الجزائر

لا تحلموا بسيارة منخفضة الثمن!



^ اللجوء إلى الحلول السهلة وضرب المستهلك ليس حلا
^ دعوة إلى إنشاء مجلس وطني للخبراء الاقتصاديين
حاورته: نصيرة سيد علي
تطرق الخبير الاقتصادي الدكتور سليمان ناصر في لقائه مع " الحوار" بالشرح الوافي لبعض ما مضامين المسربة من مشروع قانون المالية لعام 2020، مقدما العديد من تداعياته على القدرة الشرائية للمواطن.
^ لماذا لم تلجأ الحكومة إلى إصدار قانون المالية التكميلي لعام 2019؟
حسب التجربة من السنوات الماضية، فإن إصدار قانون المالية التكميلي يخضع عادة إلى عديد الاحتمالات، منها خطأ في التقديرات الأولية للمبالغ الموجّهة لإقامة المشاريع، كأن ترصد غلافا ماليا لإنجاز مشروع معين خلال تلك السنة وبعدها يتضح أن المشروع بحاجة إلى قيمة مالية إضافية لاستكماله، أو مشاريع تم توقيفها بسبب انهيار في العملة الوطنية أو حتى بعض نفقات التسيير لنفس السبب، وغيرها من الأسباب التي تلجأ فيها الحكومة إلى إصدار قانون المالية التكميلي، ولكن يبدو أن الحكومة لم تلجأ إلى قانون مالية تكميلي لهذه السنة 2019 لعدة عوامل، منها: تجميد العديد من الصفقات العمومية، مما سبب توفيراً لميزانيتها، عدم الاستقرار الذي تعرفه البلاد ومطالبة الشعب لهذه الحكومة بالرحيل … إلخ.
^ رسوم وضرائب تضمنها مشروع قانون المالية 2020، عقوبة أخرى تسلط ضد جيب المواطن.. تفسيرك؟
الأمر الذي لم يعجبنا كمحللين في المجال المالي والاقتصادي، هو عدم حصولنا على نسخة من مشروع المالية للعام المقبل، حتى ننشر المعلومة كما هي، وما نعلق عليه لحد اللحظة فقط مجرد تسريبات قام بها بعض من ينتمي إلى حكومة بدوي، أو تصريحات أدلى بها وزير المالية محمد لوكال، ومن بين هذه الضرائب المفروضة، ضريبة التلوث الخاصة بالسيارات، ويتم اقتطاعها حسب نوعية السيارة، وتتراوح قيمتها بين 1500 إلى 3000 دينار، علما أن الحظيرة الوطنية للسيارات تتجاوز 7 ملايين سيارة، ومن أجل توفير السيولة تلجأ الحكومة كالعادة إلى الحلول السهلة، إما إلى طبع النقود، أو إلى جيب المواطن بفرض ضرائب ورسوم جديدة، كأنهم يدفعون الوضع إلى الانفجار الاجتماعي. كان يفترض على الحكومة فرض ضريبة التلوث على عائدات الشركات والمؤسسات الصناعية التي تقوم بصب نفاياتها الصناعية السامة والقاتلة في مصبات الوديان والبحار، فمعظم الشواطئ في العاصمة وفي المدن الساحلية الممتدة على شريط ساحلي يتجاوز 1200 كلم أغلبها ملوثة، الشيء الذي يؤدي إلى تشويه وجه هذه المدن التي من المفروض إعدادها لتكون قطباً سياحياً في مجال السياحة البحرية في الصيف، كما هو الحال في البلدان الأخرى التي لا تختلف عن جغرافيتنا، ومن المجحف اقتطاع هذه الضريبة من جيب المواطن.
