الجزائر

لأن ظروف العمل تحرمهم ''اللّمة الأسرية'' في يوم العيدالهاتف يخفف وحشة البعد




في الوقت الذي حمّل فيه معظم المواطنين، بما في ذلك اتحاد التجار الخبازين مسؤولية الأزمة الحادة الناجمة عن غياب الخبز أيام العيد، وكذا ببعض المناسبات الدينية الأخرى، يعتقد البعض الآخر أن الخباز في واقع الأمر ليس المسؤول الوحيد عنها، حيث تشاركه ربات البيوت الأمر بسبب عزوفهن عن العجن خلال تلك الأيام.
يخرج الخبازون من قفص الإتهام ويتم تبرئتهم من قبل بعض المواطنين الذين استجوبتهم ''المساء'' حول ما أصبح يصطلح على تسميته بأزمة الخبز أيام العيد، لتوجه أصابع الإتهام إلى ربات البيوت اللواتي يُعتبرن المسؤولات مسؤولية كاملة أمام هذه الأزمة، لسبب بسيط هو''تجنبهن للعجن'' والإعتماد على ما هو معد سلفا من عند الخباز.
فهذا المواطن زبير يحمّل زوجته المسؤولية الكاملة ويقف إلى جانب الخباز الذي اقتطع يوما من العمل أيام العيد من منطلق أنه كغيره من أرباب الأسر، يحب أن يقاسم عائلته فرحة العيد ويعيشها كغيره. ويضيف: ''أذكر أن هذه الأزمة التي أضحت شيئا مألوفا لم نكن نسمع بها سابقا، حيث كانت والدتي في وقت مضى تستيقظ في الصباح الباكر فتصلي صلاة الفجر، بعدها تبدأ في العجن، وقبل أن يعود والدي من صلاة العيد تكون الكسرة أوالملطوع قد نضج. وبعد أن نفرغ من ذبح الأضحية، نفطر بتلك الكسرة الطرية الساخنة''، ويتأسف المتحدث عن حال بعض النساء اليوم اللواتي بتن يجدن آلاف الأعذار ولا يقمن بالعجن، بينما يجدن الوقت الكافي لطبخ الحلويات! ويعلق مستطردا في الحديث: ''زوجتي مثلا  تتجنب العجن وتطلب مني في كل عيد أن أشتري كميات كبيرة من الخبز قبل حلول العيد بأيام حتى تقوم بتخزينه، وعندما أسألها لماذا لا تعجن صبيحة العيد أوعشية العيد، تجد لي الكثير من الأعذار وعلى رأسها أنها متعبة وأن الأضحية وحدها تتطلب منها التفرغ التام، ومادام الخباز يعجن الخبز فما الداعي للعجن''.
ومن جهتها حدثتنا الحاجة خيرة ''ح'' التي على الرغم من تقدمها في السن وتجاوزها عتبة الستين، إلا أنها لا تزال محافظة على عاداتها وتقاليدها حيث قالت: ''حقيقة تقدم بي العمر ولم يعد في مقدوري أن أقوم بالعجن بصورة يومية كما كنت، غير أني مع حلول مثل هذه المناسبات الدينية، أجتهد من أجل تجنيب أبنائي عناء الدخول في رحلة بحث فاشلة عن الخبز خاصة وأنهم يجتمعون عندي رفقة زوجاتهم وأبنائهم من أجل نحر الأضحية والإعداد لوجبة الغداء، وفي كل مرة أوجه النصيحة لبناتي ولكناتي بضرورة العجن بين الحين والآخر، وعدم الاعتماد كليا على ما هو مُعد وجاهز، ففي حال وقوع ''أزمة ما، لا نجد إلا صنعة اليدين''.
