الجزائر

لا حق لوطني أن يعمل في إدارة الإحتلال شهادة الرفيق الخامس لبالوزداد



لا حق لوطني أن يعمل في إدارة الإحتلال شهادة الرفيق الخامس لبالوزداد
نتابع في الحلقة الأخيرة من شهادة المناضل حمودة ”لراب” (محمد العربي) تجربته في ” النضال الجواري” من خلال ” لجنة الدفاع عن حي بلكور ” (بالوزداد)، هذه اللجنة التي جعلت بلدية العاصمة ” تنظف شوارع الحي بالماء في فصل الشتاء”!
كما نتابع تجربته في ثورة التحرير، بكل من جنوب فرنسا ومدينة طنجة بالمغرب:
- بفرنسا حيث كانت أول مهمة تسند إليه في ”إطار إتحادية جبهة التحرير الوطني - هي محاولة التوسط لدى الحركة المصالية، لتجنب مال تحمد عقباه: الإقتتال بين الأشقاء.
- بطنجة حيث ساهم في تنشيط فرع اتحادية الجبهة بالمدينة، الى جانب المناضل عبد السلام بودينار، تحت أشراف رئيس الإتحادية الطيب (علال) الثعالبي.
ونكتشف أن الشاهد كان من الإطارات الأولى في قطاع السياحة غداة الإستقلال، ومن رواد الإهتمام بالسياحة الصحراوية خاصة...

تجربة رائدة في النضال الجواري
عاش المناضل الوطني محمد العربي- المعروف باسم حمودة ”لراب” - بعد إجراءات العفو العام في ربيع 1946 تجربة متميزة في النضال الجواري، من خلال ”لجنة الدفاع عن مصالح حي بلكور” (بالوزداد). فقد كان أمينا عاما مساعدا لهذه اللجنة، الى جانب رئيسها محي الدين الأغواطي.
وضعت هذه اللجنة دفتر مطالب رفعته الى بلدية الجزائر، وأخذت تلح في طلب تطبيقه.. وكانت في ذلك تهدد بطرح مشاكل الحي على وزارة الداخلية... وأكثر من ذلك كانت تطالب - في حال عدم التكفل بهذه المشاكل- ببلدية مستقلة، تغطي الفضاء الممتد ما بين الحامة وساحة أول مايو!
وحسب المناضل الشاهد، أن هذا الإلحاح والتهديد جعل البلدية تستجيب الى مطالب اللجنة، حتى أنها أصبحت تنظف شوارع الحي بالماء في فصل الشتاء!
وكانت هناك لجان مماثلة في عدد من أحياء العاصمة، بدءا بحي القصبة في سنة 1947 رشحه رفيقه أمحمد يوسفي - الذي كلف غداة نكبة مايو 1945 بإعاة تنشيط الحركة الوطنية في غرب البلاد- لقيادة ناحية ”لي بوش دي رون”، في اتحادية حركة الإنتصار بفرنسا، لكنه اعتذر، مفضلا مواصلة الدعوة إلى استقلال الجزائر داخل البلاد.
ومن وسائله في ذلك توظيف التاريخ، بالإعتماد على كتابات الشيخ توفيق المدني خاصة، واستغلال الأعراس لترديد الأناشيد الوطنية، ومن شركائه في هذه المهام مهساس وآيت أحمد الذي كان يكمل رفيقيه منشدا بالأمازيغية.
وفي نفس السنة استأنف حمودة ”لراب” عمله في بلدية الجزائر، لكن الى حين فقط، فقد رأت شرطة الإستعلامات العامة أن المناضل الوطني لاحق له في أكل الخبز من أيدي إدارة الإحتلال، فتدخلت لطرده من البلدية سنة 1949.
لذا ظل يناضل بدون عمل قار، طوال السنوا الخمس التي سبقت إعلان ثورة فاتح نوفمبر 1954.
خلال هذه الفترة قام بجولتين الى المغرب، ساعده في الأولى مترجم قضائي بالرباط، تربطه به علاقة عائلته.
وسمحت له بالتعرف على فاس ومكناس فضلا عن الرباط، وقادته الثانية في مطلع 1953 الى طنجة، حيث مكث نحو خمسة أشهر.
وزارة باريس في نفس السنة، وأقام بها بضعة أسابيع، حصل خلالها على عملا ومأوى... وتعرف بالمناسبة على مقر اتحادية حركة الإنتصارفي 22 شارع ”قزافيي بريفا” بالحي اللاتيني..
وجدد هناك اتصالاته ببعض رفاقه ببلكور، أمثال مهساس وزين العابدين مومجي، كما تعرف على طالب جراحة الأسنان عبد القادر قلش. ويكشف الشاهد في هذا الصدد أن الشباب الوطني بفرنسا كان يناضل بعيدا عن ضغوط نظام الإحتلال السائد بالجزائر...
فقد كان ورفاقه مثلا لا يحرمون أنفسهم من التردد على مسبح ” لوتيسيا” بالدائرة الخامسة.
غير أن حمودة ” لراب” - رغم هذه الأجواء المريحة - مالبث أن قفل عائدا إلى الجزائر ... وفي بلكور صادف ذات يوم الثائر عمار أو عمران، فلما عرف أنه كان بفرنسا.. اعترف له بأنه ضاق بحياة السرية والجبال، ورغب منه أن يساعده على الإلتحاق بها.
ويكشف ” لراب” بالمناسبة أن ثوار جرجرة - قبل الثورة - كانوا يفضلون الإقامة بحي بلكور عند القدوم إلى الجزائر، لإمكانية الإنسحاب منه عبر غابة الأقواس.

