الجزائر

لا حديث لدى التونسيين سوى عن أملهم في إنقاذ الموسم السياحي تونس تناشد الجزائريين فك العزلة التي تعيشها



قد لا يجد الجزائريون فرصة أحسن من هذه لقضاء عطلتهم الصيفية في تونس، التي لم تكتف الثورة فيها بزعزعة عرش بن علي، بل امتدت ارتداداتها إلى مصدر رزق أكثـر من 700 ألف عامل تونسي في القطاع السياحي الذي يمثل العمود الفقري للاقتصاد التونسي، فكل الظروف هيئت لاستقبال الجزائريين الذين يعوّل عليهم أكثـر من غيرهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في هذا الموسم، من خلال تخصيص خدمات ذات نوعية للسياح الجزائريين،
وبرمجت تخفيضات مغرية ومعاملتهم بنفس الطريقة التي يعامل بها سياح أهل البلد.
  لم نر عزيمة وإرادة لدى التوانسة مثل التي هي عندهم اليوم، نتيجة إصرارهم الكبير على إنقاذ موسمهم السياحي والخروج بأقل الأضرار، فرغم أن البلاد مازالت تعيش على وقع مخاض ثورة الياسمين، إلا أن المسؤولين على القطاع السياحي والمتعاملين السياحيين تركوا الثورة لأهلها، ووجهوا اهتمامهم للنهوض بهذا القطاع الذي تضرر كثيرا بسبب الظروف التي عرفتها البلاد مؤخرا، ورغم التردد والتخوف الكبير الذي مازال ينتاب السياح الأوروبيين بسبب الأوضاع التي تعرفها المنطقة، وبشكل أخص الحرب الجارية حاليا في ليبيا، إلا أن عشاق تونس مازالوا يتوافدون على منتجعاتها السياحية الساحرة، وإن لم يكن عددهم كما كان قبل الثورة، لكن المتعاملين في القطاع أصبحوا شبه متيقنين ومتأكدين من أن هذا الموسم سوف لن يتم إنقاذه إلا بالسياح الجزائريين الذين أصبحوا يتمتعون بمكانة خاصة لدى التونسيين، فما إن تدخل أي محل إلا وتقابل ترحيبا منقطع النظير ولا تسمع من أفواه التونسيين إلا كلمة مرحبا.. مرحبا بإخواننا الجزائريين . أما أصحاب الفنادق الذين تكلمنا معهم في مختلف المناطق سواء في سوسة أو الموناستير أو الحمامات فإن جميعهم يعدون الجزائريين بمفاجآت كبيرة من حيث الخدمات والأسعار. بعد تراجع مداخيل القطاع بـ40 بالمائة.
وعن هذه الظروف، يقول منصف حاشي، تاجر في الصناعة التقليدية بميناء القنطاوي بسوسة -أحد أهم المناطق السياحية في تونس- إن نشاطنا تراجع بنسبة 70 بالمائة، عادة ما كنا نستقبل الكثير من السياح في هذه الفترة بين شهري أفريل وماي، إلا أن هذه الفترة لم يتجاوز فيها عدد السياح الأجانب المئات، والعديد من التجار لا يبيعون أحيانا أي شيء. وقد تصل أحيانا هذه الفترة أسبوعا كاملا، لكن رغم هذا فإننا متفائلون بالمستقبل  وسنصبح قريبا أحسن من سويسرا .
أما بن سالم نبيل صاحب محل بمنطقة مناستير السياحية فيقول أن نشاطنا تضرر كثيرا ونفس هذه الوضعية يعاني منها أيضا أصحاب السكنات الذين تعودوا تأجيرها للسياح طيلة هذا الموسم، فتلاحظ أن كل السكنات لم يتم تأجيرها بعد لكن ننتظر قدوم الجزائريين بقوة وسيلقون منا كل العناية والاحترام، لكن رغم كل ذلك فنحن على العموم متفائلون بمستقبل زاهر وسنتجاوز هذه المرحلة الجد عصيبة بالنسبة للاقتصاد التونسي .