بينما حدثنا مواطن آخر قائلا أن شعوره بالملل من تكرار الأزمة في كل سنة ورفضه التام لمنطق الوقوف في طوابير لساعات من أجل شراء الخبز، دفعه إلى رفض الخضوع لهذا الواقع واعتبر أن للخباز الحق في أن يعيش فرحة العيد كغيره، ومن أجل هذا قال: ''مع اقتراب مثل هذه المناسبات الدينية خاصة عيد الأضحى، أطلب من زوجتي أن تقوم بعجن المطلوع عشية العيد، حتى تتفرغ يوم العيد لما تتطلبه الأضحية من عمل، وعلى الرغم من أني ألمس في سلوكها نوعا من التذمر، إلا أنها في آخر المطاف تلتزم، وأعتقد -يضيف المتحدث- لوقامت كل امرأة بالعجن، لما عشنا مثل هذه الأزمة خاصة وأن المبررات وراء رفض العجن لا تخرج عن إطار الإتكال على وفرة هذه المادة الجاهزة''.
في حين أوجدت بعض ربات البيوت الحل لتجنب العجن من جهة، ولتفادي غياب هذه المادة الغذائية الضرورية، خاصة بالنسبة للعائلات التي يتكون أفراد عائلتها من عدد كبير من الأطفال، في اللجوء إلى بعض الحيل المتمثلة في  تخزين الخبز أياما قبل العيد والإكتفاء بتسخينه، وهوعموما ما وجدناه شائعا عند عدد معتبر من النسوة المستجوبات، بينما تقوم أخريات بطبخ بعض الأكلات التقليدية التي لا يتطلب أكلها استعمال الخبز على غرار الكسكسي والرشتة بالنسبة للأيام الموالية من العيد، إلى أن تعود الأمور إلى سائر عهدها.
وأشارت بعض السيدات إلى أن مسؤوليات المرأة تزداد مع العيد، فهي مطالبة بنظافة الأبناء وتجهيزهم لارتداء ملابسهم الجديدة والوقوف أمام أترابهم في أبهى حلة، والعكوف على تحضير الأضحية وتنظيفها وتجهيز الغداء والعشاء لأفراد العائلة والضيوف أيضا-.

يضطر بعض العمال لقضاء اليوم الأول من العيد في أماكن العمل، ما يجعلهم بالتالي يفوّتون خصوصية سويعات عملية ذبح الأضحية وسلخها بعيدا عن ذويهم، وهو ما يخلق لديهم نوعا من الضيق قد لا يمحوه إلا ''اللّمة الأسرية'' التي تزداد حلاوتها مع حفلات شواء لحم أضحية العيد، والتي تمارسها بإحكام العديد من العائلات الجزائرية التي يعمل أبناؤها يوم العيد، ولمعرفة طرق التواصل والتعويض، تحدثنا لبعض المواطنين.
ينتاب العامل أيام العيد ''قلق'' سببه الإبتعاد عن الأهل ولمة العائلة، كما يغمره إحساس بانحباس الوقت، حيث ينتظر بصبر كبير الوقت الذي يخرج فيه من العمل، مثلما يقول حكيم عون أمن بمؤسسة خاصة، اِضطرته طبيعة عمله لقضاء إجازة الأضحى بمقر العمل: ''أحسست بضيق كبير في صدري.. كنت أظن أني أعمل عشية العيد، وبذلك أقصد عائلتي في تيزي وزو مبكرا صبيحة يوم الأضحى، ولكن اِتضح أني مناوب يوم العيد بالذات.. اِنتابني قلق غير عادي ولم أجد سوى الهاتف لأتصل بأفراد عائلتي الواحد تلو الآخر وأسأل عما يفعله كل فرد، بعدها بدأت أعد الدقائق التي تمر في مثل هذه المناسبات ووجدتها ثقيلة جدا، لأستنفذ ساعات عملي وأطير بعدها إلى أهلي، حتى أشاركهم فرحة العيد، رغم أني ضيعت الشق المتعلق بذبح الأضحية''.
