الجزائر

كلام آخر دولة بلا ''قاعدة''!


 لعل إحدى وظائف الدولة، أي دولة، هي ما يسمى وضع المعيار والقاعدة (la normeَُ) والسهر على تطبيقها. وإذا ما تخلت الدولة أو ممثليها عن التمسك بالقاعدة أو تهاونت في تجسيدها بشكل صارم فقدت هذه الوظيفة الأساسية.
لماذا نذكر بهذا؟
السبب بسيط وهو أن هناك من الحالات الشيء الكثير، بل الكثيف من عدم احترام السلطة المسيرة لشؤون الدولة للقاعدة التي أنشأتها والتي تدعو الناس لاحترامها.
فعندما يلاحظ أن القانون يطبق بشكل انتقائي وأن النفوذ والقوة قد تطوّع القانون، وأن هذا النفوذ والقوة ضرورة من أجل ضمان حماية القانون فتلك تعدو أمرا خطيرا على الدولة ذاتها وعلى مصداقية السلطة المسيرة لشؤونها.
قد يكون من الممكن أن نسوق من الأمثلة في حياة الناس ما لا يعد ولا يحصى، ولكن دعنا نأخذ أمثلة هامة وتأخذ أبعادا سياسية مثيرة للاستغراب.
عندما يكون قرار للرئيس مخالفا لحكم دستوري مثلا وبشكل واضح فذلك أمر من الصعب تصوره في أي دولة بأتم معنى الكلمة ومهما كانت الاعتبارات التي يتم الاستناد إليها.
كيف يمكن فهم وتفسير قرار التمديد لرئيس المجلس الدستوري؟ فبعد فترة من انتهاء مهام السيد بوعلام بسايح وفترة من الشغور يبدو أن السياسة!! منعت تعيين رئيس جديد للمجلس فلجأ الرئيس لقرار غير دستوري برأي فقهاء القانون الدستوري ومدّد عهدة الرئيس المنتهية ولايته.
ذلك يطرح تساؤلات كثيرة عن لماذا لم يكن ممكنا تعيين رئيس جديد لهذا المجلس وما هي هذه العوائق هل هو صراع عصب ولماذا لم يتم حسم الأمر قبل وصول عهدة بسايح إلى نهايتها؟ وغير هذه التساؤلات كثير.
من ناحية أخرى هذا وزير الداخلية صرح ملحا على ضرورة احترام مشاريع الأحزاب الجديدة للقانون وأنه لا يمكن عقد مؤتمرات لهذه الأحزاب قبل صدور قانون الأحزاب الجديد. وذلك أمر لا غبار عليه. ولكن كيف يمكن تبرير تجميد وزارة الداخلية اعتماد الأحزاب، بل وحتى الجمعيات، قبل تعديل القانون الساري المفعول؟ هل كان ذلك موقفا قانونيا أم مجرد تقدير سياسي؟ لا إنه تقدير سياسي تحكم في تطبيق القانون. فهل يمكن تعطيل تطبيق الدستور أو إصدار قرارات تخرق الدستور لاعتبارات سياسية؟ وهل يمكن أن تلجأ السلطة التنفيذية للتقدير السياسي لمخالفة قوانين صريحة؟ تلك إشكالية.
لكن الإشكالية الأكبر أن ذلك ممكن للسلطة التنفيذية ومن غير أي معارضة ممكنة من أي جهة. فلا المجلس يمكنه أن يسأل الحكومة في الموضوع ولا يمكنه فرض احترام السلطة التنفيذية للقوانين السارية المفعول ولا أي جهة رقابية أخرى بما في ذلك المجلس الدستوري. هل هذا أمر طبيعي؟ طبعا لا يمكن أن يحدث ذلك في دولة المؤسسات وسيادة القانون.
تبعا لهذا ولغيره من التجاوزات وعدم احترام القانون الصارخة في حياتنا العامة ومن قبل ممثلي السلطة العمومية المسيرة لشؤون الدولة، نستنتج أنه لا يمكن فرض تطبيق القاعدة القانونية أو الأخلاقية أو العرفية أو أي قاعدة إذا كان المكلف بتطبيقها والحرص على احترامها أو من يمثله يخرقها نهارا جهارا.
دولة القانون ليست كلمة تدبج به الخطب السياسية إنها آليات إدارة. ولا يمكن أن تقوم دولة القانون إلا في دولة المؤسسات، ولا يمكن أن تقوم دولة المؤسسات الحقيقية إلا بوجود حياة سياسية مكتملة الأركان، ووجود معارضة حقيقية ومجتمع مدني فعال. وكل هذا غير ممكن من غير وجود حرية وآليات قانونية وبالخصوص إرادة سياسية تعمل على تجسيد هذه الآليات وعلى السهر المنتظم على تجسيدها واتخاذ الإجراءات اللازمة في الوقت اللازم من أجل ضمان تجسيدها بشكل صارم.
الإرادة السياسية تعني وجود من يؤمن أن دولة القانون مصلحة وطنية بل أنها مصلحة استراتيجية ويؤمن أن دولة المؤسسات حان وقتها وأنها الخلاص وأن الحرية هي شرط النهضة وشرط تحقيق الناس للكثير من تطلعاتهم.
وإذا لم يكن هناك من يؤمن بذلك فتلك مشكلة سياسية عميقة، بل إنها إشكالية تتطلب الإسراع بالإصلاح، وإذا كان هناك ما يوحي أن هذا الإصلاح ليس قريبا وأن هناك إرادة سياسية قوية تسعى للاحتفاظ بالأمر الواقع فحينها لا بد من القول أن الدولة تفقد قدرتها على وضع القاعدة وعلى فرض تطبيق القاعدة.


mostafahemissi@hotmail.com
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)