^ حسب ما تم تسريبه من معلومات، فإن الحكومة تنوي رفع الضريبة على القيمة المضافة من 19 إلى 20 بالمائة في ذات القانون المذكور سلفا، ما هي انعكاسات الرسم الجديد على الطبقة الاجتماعية؟
دائما وفي جميع الأحوال، فإن المتضرر الوحيد في معادلة الزيادة في الرسوم هو المستهلك العادي أي المواطن لأنه المستهلك النهائي للسلعة أو الخدمة، ورفع القيمة المضافة من 19 إلى 20 بالمائة سيكون له أثر نفسي ومالي في نفس الوقت على المواطن رغم أن نسبة الرفع ضئيلة وهي 1 بالمائة، لأن ما تم تسريبه في البداية هو أن قانون المالية المقبل سيكون خالٍ من الضرائب والرسوم من جهة، ولأن المواطن يعاني أصلاً من تدهور قدرته الشرائية من جهة أخرى، لأن الضريبة على القيمة المضافة تمس كثيراً من السلع والخدمات. ثم يبقى التساؤل في هذا الإطار: ما مصير معدل القيمة المضافة العادية التي تقدر ب 9 بالمائة؟ هل يتم رفعها هي أيضاً إلى 20 بالمائة؟ وهنا يكون الضرر على المواطن أكبر.
^ ما تعليقك على نزع القاعدة الاستثمارية 59-41 التي تنوي الحكومة التخلي عنها ضمن قانون المالية المقبل؟
كثيرا ما كنت أدعو إلى ضرورة التخلي عن هذه القاعدة الاستثمارية 59-41، وتنحيتها جاءت متأخرة لكن لا بأس، لأنها من بين المسائل المعرقلة للاستثمار الأجنبي في الجزائر، وللأسف بعض المسؤولين الحاليين لا يزالون يديرون الاقتصاد الوطني بعقلية النظام الاشتراكي، ولا يلاحظون أن معظم الاقتصاديات الناشئة حالياً نجحت وتطورت بفضل فتح المجال أمام الاستثمار الأجنبي، مثل تركيا، ماليزيا، الهند، البرازيل … إلخ، لأن فتح المجال أمام الاستثمار الخارجي يجب أن ننظر إلى مزاياه الكثيرة التي نحتاجها حالياً، كامتصاص البطالة وتوفير مناصب العمل، إنتاج كثير من السلع التي كنا نستوردها في السابق، تحسين الخدمات من خلال نقل التكنولوجيا المتطورة … إلخ، وهنا وبعد إلغاء هذه القاعدة يأتي دور سفاراتنا المعتمدة بالخارج في العمل على الترويج بالمقومات الأساسية التي تتوفر عليها الجزائر لتشجيع المستثمر الأجنبي للقدوم، هذا طبعاً مع معالجة السلبيات الأخرى المهمة كالقضاء على البيروقراطية الإدارية، استقرار القوانين المنظمة للاستثمار، محاربة الفساد والرشوة … إلخ.
^ هل هذا القرار يمكن تطبيقه على جميع القطاعات حتى السيادية منها؟
بالطبع، لا، لا يمكن إخضاع كل القطاعات الإنتاجية أو الخدمية إلى هذه القاعدة، فالقطاعات والمؤسسات الإستراتيجية يمكن استثناؤها من هذه القاعدة، مثل: الخطوط الجوية الجزائرية، سونالغاز، سوناطراك …إلخ.
^ ما هي انعكاسات استيراد السيارات التي عمرها أقل من 3 سنوات على مصانع التركيب الوطنية؟
من الأسباب التي جعلت الحكومة تفكر في العودة مجدداً إلى فتح المجال أمام استيراد السيارات لأقل من 3 سنوات هو نقص الإنتاج في السوق الوطنية، حيث يُجبر الزبون الذي يقدم طلباً إلى إدارة الشركة لاقتناء سيارة جديدة أحياناً إلى الانتظار 6 أشهر، كما أن الدولة الجزائرية حددت استيراد أجزاء التركيب بما قيمته 2 مليار دولار في السنة، ومصانع التركيب استهلكت هذا المبلغ في شهر ماي الماضي مما جعلها في ورطة، فمن جهة الحكومة قررت منح الاعتماد إلى حوالي 40 متعاملا أجنبيا في مجال التركيب، ومن جهة أخرى تمنع عنه المادة الأولية للتركيب، وهذا سيعطي صورة سلبية جداً للمستثمر الأجنبي عن الإستثمار في بلادنا.
