الجزائر

لأول مرة القضاء الفرنسي يعتقل رئيس دولته وقد يسجن ثماني سنوات:


لعنة الأموال المنهوبة للشعوب المغلوبة تجعل حياة ساركوزي جحيما !بقلم: محمد مصطفى حابس
الناظر الممعن في سِيَرِ السّابقين والمعاصرين يتبيّن أنّ تحكيم العدل بين النّاس أساس متين من أسس استمرار الدّولة وازدهارها وانتظام أحوالها. فإحساس المواطن بأنّه ينتمي إلى مجتمع مدنيّ مؤسّسي السّيادة العليا فيه للقانون يجعله يشعر بالطّمأنينة وينطلق نحو المساهمة في الشّأن العامّ فيمارس حرّيته في التّعبير والتّفكير والانتماء في غير خوف من سطوة الأجهزة الرّدعيّة للدّولة فهذا العلامة ابن خلدون وابن خلدون مدرسة متنوعة في السياسة الشرعية معروف عنه رحمه الله وقولته الشهيرة: العدل أساس الملك وقال قبله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) في نهج البلاغة العدل حياة وهذه الأقوال البليغة وغيرها فيها من المنطق العقلاني والحكمة الرشيدة الشيء الكثير لو يفهمها ويعمل بها بعض حكامنا العرب والعجم المشرفين على تدبير أو تدمير شؤون بلداننا وبلدانهم في العمل الفعلي لا النظري في فصل السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) بحيث تمارس المؤسّسة القضائيّة هنا دورها في إشاعة العدل فلا تأتمر بأوامر جهة معيّنة ولا ترتهن لقوّة ضغط محدّدة بل تبقى وفيّة إلى روح النّصوص القانونيّة والمرجعيّات الدّستوريّة عند نظرها في النّزاعات المطروحة أمام المحاكم باحترام وتقدير لهذه السنن الطبيعية مع الحرص على عدم تداخل المهام او تكديسها في شخص واحد أو جهة واحدة كما هو شائع عندنا اليوم في عالمنا العربي.. أقول لو احترمت كما تحترم في بعض دول الغرب لعاش العالم في قرية فاضلة يسودها الحق والعدل بين بني البشر مهما كانت ألوانهم وأشكالهم.
هل عادت فرنسا لمنهج مونتيسكيو لفصل السلطات فعليا
و من باب الحكمة ضالة المؤمن وللتذكير فإن مصطلح فصل السلطات هو مصطلح غربي صاغه المفكر السياسي الفرنسي مونتسكيو وهو أحد مبادِئ الديمقراطية ونموذج للحكم الديمقراطي للدول التي تحترم نفسها وتقدر شعوبها ويبدو أن العدالة في فرسا على تحييزها المعهود في الكثير من القضايا خرجت هذا الأسبوع لتدون بحروف من ذهب ما ذهب اليها مفكرها مونتيسكيو فيما يسمى فضائح الرئيس ساركوزي المالية .
إذ يواجه الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي هذه الأيام مجددا فضائح ومشكلات حقيقية مع القضاء بتهمة تمويل حملته الانتخابية عام 2012 بأموال أجنبية لطاغية من طواغيت إفريقيا الذين فقروا جيشهم وشردوا شعوبهم وهذا النوع من الاختلاس جرم يعاقب عليه القانون الفرنسي بالسجن وبالغرامة لمرتكبها مهما كان وزنه وسلطته بل ومهما كانت مسؤولياته السابقة أو اللاحقة وهي المرة الثانية التي يحال فيها رئيس فرنسي سابق على المحاكمة في قضية سياسية - مالية منذ العام 1958 بعد سلفه جاك شيراك (1995-2007) الذي حكم عليه سنة 2011 بالسجن عامين مع وقف التنفيذ في قضية اختلاس أموال بوظائف وهمية في بلدية باريس يوم كان شيراك عمدة للعاصمة الفرنسية كما أدين مرافقوه في ذلك الوقت في القضية بأحكام متفاوتة الخطورة وأدين فيها كل من الوزير الاول الأسبق آلان جوبيه وجون تيبيريي والسيد بلكاني وزوجته وغيرهم كثير.
* ساركوزي رئيس يُجاهِر بحبه للثروة مهما كان مشربها بل ولون بشرة أصاحبها
أما فرنسا في عهد حكم ساركوزي فقد عرفت مرحلته بالتبذير والبذخ كما عرف عن ساركوزي أنه رئيس يُجاهِر بصداقاته مع رجال الأعمال المرفهين وبحبه للثروة مهما كان لونها ومشربها بل وحتى لون بشرة أصاحبها بالنسبة اليه موني إز موني كما يقول الإنكليز إلى درجة انقلب فيها هذا العشق للمال إلى عائق كبير هدد ويهدد بتحطيم مستقبل الرجل السياسي نهائياً
ويكتشف الفرنسيون اليوم لأول مرة مع هذه الأخبار القضائية المثيرة للجدل استقلالية قضائهم ونزاهته ولو على استحياء ويظهر أيضاً معها انفضاض المنتهزين من زملائه في الحزب حول رئيسهم الاسبق على حد تعبير المثل مات الملك يحي الملك إذ لاحظ الفرنسيون عبر وسائل إعلامهم فرار معظم أصدقاء ساركوزي من حوله ليصبح الرجل مهدداً بالسجن ثماني سنوات إن ترحمه الوساطات الطائيفية المعروفة لدى الفرنسيين.