وأكد لنا أحمد، شاب، صاحب سفينة سياحية بميناء مارينا بسوسة، أن نشاطه هو الآخر تراجع كثيرا بسبب نقص السياح الأجانب ولم نعد ننظم سوى رحلة سياحية واحدة في اليوم، وبعدد قليل جدا من السياح، رغم أننا قمنا بتخفيض 40 بالمائة في سعر التذاكر بعد أن كنا من قبل نقوم بجولتين في اليوم وبأعداد كبيرة يصل أحيانا عددهم إلى 300 راكب في الرحلة، وبحجز مسبق، لكن نتمنى أن لا تطول هذه الوضعية كثيرا .
47 ألف جزائري دخلوا إلى تونس في شهر ماي الفارط
فإذا كانت هذه الأوضاع الصعبة التي تعرفها المنطقة قد أربكت السياح الأجانب وجعلت العديد منهم يحجمون على القدوم إلى تونس، فإن حركة الجزائريين باتجاه تونس لم تتأثـر كثيرا، حيث تشير إحصائيات وزارة السياحة التونسية إلى أن عدد الجزائريين الذين دخلوا التراب التونسي خلال شهر ماي الفارط فقط بلغ 47 ألف جزائري، مقابل 65 ألف دخلوا في نفس الفترة من السنة الفارطة، في حين بلغ عدد الجزائريين الذين دخلوا التراب التونسي خلال الخمسة أشهر الماضية أي منذ جانفي الفارط إلى غاية نهاية شهر ماي 204 آلاف جزائري، مقابل 304 آلاف في نفس الفترة من السنة الفارطة، أي هناك تراجع يقدر بحوالي 30 بالمائة. إلا أن الشيء اللافت للانتباه الذي لمسناه في أغلب المناطق السياحية التي زرناها في تونس هو رفع الراية الجزائرية في مختلف الفنادق خصوصا بالفنادق الفاخرة ذات أربع وخمس نجوم، بعد أن كانت هذه الأخيرة من قبل -كما قال لنا مسؤول بأحد الفنادق بسوسة- تقوم برفع رايات الدول الغربية فقط، فهذه إشارة كما يضيف ذات المسؤول على أن الجزائريين أصبحوا يعاملون مثل ما يعامل به السياح الأوروبيين، ويستفيدون من نفس الخدمات التي تقدم لهؤلاء، وهو ما لم يكن في السنوات الفارطة، والأكثـر من ذلك فإن السائح الجزائري  سيستفيد من خدمات أخرى لم يكن يألفها من قبل كما يقول محدثنا.
تخفيضات مغرية للجزائريين
دفعت ثورة 14 جانفي، أو ثورة الكرامة والحرية كما يحلو للبعض تسميتها، بالمسؤولين على القطاع السياحي في تونس إلى مراجعة سياستهم الخاصة بالأسواق السياحية، فبعد أن كانت تونس من قبل -كما يقول عفيف محرزي، مدير عام مساعد بالديوان الوطني للسياحة التونسي- تركز اهتمامها أكثـر على السوق الأوروبية وتفضيلها للسياح الأوروبيين على حساب أسواق جيرانها، فقد تم التراجع عن هذه السياسة لوصولهم بعد الأحداث الأخيرة التي عرفتها بلادهم إلى قناعة مفادها أن الاهتمام بالأسواق الأوروبية على حساب أسواق جيرانها لم يحقق لبلادهم المناعة الإستراتيجية، بعد تراجع قدوم السياح الأوروبيين وترددهم في اختيار الوجهة التونسية بسبب الأحداث التي تعرفها المنطقة والحرب الليبية، ليقرر هؤلاء المسؤولين تعديل هذه النظرة من خلال تحويل اهتمامهم إلى السوق الجزائرية.
وتعتبر الجزائر سوقا مهمة بالنسبة للسياحة التونسية، من خلال الاهتمام بالسائح الجزائري الذي سيصبح على حد قول ذات المسؤول يعامل معاملة خاصة عن الطريقة التي يعامل بها ابن البلد.