وما هو تأثير العملية؟
أما عن تأثير العملية، فإن عملية حساب بسيطة لاستيراد السيارات بسعر العملة الصعبة "الأورو" في السوق الموازية والذي كان يقدر ب 19.5 دج للأورو، جعل العملية مربحة في نظر الكثيرين، لكن مع البدء في تطبيق هذه العملية سوف تتغير المعطيات، بمعنى سوف يكثر الطلب على العملة الصعبة، خاصة في أشهر سوق لها وهو "السكوار" مما يؤدي إلى ارتفاع سعر اليورو، بل قد ارتفع بالفعل حالياً فوق 200 دج للأورو بمجرد صدور هذه التسريبات عن القانون، ومن جهة أخرى سوف يكثر الطلب على السيارات المستعملة في أوروبا من طرف الجزائريين فترتفع أسعارها، وهذه التغيرات ستجعل في النهاية سعر استيراد السيارة المستعملة أغلى من المحلية، وسنعود في النهاية إلى نقطة الصفر. لستُ ضد قرار إعادة استيراد السيارات المستعملة، لكن تمنيت أن يكون هذا ضمن استراتيجية عامة وواضحة بحيث لا تضر بمصانع تركيب السيارات الوليدة في بلادنا.
^ ما هي السبل لامتصاص عجز الموازنة لعام 2020، في ظل شح الموارد المالية؟
بلغت نسبة عجز الموازنة سنة 2018 ما يعادل 1900 مليار دينار، فيما بلغ مستوى 2000 مليار دينار في سنة 2019 الجارية، وسيبقى هذا الرقم حتماً وربما ينخفض قليلاً في سنة 2020، إلا أنه من الممكن تغطيته دون تحريك آلة الطبع مجدداً، وذلك من خلال ما تبقى من الأموال المطبوعة والتي لم يتم ضخها في الاقتصاد الوطني والتي تقدر ب 3441.8 مليار دينار (حسب تقرير رسمي للبنك المركزي)، وهذا المبلغ المتبقي يمكن استخدامه في سد عجز الموازنة للسنة الحالية والمقبلة، هذا إن لم يتم استخدامه بالفعل لحد الآن.
^ ما هي البدائل المالية التي يمكن اللجوء إليها لتوفير السيولة النقدية؟
من البدائل التي يمكن تفعليها، تحصيل الضرائب غير المحصلة منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي، والتي تضاربت الأرقام حولها لكننا نقدرها بحوالي 9000 مليار دينار، والتي تتضمن ضرائب غير قابلة للتحصيل، وهي عبارة عن ديون ميتة، ويمكن تقديرها بحوالي 3000 مليار دينار، وعند طرح المبلغ الثاني من الأول يصبح الباقي حوالي 6000 مليار دينار من الضرائب المتأخرة والممكن تحصيلها، فلو تمكنا من تحصيل نصف أو ثلث هذا المبلغ فقط لاستطعنا أن نحل مشكلاً كبيراً في الميزانية لعام 2020.
ومن البدائل المالية أيضاً التي يمكن اللجوء إليها، استبدال القرض السندي الذي أثبت عجزه بالصكوك الإسلامية التي اعتمدتها دول عديدة مثل ماليزيا، حكومة دبي، وأيضاً السعودية التي شيدت بنى تحتية من خلال آلية الصكوك، ومنها مطار المدينة المنورة في جزء مهم منه، وتطبيق هذه الآلية في بلادنا ليس فقط يحل مشكلة الموارد المالية التي تعاني منها البلاد، بل أيضاً سيؤدي إلى تنشيط بورصة الجزائر شبه الميتة، والتي تسير لحد الآن بعدد محدود جداً من الأدوات المالية. هذا بالإضافة إلى فتح المجال أمام الاستثمار الأجنبي والشراكة معه بعدة صيغ منها صيغة BOT في إقامة المشاريع.
