الجزائر

كيمياء التخييل و تفكيك الصمت في نص» وردة الغبار» للشاعر عبد الرحمن بوزربه



التخييل و إيقاع السرد
يتشكل النص من حضور طاغ لفاعل نصي بضمير الغياب.... تناسل عبر ميكانزم التنامي و التحول.. و وفق قدرة غير اعتيادية على إنتاجية الدلالة سردا ملتبسا بالمعنى الشعري المرتهن عند حاسة التخييل.. و معنى شعريا يتفعل وفق جماليات الصورة الأليغورية.. حكيا سرديا يستجيب لكل اشتراطات الشعر بل يحفزها و يستفز حدسها..
هذا الضمير الذي يحيلنا على السارد الشاعر نفسه.. إنها الذات الشاعرة التي تنفصل جزئيا عن ذاتها.. لتراقبها في مرايا الحالة الشعرية.. تلك الذاهبة دائما منها و إليها..عبر نفق اللحظة الشعرية المتراوحة بين عالم الواقع - اليومي في رتابته القاسية و إحباطاته.. و عالم الغيب مكمن الأحلام.. و ممكنها..
هكذا نجد النص سلسلة من المشاهد الدرامية التي ترصد هذه الذا. لكن وفق منطق تخييلي عالي المستوى.. يجعل النص استعارة كبرى لحال تعيش في قلب الشاعر. و تدعوه إليها. باستمرار. آخذة إياه فيها. مدا من أحلام. تسقط مستسلمة في عتمة الهباء. بعد فائض الأمل، و ممكن الأمنيات.
انطلق النص من جملة حالية.. تقدمت فعلها وصاحبها..
وهو يشرب قهوته
و يدخن سيجارة في الصباح المؤدي
إلى زحمة من دخان المواعيد..
لكن لتكون شيفرة درامية واصفة لوضع مركزي داخل النص، وهو وضع العادي المألوف من اليوميات.. و الذي يصطدم بإرادة أقوى منه.. إرادة الحزن الذي يحل غريبا على روح الشاعر.. ليورده موارد الكآبة و حس الاغتراب و الفقد و الضياع.. الحلم الذي يتشكل تمييزا من ليل و أنثى مفعم كل منهما بتفاصيل لا تنتمي إلى عالم الواقع إلا مادة للخلق.. إذ تتشكل كل منهما صورة قائمة بذاتها.. خلقا سويا.. الليل مجبول من ناي.. و صمت وأصدقاء قريبين من موت و أغنيات.. ليستدل الشاعر بهذه التفاصيل و بمسار كنائي عن وجه فاجعة الألم الممتد في أنين الناي.. و روح الصمت و موت القريبين.. وتصعد الغناء الرثاء التشكي..
و أنثى قدها من حلمه:
أنثى تعطر بالقلب فنجانه
ثم تترك تفاحها في يديه
رصيفا من الشوك و الإنتظار
و تخرج..
عابرة دمه
صوب شمس الذي
كان دوما يسمى النهار..
هذه الصورة الكنائية عن ملاذ للروح يتخلى عن الشاعر في أوج الحاجة إليه.. إن صور النص لا تكتفي بحضورها الدلالي الشعري.. و لا الجمالي المتعالي .. بل تؤدي وظيفة النسج الدرامي لمعمار رؤية النص.. باعتبارها فواعل نصية هي الأخرى.. مازجة بين فيزيقية الصورة و جوهرانية الدلالة.. و فاعلية السرد..هذه الوظائفية المتعددة.. جعلتها صورة أليغورية بامتياز.. لكنها مطواعة لروح الشعر و مرنة الاستجابة له.. و هو المنطق التشكيلي نفسه الذي يسري في دماء كل النص.. ممظهرا لتلك الرؤية التي تعكس مد الذات و جزرها في خضم حياة.. تتصارع بين اليومي الموجود.. و الحلمي الداخلي الحميمي المطلوب.. إنه إيقاع المفارقة بين اليومي.. العادي الذي يضيق به الشاعر.. و بين الأحلام التي رافقت الشاعر في رحلة عمر باحثا عنها.
و إذا كان المقطع الأول قد بني على مركزية الكينونة الإنسانية.. الذات الشاعرة بضمير الغياب.. و الأصدقاء القريبين من الموت.. ومن أغنيات القلب .. و الأنثى القريبة المبتعدة في الغياب. .. كنوع من الإنتماء اللاإرادي لمساحة اليومي الذي يحاصرنا قسرا بحتمياته الرتيبة.. اليومي الذي تئن فيه ذات الشاعر محاصرة به.. و المؤثث بمكونات الحياة اليومية الإنسانية.. قهوة الصباح.. يدخن سيجارة.. الزحمة.. الحزن.. الناي.. الصمت.. هذه التفاصيل التي ترتسم لوحة إنسانية.. تؤثث للحياة الإنسانية.. مكانا.. و زمانا.. و تفاصيل.... و التي تبدو فيها ذات الشاعرة منفعلة.. مفعولا بها..
داهمه الحزن.. تعطر بالقلب فنجانه.. تترك في القلب فنجانه.... تخرج عابرة دمه..
فليس بيد الشاعر .. إلا أن : داهَمه الحزن..
يدخن سيجارة.. كصورة كنائية عن الاستسلام لاستلابية حالة الحزن التي حلت به.. و لابسته..
أما المقطع الثاني.. فاللافت فيه تقنية الأنسنة التي منحت الأشياء و الموجودات المحيطة بالذات الشاعرة بعدا إنسانيا.. :
و هو يشرب قهوته
صفعته الأغاني التي..
صافخت حلمه..
ورطته الشبابيك في الوهم..
و اشتعلت في خطاه
الدروب القديمة..
..يتبع


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)