وبناء على هذا -يضيف ذات المسؤول- سنعطي السوق الجزائرية بعدا استراتيجيا، ونعمل على إنجاز دراسة نريد من خلالها معرفة إمكانيات ومتطلبات السائح الجزائري من أجل تلبيتها وأخذها بعين الاعتبار، كما يجري حاليا التفكير في إنجاز مراكز سياحية متخصصة للعائلات التي لا تريد الاختلاط مع باقي السياح، والملتزمة بـ الحشمة التي تطلبها بعض العائلات الجزائرية، كل ذلك الغرض منه ترقية العلاقة بين الجزائريين والتونسيين إلى شراكة حقيقية حتى يكون تدفق حركة السياح في الاتجاهين.
وعن تخوف البعض من الحالة الأمنية، فقد أكد ممثل الوكالة الوطنية للسياحة التونسي أن الوضع الأمني في تونس تحسن كثيرا، وهناك وعي كبير لدى التونسيين لتخطي هذه المسألة، وقد وضعت الحكومة التونسية الحالية مخططا أمنيا يشمل كل مناطق الجمهورية،  ويشمل بالخصوص المناطق السياحية لتأمين تحركات السياح، حيث لاحظنا انتشارا كبيرا لعناصر الشرطة والحرس الوطني التونسي في المناطق السياحية من دون إزعاج السياح، وقد تم نصب حواجز أمنية على كل الطرقات  لتأمين السير الطبيعي للسياح الذين يأتون عبر البر.
وفي السياق ذاته، يقول ممثل الديوان الوطني للسياحة التونسي بالجزائر، فوزي البصلي، أنه تم نصب 6 حواجز أمنية في الطريق البري الرابط بين تونس والجزائر لتأمين السياح الجزائريين، كما قال أيضا أن إجراءات اتخذت لتحسين وعصرنة خدمات البوابات البرية  لتوفير كل التسهيلات وتخفيف الإجراءات الجمركية لتسهيل حركة تنقل الأشخاص.
ويقول عفيف محرزي إن السياح الجزائريين سيستفيدون من تخفيضات هامة بعد أن قرر المتعاملين في هذا القطاع  التعامل مع الجزائريين بسياسة أسعار الجملة المطبقة على السياح الأوروبيين، بعد أن كانت تطبق عليهم الأسعار الفردية المرتفعة كثيرا مقارنة بأسعار الجملة.
وفي سياق متصل، قال فريد فتي مدير مركزي بوزارة السياحة التونسية، مكلف بالأسواق الخارجية أننا نؤمن بالسوق الجزائرية، ولا بد من تعميق هذه النظرة للسوق الجزائرية، ولا يمكن أن نبقى ننظر إليها بنظرة سطحية نريد ترقية هذه السوق، ليس لأن لدينا نقص وإنما هي نظرة جديدة للسياحة التونسية .
وهذه الخدمات لن يستفيد منها نزلاء الفنادق فحسب، وإنما سيتركز الاهتمام كذلك بالأحياء التي يستأجر فيها الجزائريون، وينصب الاهتمام أساسا على مراقبتها من حيث الأسعار والخدمات المقدمة لهؤلاء وتوفير كامل الحماية لهم، كل هذا يدخل بحسب ذات المسؤول في إطار إعادة بناء السياحة التونسية على أسس جديدة تأخذ بعين الاعتبار متطلبات كل الأسواق.
ولضمان تنشيط الحركة السياحية في رمضان فقد أكد مسؤول الوكالة الوطنية للسياحة التونسية أن هيئته قامت بضبط برنامج خاص  بالتنسيق مع وزارة الثقافة  لتنشيط السهرات الليلية، كما أعطيت تعليمات للتجار لفتح محلاتهم  ليلا لإعادة الحياة الطبيعية في تونس كما كانت عليه قبل الثورة وتجاوز حالة الركود التي تعرفها مختلف شوارع وأحياء تونس التي أصبحت تنام مبكرا رغم رجوع الأمن لمختلف ربوع الجمهورية، حيث تمت لهذا الغرض برمجة عدة تظاهرات ثقافية وفنية لجلب المزيد من السياح طيلة الموسم الصيفي الذي يمتد إلى غاية شهر نوفمبر القادم.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)