لكن هذا كله يستدعي ضرورة توفير ظروف ملائمة، أهمها الاستقرار السياسي والعودة إليه في أقرب وقت ممكن، وذهاب حكومة تصريف الأعمال وتعيين حكومة شرعية. كما نقترح إنشاء مجلس وطني للخبراء الاقتصاديين يكون بمثابة برلمان مصغر ومتخصص، ويجب أن يكون منتخباً لا معيناً من طرف السلطة، كما يجب أن تكون قراراته ملزمة ويتمتع بالاستقلالية وليس مجلساً استشارياً، ويكون كبديل عن المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي CNES الذي يعتبر هيئة استشارية فقط ويهادن السلطة لأنه معين من طرفها، كما أنه دخل في بيات شتوي منذ مدة للأسف.
^ هناك إمكانية أو نية اللجوء إلى الاستدانة الخارجية كما أعلنت الحكومة.. ما رأيك؟
يجب أن أوضّح هنا بأن المقولة الخاطئة التي كان يرددها نظام الحكم السابق، والتي تقول بأن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة هو من عارض فكرة اللجوء إلى الاستدانة الخارجية هي مغالطة كبيرة للرأي العام، لأن الأمر وما فيه أننا حتى وإن فكرنا في الاستدانة الخارجية فلن نجد من يقرضنا، وكل من يقول بهذا الحل فهو يمارس نوعاً من الشعبوية، لماذا؟ لأننا لو دققنا في الموضوع لوجدنا تطبيقه صعباً إن لم نقل مستحيلاً، لأن عجز الموازنة كما أسفلنا بلغ السنتين الأخيرتين ما يعادل حوالي 2000 مليار دينار، أي ما يعادل حوالي 17 مليار دولار، فأين هي المؤسسة الدولية التي تقبل بأن تقرضنا هذه القيمة في كل سنة ونحن ليس لدينا ضمانات كافية نقدمها (اقتصاد هش، تآكل سريع لاحتياطي الصرف، عدم استقرار سياسي وعدم وضوح الرؤية المستقبلية…)، أذكر هنا أن مصر الشقيقة طلبت من صندوق النقد الدولي قرضاً قيمته 12 مليار دولار، وبقيت تفاوض عليه مدة طويلة، وفي الأخير تحصلت عليه مقسماً على شرائح، إذن كل ما يمكننا استدانته من الخارج مبالغ صغيرة، وبعد مفاوضات عسيرة، وفي النهاية لن تكفي حاجتنا.
^ تم تسقيف الضريبة على الثروة التي يتضمنها قانون المالية لسنة 2020 ب 10 ملايير سنتيم.. ما ردك؟
لا ننسى أنها مجرد تسريبات لحد الآن، ثم في إمكان البرلمان أن يعدّل المبلغ، لكن لو صدق هذا المبلغ فشخصياً أراه سقفاً مرفوعاً، بمعنى كان المفروض أن يبدأ السقف من 6 ملايير سنتيم أو أقل، مع التنبيه أن لا يشمل المبلغ نقوداً سائلة فقط بل جميع أنواع الممتلكات كمجموع.
^ سوق تيجلابين سجل ركودا بعد أربعة أشهر من إعادة فتحه مجدداً.. تعليقك؟
هذا السوق يعتبر بورصة حقيقية للسيارات المستعملة وأسعارها في بلادنا، وهو يتأثر بطبيعة الحال بكل ما يجري في البلاد من أحداث وما يصدر فيها من قوانين، ومن مصلحة البلاد وأيضاً من مصلحة المواطن أن يبقى حتى يعطي للجميع صورة واضحة عما يحدث في سوق السيارات المستعملة، وبالتالي سيمكن المسؤولين من معرفة أثر قراراتهم في هذا المجال إن كانت صحيحة أم خاطئة خاصة القرار الأخير بالسماح باستيراد السيارات المستعملة لأقل من 3 سنوات.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)