل يمكن الحد من تأثيراتها في مجال المياه؟
يرى بعض الخبراء أن الحد من هذه التغييرات ينقسم إلى شطرين، هما التخفيف والتكيف. الأول يشمل عدة خطوات من بينها الانتقال الطاقوي، و الفعالية الطاقوية، والترشيد في استهلاك الكهرباء في البناء، والرابعة زيادة الغابات، ومشروع السد الأخضر، وهو شريط غابي يفصل شمال الجزائر عن جنوبها، بمساحة مليون ومئتين وخمسة وأربعين الف هكتار واحد.
وهو يعتبر من أهم الحلول التي يمكن من خلالها مواجهة هذه التغيرات، ومن خلاله يمكن استعمال المياه المعالجة القريبة من مسار السد الأخضر. أما بالنسبة للتكيف، فيشمل إعادة استعمال المياه المعالجة والتحلية. وبالنسبة لهذه الأخيرة، يمكن القول اإن الجزائر رائدة في هذا الميدان، لأنها بدأت بعد أزمة 2001، في وضع محطات كبيرة للتحلية التي كان لها دور مهم في تزويد المواطنين بالمياه بقدرة 17 بالمائة.
فقد أنجزت الجزائر أكثر من 11 محطة بسعة 1.1 مليون متر مكعب يوميًا، لكن هذه المحطات الآن لا تكفي لأن عدد السكان تزايد، وكذلك المشاريع الصناعية التي تستهلك الكثير من المياه، كصناعة الحديد والصلب، والزراعة التي تستهلك 64 بالمائة من الموارد المائية.
حسب الخبير نجيب درويش. وإلى جانب التأثيرات البيئية والصحية، التغيرات المناخية يمكن أن تسبب تأثيرات مهمة تؤثر في الأمن الغذائي كالفلاحة وتربية المواشي، فيما سيعاني أكثر من مليار شخص في العالم حتى العام 2050 من نقص المياه بسبب التغيرات المناخية على هذا الكوكب.
يذكر أن وزارة البيئة الجزائرية قد وضعت خطة الاستراتيجية الوطنية للبيئة الجديدة، وتتألف من 7 محاور، من بينها المحور السادس ويتعلق بزيادة مقاومة الجزائر للتغيرات المناخية ومشاركتها في المجهودات الدولية.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 24/07/2021
مضاف من طرف : patrimoinealgerie
المصدر : akhbaralaan.net