الجزائر

لا تنقذوا سورية... إنقذوا أنفسكم



لا مؤشرات إلى أن الحرب السورية تتجه إلى أي تسوية من أي نوع كان. رغم كل ما استخدمت فيها من أسلحة، وصولا إى ما تردد عن قنابل غاز، ورغم كل الجهود السياسية التي ما تزال تتعثر على أعتاب مهمة الأخضر الإبراهيمي.
وغياب التسوية في ذاته يعني أن سورية مهددة بالدمار الشامل، حجرا وبشرا، بنى تحتية واقتصاد، مؤسسات إدارية وعسكرية. ولا مبالغة أن مشاهد من حمص وحماة وادلب ودير الزور ودرعا، وحتى في العاصمة، تناظر ما نراه من الصومال حيث تحول بلد بأكمله إلى ركام وشعبه إلى مشردين.
وهذا ما ينتظر سورية، مع مرور كل ساعة من الوقت. ففي كل ساعة يقتل تدمر عشرات الأبنية ويقتل عشرات الأشخاص ويهجر المئات من منازلهم. ومع مرور الأيام باتت الحصيلة مروعة على المستوى الإنساني والعمراني.
لكن سورية ليست الصومال. سورية كانت ولا تزال القلب النابض لحضارة المنطقة. وعمرانها كان الدليل على ما أنجبته هذه المنطقة من رقي وتقدم. وشعبها كان الدليل على قدرة هذه المنطقة على التعايش والمواطنية. كل هذا مهدد اليوم بالصوملة.
قد نجد تبريرات للموقف اللامبالي للعرب من الصومال. فهو بلد طرفي وغير مؤثر في المنطقة، والآثار السلبية لتدميره وتشريد أهله انحصرت في القرن الإفريقي ولم تمس المنطقة العرب، باستثناء اليمن الذي نزح إليه لاجئون صوماليون.
وعلى ذكر اليمن الذي عانى بدوره أزمة خطيرة، لا يزال يبحث عن كيفية الخروج منها، يمكن أن نلاحظ أن حدا أدنى من الضغط والتدخل من مجلس التعاون الخليجي أقنع المجتمع الدولي بأن يفرض على الرئيس السابق علي عبدالله صالح التنازل وتسهيل التسوية، أي أن تحركا عربيا يمكن أن تكون له انعكاسات على المواقف الدولية وعلى تسهيل الحلول.
المبررات التي جعلت العرب يبتعدون عن الصومال لا يمكن إحضارها في الحالة السورية. وإذا كان بعض العرب غير مهتم بسورية الوطن، كما أهملوا يوما لبنان الدولة وتركوه نهشا للاقتتال، فإن من مصلحة العرب أن يهتموا بالآثار الناتجة عن المآل السوري، لأنها ستنعكس مباشرة على دولهم ومصالحهم. والتدخل العربي في الشأن السوري لم يعد تدخلا في شأن داخلي لدولة مستقلة، إنما بات ضرورة للدفاع عن المصالح الوطنية لكل دولة في المنطقة.
سورية تواجه، في ظل غياب الحل السريع، أسوأ السيناريوات. دمار كامل وشامل ولجوء أهلها إلى الجوار الذي يعاني ما يعانيه من ضائقة ومعضلات، هذا الدمار الذي يفرخ كل أشكال الشلل الاجتماعي والتطرف الأيديولوجي والتشدد الديني، ما سينعكس وبالا على الجوار العربي، أو سينعزل الحكم السوري الحالي في منطقة ذات غالبية طائفية، ما يجعل البلاد في طور يدخل تعديلا جيو استراتيجية على منطقة تعاني من الهشاشة الشيء الكثير، ولن تتأخر بذور مماثلة في اكثر من بلد عربي في البزوغ.
لذلك لم يعد مفهوما أن يقتصر سلوك العرب وجامعتهم على تلمس كلمة ملتبسة من موسكو، علها تحرك حلا دوليا مبهما أو توافقا أمريكيا - روسيا على اقتسام المصالح. كما لم يعد مفهوما أن يقتصر السلوك العربي على دعوات إ مؤتمرات لمساعدة الشعب السوري أو إرسال شاحنات الى هذا المخيم أو ذاك للاجئين السوريين. فكل ذلك ليس أكثر من مخدر لضمير، ولا يتصدى لعمق الأزمة ولضرورة محاصرتها ويجاد الحل السريع لها.
ليس من الواضح تماما أن قيمة الوطن السوري، بحضارته وتجربته وثقافته، مسألة تشغل كثيرا بال العرب. فالتجارب الكثيرة أظهرت أن مثل هذا الاعتبار ليس أساسيا، وتجربة العرب مع لبنان خير مثال على ذلك، لقد تدمرت هذه التجربة دون أن تلقي وزرا عليهم. أما سورية فشأن آخر، فدمارها المستمر سيكون وبالا عليهم جميعا. وهم، إن لم يكونوا يرغبون في إنقاذ التجربة السورية والوطن السوري، فعلى الأقل أن يعملوا على إنقاذ أنفسهم من ويلات تدميرها.
*منقول عن “الحياة" اللندنية
عبدالله إسكندر
![if gt IE 6]
![endif]
Tweet
المفضلة
إرسال إلى صديق
المشاهدات: 2
إقرأ أيضا:
* نيجيريا: مسلحون مجهولون يقتلون ستة مسيحيين
* الحر يبدأ معركة تحرير معرة النعمان في أدلب
* البحرية الإيرانية تستعد لإجراء مناورات في مضيق هرمز
* شرطية أفغانية من أصول إيرانية تقتل مستشارا أمريكيا
* فيما أعلنت لجنة الاستفتاء النتائج الرسمية أمس.. الجماعة الإسلامية تطلق مبادرة للحوار
* المالكي: هناك توجه لمد أنبوب نفط للأردن
* إسرائيل توسع البناء الاستيطاني في القدس الشرقية
* “العدل والإحسان" المغربية تنتخب عبادي أمينا عاما
التعليقات (0)
إظهار/إخفاء التعليقات
إظهار/إخفاء صندوق مربع التعليقات
أضف تعليق
الإسم
البريد الإلكتروني


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)