*إعتقال ساركوزي يُشكّل زلزالاً قضائياً وسياسياً في فرنسا ومستعمراتها القديمة
وتندرج هذه القضية في سلسلة من قضايا الرجل مع العدالة فقد استطاع حتى اليوم الإفلات من قضيتين سابقتين الأمر الذي كان يمنح أنصاره أو ما تبقى منهم في هذه المحنة الاعتقاد بقدرته على العودة قوياً وسالماً بعد كل اختبار
ورغم أن توجيه التهم بالفساد ومحاكمة رئيس فرنسي ليس بالأمر الجديد في الجمهورية الفرنسية الخامسة اذ ان الأمر حدث مع الرئيس شيراك وأُدين في نهاية الأمر بغرامات وبالسجن مع وقف التنفيذ إلا أن اليوم غير البارحة إذ هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها رئيس جمهورية فرنسي سابق للاعتقال الاحتياطي ثم الإيقاف الرسمي.
وتُشكّل قضية ساركوزي زلزالاً قضائياً وسياسياً في فرنسا ومحيط فرنسا المجاور خاصة في الضفة الأخرى للمتوسط أي المحمية أو الحضيرة الافريقية!!
وإذا كان من السابق لأوانه استباق الأحداث وخصوصاً أن ثمة أشياء كثيرة غير مسبوقة في القضاء الفرنسي ليس فقط لأن المعتقل رئيسٌ سابق للجمهورية مع كل ما يثيره الأمر خارجياً ودولياً من استغراب وذهول بل ما تكشفه الاحداث لو يترك للقضاة الحرية وأن يجرى القضاء مجراه الطبيعي دون الانقلاب عليه كما عودتنا السياسة الفرنسية بخنساتها وغدرها والتواءاتها لم يخص الامر قضايا فساد لشخصيات نافذة من بني عمومتنا.
ويبدو أن اقتراب ساركوزي الشديد من رجال الأعمال العرب وافتتانه بالحملات الانتخابية الأميركية التي تُصرف فيها أموال هائلة ومحاولة تقليدها وزرعها في فرنسا المحافظة الكاثوليكية هما أصل البلاء بالنسبة له ولحزبه. فكل متاعبه مع القضاء تتعلق بالمال العربي الذي يعشقه ساركوزي عشقاً جمّاً حد الثمالة بل ويأخذه بأي حيلة وبأية مراوغة فلا ننسى أن الرجل محامي وأبن محامية يهودية ابنا عن جد.
*تمويل حملته الانتخابية بأموال ليبية جعلت حياته جحيما
وما فشل ساركوزي بالعودة إلى سدة الحكم في عام 2012 وخسرانه أمام الاشتراكي فرانسوا هولاند إلا بسبب الفضائح المالية فمنذ عام 2013 فتحت فرنسا تحقيقاً في مزاعم بأن حملة ساركوزي استفادت من ملايين اليوروات من أموال غير مشروعة من القذافي ولم يقبض عليه إلا هذا الأسبوع ليواجه العدالة الفرنسية فيمنع من السفر للخارج لبعض الدول ويمنع مرحليا للالتقاء ببعض زملائه في انتظار نهاية التحقيق.
حيث رد البارحة فقط في قناة فرنسا الأولى بوجه شاحب متعب شارد العينين بأن مزاعم تلقيه أموالا لتمويل حملته الانتخابية من الزعيم الليبي معمر القذافي جعلت حياته جحيما وأن الليبيين الذين يتهمونه اليوم يريدون الانتقام منه لإصداره قرار بنشر مقاتلات فرنسية خلال الانتفاضة التي أطاحت بالقذافي في عام 2011 على حد تعبير يومية الفيقارو الفرنسية.
واستجوبت الشرطة الثلاثاء الماضي الوزير السابق في حكومة ساركوزي وحليفه المقرب برايس أورتيفو وبروز تضارب في الأقوال بينهما قد يفسد للعلاقة بينهما إذ لا ننسى أن اعتقال رجل الأعمال الليبي أحمد (ألكسندر) جوهري في لندن في 9 جانفي المنصرم قد تكون له علاقة وطيدة بالقضية برمتها فالرجل يوصف بأنه أحد مساعدي ساركوزي السابقين.
