الجزائر

لا تنسوا الشعب



إلى وقت قريب جدا كانت قاعدة الجزائريين وغير الجزائريين في إدارة شؤون الحكم تعتمد على النظرية الشهيرة التي تقول بأن بقاء الدولة معلق على ركيزتين: احتكار العنف والقمع وضمان الاستمرارية.
أما اليوم فإن ما حدث في تونس ومصر وما يحدث في اليمن وسوريا وليبيا أثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن النظرية تلك انقضى أمرها وانتهت مدة صلاحيتها وصارت خبرا بعد عين، فوسائل الاتصال الحديثة حولت العالم إلى رجل ''من غير هدوم'' يحاول عبثا ستر عورته بورقة توت صغيرة، وحولت معه احتكار العنف من ركيزة للبقاء إلى بذرة للفناء، فقد ولى ذلك العصر الذي كانت فيه قوات الأمن تضرب بيد من حديد دون أن تسأل عما فعلت لأنها فعلت ما فعلت ''ولا من شاف ولا من دري''. أما اليوم فأي محاولة لانتهاك حقوق الإنسان ستواجه بآلاف الكاميرات الموجودة على الهواتف النقالة، تصور وترسل في لمح البصر، ولا أدل على ذلك من مداهمة الأمن السوري لأحد البيوت في حماة، والتي نقلت أطوارها لحظة بلحظة على كبريات المحطات التلفزيونية العالمية، ولا أدل على ذلك أيضا من صورة البوعزيزي يحترق التي هزت أركان هامان في تونس، وصور التقتيل في جمعة الغضب التي زلزلت عرش الفرعون في مصر.
ويبدو أن ولاة أمورنا هنا في الجزائر أذكى من غيرهم، فقد اكتشفوا بأن احتكار العنف لم يعد ركيزة تقف عليها الدولة، لكن ذكاءهم خانهم عندما تعلق الأمر بركيزة ضمان الاستمرارية، فهم ما زالوا يعتقدون بأن تماسك السلطة وصلابتها يمر حتما بـ خلق ''ناموكلوتورا''، أو طبقة مسيرين، قوية وشراء وفائها للسلطة وولائها للنظام بالمزيد من الريع، زيادات لا تتوقف في الرواتب وامتيازات تتضاعف عاما بعد عام. بينما أثبتت الثورتان في تونس ومصر بأن نظامي بن علي ومبارك لم ينفعهما لا ولاة ولا وزراء ولا أميار ولا مدراء ولا رؤساء دوائر ولا سفراء، بعضهم سقط وبعضهم هرب وبعضهم ارتدى قناع الضحية، أو قناع المعارض الشرس الذي كان يخفي مواقفه.
طبعا ليس من العدل أو المعقول أن نطالب السلطة بشنق آخر وزير بأمعاء آخر مير، وليس من العدل أن نطالبها بتحويل غنى المسيرين إلى فقر وسعادتهم إلى شقاء، المطلوب فقط أن تغطي الكاسي دون أن تنسى العريان، وأن تشبع الشبعان دون أن تنسى الجائع، وأن تثـري الغني دون أن تتجاهل الفقير، وأن تضاعف رواتب الإطارات دون أن تنسى المعلمين والأطباء وأساتذة الجامعات وموظفي البريد وعمال البلديات ومستخدمي السكك الحديدية والخطوط الجوية والجنود وأعوان الأمن والجمارك والحماية المدية.. باختصار دون أن تنسى الشعب.. لأن بركان الشعب إذا انفجر لن يوقف حممه لا  عنف ولا ولاء.


Mouhben2002@yahoo.fr


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)