هذه هي الرواية الوحيدة للأمريكي ج.د.سالنجر (الحارس في حقل الشوفان) -1951- تقع في 310 صفحة، من ترجمة غالب هلسة.أعتقد أنه لم يسبق لي أن قرأت عملا فريدا بهذا الشكل، إن لغته وطريقته بسيطة وممتعة وغاضبة وقوية بذلك الشكل الذي لن يكون بمقدور روائي آخر أن يفعله، ثم إن سالنجر ظل وفيا لبطله وابتعد عن الأضواء، منتهيا في كوخ بين الأشجار، كما يليق بإنسان فريد، رغم أن روايته أصبحت مشهورة وبيعت منها ملايين النسخ، وترجمت إلى معظم لغات العالم، وشغلت الأمريكيين طويلا، الرواية لا تنتهي هنا، إنها خطيرة.. أجل، إنها خطيرة بهذا الصدق الحار الذي يكتنف عباراتها القصيرة المتقنة، إنعزل سالنجر ولم يكتب بعدها، هل كان ينتصر لكولفيلد؟ أم للأديب الذي لا تغيره الشهرة؟ أم لأبعاد إنسانية لن نطالها؟.الرواية جاءت بلغة غاضبة، على لسان كولفيلد (16سنة)، الذي ينتمي إلى عائلة ميسورة، ويدرس في جامعة بنسي، وكان متفوقا في اللغة الإنجليزية، غير أنه اصطدم بواقع آخر، وهو الرسوب في الامتحانات، تبدأ الرواية من هذه اللحظة، التي يرسب فيها كولفيلد ونعيش الرواية كاملة خلال يومين، يحاول فيهما كولفيلد أن ينسى التفكير في الرسالة التي تصل والديه، وهو في غرفته في الجامعة، إنهما شديدا القذارة، فبعد أن انتهت إحدى الليالي بشجار عنيف بينه وبين ستراد ليتر، ركب السيارة إلى فندق، شرب هناك وحضر حفلات غنائية، زار أخته خفية ومدرسه في اللغة الإنجليزية والمحلل النفسي.خلال الأحداث كان كولفيلد يحاول الهرب من الهزيمة، أي هزيمة تلك التي تراها في عيني والدك، إنها النهاية بالنسبة له، لأنه فكر في الذهاب بعيدا والعيش بخذلانه في كوخ بعيد عن ترهات المجتمع التي اعتبرها غير سوية مطلقا وأنها خادشة للبراءة، القاريء لهذه الرواية سيجد في شخص كولفيلد ذلك النقاء الغير معهود، والعزة بالنفس التي جعلته يفكر في دفن خيبته بعيدا، على أن يشاهدها في عيني والده، وهذه العلاقة بين الطفل وأبيه جد عميقة، تستحق رواية بهذا الشكل الممتع والجارح في آن.يواصل كولفيلد الإجابة لأخته عن الحلم الذي يود تحقيقه في حياته، شخص ليس بذكائه الذي سبق عمره سيود أن يصبح طبيبا أو محاميا، لكن كولفيلد يريد أن يصبح ضخما واقفا في أعلى هضبة وسط حقل شوفانٍ واسع مشارف على منحدرٍ، فيه آلاف الأطفال، ودوره أن يحرس هؤلاء الأطفال، كلما حاد أحدهم نحو المنحدر يمد يده ويعيده إلى رفاقه، إن حلمه أن يكون حارسا للبراءة، التي في نظره إفتقدها العالم، وهذا سبب رسوبه في الدراسة. أجل العالم بحاجة إلى الحارس في حقل الشوفان، فكل يوم نشاهد أطفالا يغتصبون، يختطفون، يضربون، حتى في المدارس وروض الأطفال، كل يوم نشاهد هذا التعدي الصارخ على الأجيال، كيف تريد جيلا سويا وأنت تشاهد البراءة تنتهك؟ يواصل كولفيلد محاولته الأخيرة في الهرب، لكنه يذعن لأخته (فيب) الصغيرة التي جلبت حقيبتها كي ترحل معه، ويعود معها إلى البيت فقط لأنه لا يريد أن يشاهدها تبكي، لا يريد أن تعيش حزينة مثله وتفقد براءتها وترسب في دراستها، إن كولفيلد يصور لنا الرسوب في الدراسة على أنه نهاية الشخص في مجتمع مثل أمريكا، فهل كان هذا الشعور سبب نضج دولة تمتلك العالم الآن؟ كولفيلد في اليوم الثالث يخاطبنا باقتضاب من المشفى، لقد مرض، لم يقل ما الذي أصابه، ربما أغمي عليه، ونقل إلى المشفى، لكنه استيقظ هناك، ووجد قربه أخاه د.ب الذي يكتب القصص، ويعمل في هوليود، لقد كان يحبه ويعتبره أديباً حقيقيا. من المشفى يخبرنا كولفيلد في النهاية، أعني بعد أن شرح جثة الزيف بمشرط طفل جراح، يخبرنا أنه آسف لما رواه للناس، ويردف (لا تروي ما حدث لك، مثلما فعلت أنا، لأي إنسان، لأنك حين تفعل ذلك، تفتقد كل الناس) كولفيلد يحن إلى كل الأمكنة والأشخاص الذين تحدثَ عنهم في روايته، يحن إلى العودة إلى الدراسة في الخريف المقبل، هكذا لن يكون بمقدور القارئ الذي سيحب كولفيلد أن يكمل، لأن الرواية انتهت إلى هذا الحد، غير أنه يمتلك الكثير من الأسئلة التي ستوقظها الرواية التي وجدت في جيب القناص الذي حاول اغتيال دونالد ريغن، كما أن أحد الفتيان قام بقتل مغني البيتلز وجلس يكمل قراءة الرواية في مسرح الجريمة منتظرا مجيء الشرطة الذين صاح في وجههم (هذه حجتي) حاملا الرواية، كما وجدت في جيب عدة أشخاص قامو بجرائم قتل، كما أن آلاف الشباب خرجوا إلى الشوارع مرددين هذا الشعار( كلنا هولدن كولفيلد).. إن هذا كله يجعلك تعيد النظر حتى في الروايات التي تنشر كل سنة دون مراعاة أي جانب من جوانب الأدب، يجعلك تعيد النظر في معاملاتك مع الصغار، يجعلك تريد أن يقوم جميع الشباب في هذا البلد بقراءة هذه الرواية وعندما ينتهون منها يخرجون جميعاً إلى الشارع مرددين (كلنا هولدن كولفيلد) أي أننا سئمنا هذا الزيف.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 12/02/2017
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : جلال حيدر
المصدر : www.eldjazaireldjadida.dz