كما نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن إمكانية تورط رجل الأعمال الليبي الجوهري في قضية تمويل الحملة الانتخابية للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي سنة 2007 وقالت الصحيفة إن الجوهري المعروف باسم ألكسندر قد تعرض لمحاولة اغتيال في باريس ويرجح أن تكون هذه المحاولة عملية تصفية حسابات .
*سياسة وديبلوماسية فرنسا تدار بأموال وأياد عربية
وذكرت الصحيفة أن الجوهري على علاقة وطيدة مع اليهودي ديفيد ترجمان الفرنسي من أصول تونسية وأحد أكبر مديري الملاهي الليلية في فرنسا وقد نجا سابقا من محاولة اغتيال سنة 1986 مع العلم أن الشراكة بين هذين الرجلين ساهمت في ارتفاع مداخيلهم المالية وهذا يعتبر سببا قويا من شأنه أن يخلق للجوهري عداوة مع منافسين آخرين.
ويقاوم رجل الأعمال ألكسندر جوهري الذي يوصف بأنه أحد مساعدي ساركوزي السابقين جاهداً عملية تسليمه إلى فرنسا بعد اعتقاله في لندن في يناير للاشتباه بتورطه بغسيل الأموال كما أسلفنا أعلاه.
واثيرت مزاعم تمويل حملة ساركوزي من قبل القذافي بالملايين من قبل رجل أعمال لبناني-فرنسي يدعى زياد تقي الدين وبعض المسؤولين السابقين في نظام القذافي. ففي نوفمبر من عام 2016 صرح زياد تقي الدين لموقع إخباري فرنسي ميديا بارت أنه سلم في عامي 2006 و2007 ثلاث حقائب مليئة بأموال نقدية من فئة 200 و500 يورو إلى ساركوزي ومدير مكتبه كلود قيون. ونشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريراً أن بشير صالح - الذي كان يدير صندوق الثروة السيادية الليبي في ذلك الوقت- أكد أن القذافي كان يمول ساركوزي.
*اختلاسات فرنسا جهارا نهارا لم تعد سرا بل معلومة من الدين بالضرورة
كل هذه الأخبار والمعلومات التي أصبحت حقيقة لا غبار عليها ورغم بعدي عن ملف القضية لأن وسائل الاعلام فصلت وأطنبت في الموضوع هذه الايام وبالتالي اصبحت اختلاسات فرنسا تمارس جهارا ونهارا في العديد من المشاريع وعلى حد قول أحد المشايخ اختلاسات فرنسا معلومة من الدين بالضرورة إن لم أقل كل المشاريع التي تدخل فيها فرنسا إلا أني أحببت أن أذكر بعقاب الله لهؤلاء القوم الذين يسرقون ويسرفون ويبذرون خيرات الأمم دون رقيب ولا حسيب خاصة من بني قومنا وحكامنا العرب.
*لا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ .. فالمال عصب الحياة ومصدر قوة الأمة
فالإسراف في إنفاق الأموال وتبديدها يشيع البؤس والشقاء في الطبقات الكادحة ومن البؤس والشقاء يتفجر الحقد وتروج الرذيلة وينبت الإجرام فالإسلام يرى أن مال كل فرد هو مال الأمة وهو في الأصل مال الله أعطاه للإنسان وديعة لينفقه على نفسه وعلى مجتمعه في سبيل الخير وهذا ما صرح به القرآن الكريم في قوله تعالى:
(وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) ' النور:33
(وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) الحديد:7
فإسراف المال العام أو الخاص وتبذيره بغير الطرق المشروعة وإعطاءه للعدو مثل ما هو واقع اليوم في دول المغرب والخليج هو اعتداء على مجموع الأمة لأن المال عصب الحياة ومصدر قوة الأمة به تنشؤ المعامل التي تؤوي العاطلين عن العمل وبه تستصلح الأرض للزراعة وبه تحصل الأمة على السلاح الذي يقيها من اعتداء الغير وغير ذلك مما فيه رفاهيتها وصلاحها.
ولهذا يأمر الإسلام المحكومين والحكام على حد سواء أن يكونوا عينا على تصرفات الأفراد ليحولوا بينهم وبين كل إسراف وتبذير لأموال الأمة بغير حق ولقد وصف الله المبذرين بالسفه وأمر بالحجر على أموالهم قال تعالى:
(وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا) النساء:5
في هذه الآية إشارتان بليغتان في النهي عن التبذير حسب العديد من المفسرين:
الأولى قوله تعالى (أموالكم) ليلفت الأنظار إلى أن مال السفيه هو مال الأمة والثانية قوله تعالى (التي جعل الله لكم قياما) أي أن الأموال جعلها الله لتقوم عليها مصالحكم فيجب المحافظة عليها وعدم إعطائها للسفيه والعياذ بالله ..
و للحديث بقية إن كانت لأعمار هذه الأمة نخوة وبقية والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
*جنيف / سويسرا
هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)