من جهته، يقول عبد القادر أنه طلب من أخيه الأصغر إحضار زوجته وأولاده إلى منزله حتى يقضوا العيد في ''لمة أسرية'' هي سمة الأعياد الخاصة، وكان عبد القادر مدركا أنه سيكون مناوبا في عمله كصيدلي: ''ليس من السهل أن تمضي نهار عيد الأضحى في مكان العمل، فالأمر مختلف تماما عن عيد الفطر إذ أن خصوصية الأضحى تكمن في عملية ذبح الأضحية، ثم الإفطار على ''الكبدة'' مع أفراد الأسرة، ولكني هذه السنة أمضيت تلك الساعات الذهبية في مقر عملي.. كنت بين الفينة والأخرى أتصل بزوجتي لأطمئن على أولادي، وأتصل بأخي لأرى هل انتهى من عملية الذبح والسلخ، ولا أخفيكم أني وجدت في الهاتف وسيلة حيوية لتقصي الأخبار وعيش تلك اللحظات عن بعد''.
كذلك اِلتقينا مجموعة من الموظفين العاملين التي تدفعهم ظروف وطبيعة أعمالهم الإبتعاد عن اللمة الأسرية أيام العيد، ومنهم عمر وهو شاب عشريني يعمل بمخبزة في شارع العقيد عميروش بالعاصمة، والذي يرى أن العمل أيام العيد يخضع للتداول على المناوبة وكل من تتوافق مناوبته مع العيد عليه تحمل هذا العبء الذي يحرمه من رؤية أهله وأصدقائه. يقول ''هذا الأمر موسمي يحدث في رمضان وفي الأعياد وبعض المواسم الدينية الأخرى، وعلينا تقبل الواقع لأنه يدخل في طبيعة عملنا''.
ويعاني عمر حرمانه التمتع بلمة الأسرة خلال اليوم الأول من الأضحى المبارك، ويحاول تعويض ذلك عن طريق الإتصال بالأهل أو بعث رسائل قصيرة للإطمئنان على مقربيه.
وفي الوقت الذي كانت فترة العيد بالنسبة لبعض الموظفين صعبة بسبب قضائها في أماكن العمل وبالتالي حرمانهم من متعة اللمة العائلية، فتحت عطلة عيد الأضحى، التي كانت لهذه السنة لأربعة أيام متتالية، الباب أمام البعض لقضائها وسط الأهل. إذ يرى أحمد لوني عامل في قطاع التأمينات أن إجازة عيد الأضحى التي كانت لأربعة أيام، من الجمعة إلى الإثنين، فرصة حقيقية بالنسبة له لمعايدة الأهل في قصر البخاري، ما عاد عليه بالنفع نفسيا لكونه لم يزر أهله منذ زمن بحكم عمله المتواصل.
واعتبر محمد الشريف العامل في قطاع الصيانة أن العيد فرصة مناسبة يحتفل فيها الجميع، مشيرا إلى أن التغيرات التي طرأت على المجتمع أثرت على الأسلوب الذي نتعامل به مع إجازة العيد، بحيث يقتصر الأمر على زيارة الأهل والأقارب والأصدقاء. ويقول أنه مع تغير الحياة المدنية وتوسع المسافات بين الأشخاص، أصبح ذلك يشكل عبئا على المواطن من ناحية المال والوقت. ويشير إلى أنه يفضل تحويل الزيارات الفردية إلى جماعية، بحيث يلتقي جميع أفراد الأسرة والأقارب في مكان واحد يكون عادة بيت الوالدين مثلما كان خلال أيام عيد الأضحى المنصرمة، بحيث اِلتقى الجميع في بيت الوالد، وبعد التفرغ من الذبح والاستمتاع بقعدات الشواء، انصرف كل فرد للاستمتاع بأوقاته قبل العودة إلى أماكن العمل.
والجدير بالذكر أن الهاتف النقال أصبح يشكل حلقة هامة في سلسلة العلاقات والتواصل، إذ يكفي أن يفتح الشخص الخط ليجد نفسه حاضرا غائبا في المكان، إلا أنه يعيش التفاصيل الخاصة، كما يعيشها أفراد أسرته الذين تفصله عنهم المسافات لكن يجمعهم الحدث، حيث يجد الكثيرون ملاذهم في هذه الألة التي لعبت دورا هاما في التخفيف من مشاعر الأسف لعدم التواجد حينها وسط الأهل، رغم أن وجود الشخص في مكان عمله تضحية تحسب له، كونه قدم الكثير لأبناء جلدته ولو من مكان عمله المتواضع.



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)