الوساطة المستحيلة بين ”الجبهة” و”الحركة”
ترى ما كان موقف المناضل حمودة ”لراب” في أزمة حركة الإنتصار مطلع 1954؟
بعد الصدمة الأولي، فضل أن يقف موقف الملاحظ المحايد، ريثما تتضع الأمور، وتتمايز الصفوف.
وفي يونيو من نفس السنة، شاءت الصدف أن يقرر العودة الى فرنسا ثانية، فقد صادف بأحد شوارع العاصمة فرنسيا، كان على سابق معرفة به، فلما عرف أنه ما يزال يعاني البطالة، يسر له فرصة الإلتحاق بمدرسة تكوين كاثوليكية في مرسيليا... التحق فعلا بهذه المدرسة مع بداية الموسم، وأخذ يتابع بجد دراسته المكثفة، بعد أن اختار شعبة المحاسبية...
وقد استقبل الأصداء الأولى لثورة فاتح نوفمبر، وهو في حالة تلك. وبينما كان يفكر في كيفية المشاركة، ويبحث عن سبيل لدعم الحركة الوليدة، سقط طريح الفراش، إثر مرض صدري، أقعده عن الدراسة والتفكير في النضال معا؛ لأنه كان يتطلب فترة علاج طويلة.
ويعتقد الشاهد أن اصابته من مضاعفات الأيام الصعبة التي عاشها ناحية الأخضرية، عندما كلف بالإشراف على تعميم انتفاضة ماي 1945، بعد أن تعافى قليلا، اتصل بنظام إتحادية جبهة التحرير بالمنطقة، فأسندت إليه مهمة دقيقة: وسيط مصالحة مع أنصار الحركة المصالية.
كانت المهمة صعبة منذ البداية، وازدادت تعقيدا بعد الإعلان انضمام عناصر اللجنة المركزية الى جبهة التحرير الوطني أواخر 1955. فقد أصبحت حجة المصاليين: ”كيف تطلبون منا الإنضمام الى خصومنا المركزيين؟!”
وغداة الصدامات الأولى بين الطرفين، اتصل به أحد المناضلين ليطلب منه إلتزام الحذر بعد الآن. ويصف الشاهد الإقتتال الأخوي بين الوطنيين أثناء ثورة التحرير ب”المأساة الكبرى”.
في بداية 1956 قرر حمودة استغلال جزء من فترة النقاهة لزيارة الجزائر، لكن ما أن وصل المنزل العائلي، حتى عرف أن مصالح الأمن داهمت المنزل أكثر من مرة بحثا عنه.
أضطر مكرها لتقصير زيارته، وعاد إلى مرسيليا، حيث بدأ يفكر في الإلتحاق بطنجة، وفعلا تمكن من الإلتحاق بها بوسائله الخاصة،مستغلا جواز سفر كان حصل عليه سنة 1951، يحمل وظيفته آنذاك كصانع جبن، واصل علاجه بطنجة بعض الوقت، وما أن استراح قليلا من مرضه حتى استأنف نضاله في إتحادية جبهة التحرير بالمغرب.
كان الشاهد في رحلته الأولى إلى طنجة سنة 1953 قد تعرف على مناضل جزائري مقيم هناك، يدعى عبد القادر ”شنق الريح” (شنقريحة)، فوجد هذه المرة بمثابة الساعد الأيمن للطيب (علال) الثعالبي مسؤول الإتحادية، بعد أن لعب دورا مماثلا مع بوضياف، قبل أسره في 22 أكتوبر 1956. فقام بتزكيته لدي مسؤول الإتحادية رفقة خريج سابق من مدرسة بوزريعة للمعلمين، يدعى عبد السلام بودينار.
كلف هذه الأخير لقدمه بمنطقة طنجة الدولية، بينما كلف حمودة بتأطير الجالية الجزائرية على مستوى المدينة، وتنظيم دعمها للثورة.
ويخبرنا الشاهد، أنه كان من بين العناصر البارزة وسط هذه الجالية الهاشمي الشريف نقيب المحامين بطنجة، ولاذي كان بمثابة ضابط اتصال للعرش الملكي، مع بن بلة ورفاقه بسجن ”لاصنتي” ثم في قلعة ”الليدو” بجزيرة ”آكس”.
وكان من بينها أيضا محمد فراح(1) وهو مناضل فنان من قضية العاصمة، سبق لحمودة أن تعرف عليه سنة 1944، بمناسبة زفاف المناضل أمحمد يوسفي، وقد حضر الحفل الشيخ البشير الإبراهيمي، وتولى فراح إلقاء كلمة بالمناسبة نيابة عنهم ، أمام رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين...

