الجزائر

كم يعطى الفقير من الزّكاة؟ صورة رائعة من عظمة الشريعة



كم يعطى الفقير من الزّكاة؟                                    صورة رائعة من عظمة الشريعة
كم لعمر الفاروق، رضي الله عنه، من كلمات جوامع روائع، تبيّن للنّاس عظمة الإسلام، وتنير لطالبي الحق سبيله؟! وفي باب الزّكاة، نجده يُقرِّر هذا المبدأ الحكيم والأساس المتين، فيقول: ''إذا أعطيتم فأغْنُوا''، ويقول للعاملين عليها: ''كرِّروا عليهم الصّدقة وإن راح على أحدهم مائة من الإبل''.
في هذا من السّداد والحكمة ما فيه، بل هذا ما يحقِّق الهدف العظيم الّذي من أجله شرعت الزّكاة، لأنّ به يخلص الفقير من الفقر، ولا يظل موضعًا للصّدقة.
ليس خافٍ على أحد أنّ ما تعاور على الأمّة من حوادث الزمن، وعلى رأسها الاستعمار وحربه على ديننا وهُويتنا، قد هزّ أركان المجتمع الإسلامي وعفّى على كثير من مؤسساته، وما مؤسسة الوقف عنّا ببعيد كمثال معلوم مذكور. ومن هذا السبيل مثال غير معلوم ولا مذكور عند كثيرين، وهو مؤسسة الزّكاة الّتي لمّا فصّل الله عزّ وجلّ مصارفها، جعل من ضمنها صنف: {والعَامِلِين عليها}، تنبيهًا على أنّ مقاصدَها وغاياتِها لن تتحقّق إلاّ أن يتولّى جهاز يشرف عليه ولي الأمر جمعها ممّن وجبت عليهم، وتوزيعها على مستحقيها من باقي الأصناف الثمانية المذكورة في آية براءة. وممّا يوضّح ذلك ويبيّن قصد عمر الفاروق، رضي الله عنه، من قوليه السابقين، أن نعرّج على اختلاف العلماء في القدر الّذي يجب أن يُعطى للفقير من الزّكاة. فالمتعارف عليه عند النّاس أنّ مَن وجبت عليه الزّكاة، يقدّمها لمَن يعرفه من الفقراء، من قرابته أو جِيرته أو أهل محلّته، ولو كانت دريهمات ودنانير معدودة، لا تغطي إلاّ مصاريف أيّام معدودة كذلك، وللأسف أنّ صناديق الزّكاة في الدول الإسلامية تعمل بطريقة مماثلة، وإن كان ما تعطيه هي أكثر ممّا يعطيه الأفراد بالطبع! بَيْدَ أنّ هذا يذهب روعة الزّكاة ويفوّت مقصدها!! لهذا، نجد فقهاءنا وأئمتنا الّذين فهموا الشّرع حقّ الفهم وبيّنوه أوضح تبيين، اختلفوا في هذه المسألة على رأيين إجمالاً، أذكرهما من غير تعرّض للتفاصيل أو الترجيح، فلذلك مقام آخر.
الرأي الأوّل يرى أصحابه أنّ الفقير، ومثله المسكين، لا بُدَّ أن يعطَى ما يخرجه من حَدِّ الفقر نهائيًّا، فيعطى ما يكفيه حياته الباقية كلّها، بأن يقدر الزمن الّذي يعيش إليه مثله ويعطى ما يغطيه، وإن زاد عمره عليه، يعطى ما زاد سنةً فسنة، هذا إن لم يكن صاحب حرفة. فإن كان صاحب حرفة، أعطى ما يشترى به حرفته، أو آلات حرفته، قلّت قيمة ذلك أم كثرت، ويكون قدره بحيث يحصل له من ربحه ما يفي بكفايته غالبًا تقريبًا، ويختلف ذلك باختلاف الحرف والبلاد والأزمان والأشخاص. وهذا مذهب الشافعي ورواية عند الحنابلة.
الرأي الثاني يرى أصحابه أن يعطى الفقير أو المسكين ما يكفيه ومن يعول قدر سنة، لأنّ الزّكاة حولية، تجب كلّ عام في أموال الأغنياء، فتأتي كلّ عام حصيلة جديدة يعطى منها الفقير والمسكين ما يكفيه في عامه ذلك، وهكذا كلّ عام حتّى يفتح الله عليه. وهذا مذهب المالكية والحنابلة.
فمثلاً، إذا كان المرء في الجزائر يحتاج إلى 30000دج شهريًّا( مثال للتوضيح فقط) لإعالة نفسه وعائلته وضمان الحد المقبول من المعيشة، فالواجب على مذهبنا المالكي إعطاؤه 360000دج. أمّا على مذهب الشّوافع، فأترك الحساب للقارئ الكريم!
بهذا التّوضيح المختصر جدًّا لهذه المسألة، يتبيَّن لنا أين واقع الزّكاة ممّا يجب أن تكون عليه! ويتبيَّن لنا كيف يعود التّطبيق القاصر لهذه الفريضة الجليلة على مقاصدها وأهدافها بالتضييع والإبطال! كما يتبيّن لنا ما ينتظرنا من عمل من أجل النهوض بها والوصول بها إلى المستوى المطلوب شرعًا، من نشر للعلم بأحكامها وإذاعتها، وإشاعة الوعي بركنيتها وأهميتها وخطورتها، وتنمية صناديق الزّكاة ودعمها، وتطوير القوانين الناظمة لأعمالها، وسنِّ قوانين تشرّع أحكام الزّكاة وتلزم بها، حتّى نصل إلى تحقيق: ''إذا أعطيتم فأغْنُوا''.
* إمام مسجد عمر بن الخطاب عين النعجة


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)