الجزائر

كنائس تتحول إلى مأوى لعائلات مشردة وأخرى لمراكز ثقافية “الفجر"تستقي روايات أشخاص عايشوا ما بعد مرحلة الاستقلال



كنائس تتحول إلى مأوى لعائلات مشردة وأخرى لمراكز ثقافية                                    “الفجر
فرنسا تمتهن مهمة التنصير بعد فشلها في البقاء بالجزائر
لازال الشعب الجزائري يحتفظ بمخلفات المستعمر الفرنسي على غرار الكنائس الموجودة ببعض المدن العاصمية كبلدية الحراش، التي تحتفظ اليوم ب3 كنائس لكل واحدة منها تاريخ وبصمات تركها المستعمر الفرنسي ولازالت موجودة في ذهن المواطن الجزائري.
كانت الانطلاقة إلى حديقة مركز مدينة الحراش التي يجلس فيها مشايخ الحي، دخلنا إليها وإذ بالأعين تتوجه إلينا، خاصة بعد رؤيتهم آلة التصوير أين بدأ هؤلاء يتساءلون عن سبب توجهنا إليهم غير أنه بمجرد طرح الفكرة رحبوا بنا وشرعوا في رواية ما يتذكرونه عن تلك المخلفات، والتقينا في هاته الأثناء بالعم حمودة صاحب 80 عاما الذي بدأ يروي لنا بعض الأحداث التاريخية عن كنائس منطقة الحراش، فكانت البداية من الكنيسة المحاذية لمسجد الشهاب التي كانت تنام فيها قرابة 40 راهبة، لينتقل إلى كنيسة الموجودة بالقرب من ثانوية وريدة مداد التي تحولت إلى مكتبة، لينتهي المطاف بالكيسة الموجودة في مدخل حي سيدي مبارك التي منحت إلى مجموعة من العائلات للعيش فيها، غير أن تسييرها لازال خاضعا إلى الفرنسيين بحكم أنها لازالت ملكية فرنسية على الجزائريين حمايتها لا تهديمها، كما حاول البعض ودخلوا في اصطدام عنيف مع الكنيسة المكلفة بالإشراف على الكنائس الواقعة بالمدن العاصمية.
صراع بين الهيئة المسيحية والولاية ينتهي بتحويل كنيسة لمكتبة بلدية
تعتبر من أكبر الكنائس على مستوى بلدية الحراش وأشهرها في العهد الاستعماري على اعتبار أن المستعمرين كانوا يقصدونها لأداء صلواتهم والاحتفال بالإعراس ومناسبتهم الدينية، أين كانت توزع الحلويات على الجزائريين المارين بالمكان والسكان المجاورين للكنيسة طيلة فترة الاستعمار، إلى غاية سنة 1967 ظلت أعراس الفرنسيين تقام هناك إلى أن توقف نشاطها في بداية السبعينات بعد سفر أغلب الفرنسيين الذين قطنوا بلدية الحراش، غير أنه ورغم وضعيتها المتدهورة ظل إشرافها خاضع لبعض الفرنسيين التابعين للكنيسة الرئيسية التي يتواجد مقرها بالجزائر العاصمة، والتي منعت السلطات الجزائرية التصرف في مخلفاتها الدينية إلا بالتشاور والموافقة وهو الأمر الذي حدث عندما أرادت مصالح بلدية الحراش استغلال الكنيسة لإنجاز مكتبة بلدية التي كانت تشكل مطلب الكثيرين، غير أن عدم الرد عليهم أخّر المشروع لسنوات إلى أن تم إقناعهم أنها خدمة إنسانية وثقافية كونها ستساهم في تثقيف التلميذ الجزائري، فتحصلت على رد إيجابي وبشروط أعجزت السلطات نوعا ما خاصة عندما تمسكت هاته الأخيرة بالمخطط العمراني القديم الذي كانت عليه الكنيسة وطالبت إلا بالترميم الظاهري حفاظا عليها من التهديم، ما جعل” الفجر” تتعرف عليها عند أول زيارة لها من خلال النوافذ الحاملة رمز الصليب وطريقة العمران التي توضح للعيان أنها كنيسة.
وأكدت رواية بعض الأشخاص المقربين من المكان أن الكنيسة كانت محل اهتمام مجموعة صغيرة من الفرنسيين الذين حاولوا أداء صلواتهم فيها عندما كانت شاغرة، إلا أن تدخل البعض من سكان المنطقة حال دون ذلك وبقيت دون استغلال إلى إن جاء مشروع المكتبة الذي استنزف غضب الفرنسيين الغاضبين على وضع مخلفاتهم.
من كنيسة إلى مرقد للراهبات بعد فشلهن في مهمة التنصير
هي الكنيسة التي حولت لمرقد 40 راهبة قلّ عددهن بعد الاستقلال مباشرة لتصبح قلة قليلة كن يلجأن للمكان من أجل النوم، لتتغير الأهداف بعد الاستقلال إلى العمل على التنصير في المكان الذي تواجدوا فيه والقضاء على الإسلام، وكانت فرنسا تؤيدهم ماديا ومعنويا من أجل مساعدتهم على إتمام ما طمحوا إليه خلال الفترة الاستعمارية، غير أنه بعد الرفض الذي لقيه هؤلاء عادوا أدراجهم وتركوا المكان للزائرين الذين احترموا مخلفات الفرنسيين وحاولوا الحفاظ عنها من خلال تحويلها إلى مساكن للجزائريين، خاصة المحتاجين منهم غير أنه بسبب اهترائها تدخلت المصالح الولائية بأمرية من الكنيسة المشرفة، وطالبت برحيل العائلات التي استنجدت بالفرنسيين من أجل إنقاذها من جحيم الشارع ورأفت بهم قبلت بقائهم بشروط.
كنيسة سيدي مبارك تحافظ على مهامها بعد سنوات من الاستقلال
هي الكنيسة الوحيدة التي ظلت تؤدي مهامها الدينية من صلوات واحتفالات دينية رغم مرور سنوات طويلة على الاستقلال، إلا أن بقاء مجموعة صغيرة من الفرنسيين جعل الكنيسة تواصل أداء مهامها سواء للقاطنين بالمنطقة أو المتواجدين عبر مناطق أخرى الذين وجدوا في المكان الحرية اللازمة لممارسة شعائرهم الدينية والهروب من مضايقات الشعب الجزائري الذي جعل الكثير منهم يغادر أرض الوطن، وفي نفسه حصرة كبيرة على الأرض المستعمرة عاشوا من خيراتها سنوات طويلة دون أن يتمكنوا من قول شيء خاصة وإن الكلمة الواحدة كان ثمنها روح من أرواح الملايين الأبرياء.
ومن الروايات التي لازالت راسخة في ذهن الكثيرين من سكان المنطقة حالة الرعب وفقدان الثقة التي عاشها الفرنسيين بعد استقلال الجزائر، عندما كانوا يتسللون خفية إلى المكان لأداء صلواتهم ويتفرقون عبر مجموعات خوفا من رد فعل سكان المنطقة وهو ما لم يتحملوه أين فضلوا العودة إلى فرنسا ومنح الكنيسة لعائلات معوزة أخذت منها مأوى لها وجعلت من زواياها عمود تحتمي فيه من قساوة الطبيعة.
هي روايات أشخاص عاشوا مرارة الاستعمار الذي ترك في ذهن كل واحد ذكريات لا تكف صفحات كتاب التاريخ أن تحملها لما لها من تفاصيل كبيرة وحكايات لا يصدقها إلا من عاش قساوتها.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)