مرابط... في ثغرة طنجة
كان من مهام المناضل حمودة ”لراب” بطنجة السعي لتجنيد الجزائريين في جيش التحرير الوطني، ومن هؤلاء من أنهوا الثورة ضباطا بالولاية الخامسة.
وحدث ذات مرة أن طلب منه مناضل من بلكور، يعمل حارسا ليليا بمنايء المدينة أن ينوبه، وصادف أن نزل به جزائريان قامت شرطة الميناء (الدولية) باعتقالهما، بعد أن بلغت بهما مصالح الأمن الفرنسية.
كان الجزائريان قد ادعيا أنهما مواطنان مغربيان، أضاعا وثائق سفرهما. بادر حمودة بالإتصال بهما في مكان حجزهما، فتأكد أنهما جزائريان معرضان لخطر الموت، دون أن يعلم بمصيرهما أحد.. سارع لذلك بطلب مساعدة المحامي الهاشمي الشريف الذي تدخل فورا لدى إ دارة الميناء، وتمكن من الإفراج عنهما.
وقد تبين بعد ذلك، أنهما جنديان فاران من الجيش الفرنسي المرابط بألمانيا... فأكمل مهمته بضمان التحاقهما بجيش التحرير في وجدة.. وقد أصبح أهدما غداة الإستقلال من الكتائب الوطنية للأمن.
كان حمودة إلى جانب نضاله، يقضي بعض أوقات فراغه في متابعة دروس الزاوية الدرقاوية بطنجة، وكان من مدرسيه بها الشيخ عبد الحق الغماري، الذي درسه ألفية بن مالك في النحو، وشيئا من البلاغة.
ومعنى ذلك أن ثورة التحرير لم تعزز فقط رصيده النضالي الغني، بل أثرت ثقافته باللغتين العربية والفرنسية وقد دخل عهد الإستقلال بهذا الرصيد المزدوج، وتشاء الصدف أن يدخله مرة أخرى من بلدية الجزائر التي كان على رأسها في فجر الإستقلال المرحوم فرحات بلمان.
أشرف في البلدية على تنظيم أسواق العاصمة، لكن ما لبث أن اكتشف أن امكانياته وآفاقه أصبحت أوسع، من الإقتناع بهذا العمل الرثيب.
وذات يوم زار صديقه محمد فراح، بوزارة الشبيبة والرياضة التي كان على رأسها عبد العزيز بوتفليقة.. فرغبه في العمل بقطاع السياحة الذي كان تابعا للوزارة آنذاك.. وهكذا وجد نفسه بدار عزيزة مقر مديرية الساحة يومئذ. وكان من مسؤولي المديرية يومئذ عبد القادر خالف (شقيق قاصدي مرباح من إطارات الأمن العسكري يومئذ). فتعاون الرجلان على بعث هذا القطاع من جديد. ومن باكورة اجتهاد الرجلين ”الدرورة الذهبية” الأولى في أبريل 1963، وهي عبارة عن جولة سياحية مدة أسبوع لفائدة آجانب، بدأت بالأغواط وانتهت ببوسعادة، مرورا بغرداية ورقلة، توقرت، بسكرة.
استمر نشاط حمودة ”لراب” بالسياحة، إلى أن أحيل على المعاش بداية الثمانينيات من القرن الماضي.. وقد اختار بعد أن ناهز الستين من العمر مدينة المدية ملاذا لإستراحة المحارب، وبديلا لصخب العاصمة وضوضائها.. ظل يعيش هناك جنديا مجهولا، إلى أن كسرنا عنه عزلته وأعدناه بهذا اللقاء العابر إلى واجهة الحدث التاريخي، إلى جانب رفاقه الأربعة في قيادة شباب بلكور: بلوزداد، يوسفي، مهساس، تازير.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)