الجزائر

كلام آخر ''صحوة عربية'' بلا زعماء



بعد مرور عام على شرارة الصحوة العربية ـ وأقترح استخدام مصطلح صحوة بدلا من الربيع أو الثورة لأنه يعكس أكثـر من غيره الوضع القائم أمامنا ـ هناك شيء مزعج.   نعم هناك صحوة ولكن ما أتي بعدها، وهو الذي يمكن أن يكون ثورة أو لا يكون، أغلبه علامات استفهام وعلامات استفهام كبيرة. ومن بين الملاحظات الواضحة غياب زعماء أو وجوه تملك قدرا عاليا من الكاريزما. الحركات الوطنية والثورية، لمن لا يذكرها، أنتجت زعماء ذوي كاريزما قوية، ومنهم عبدالناصر وبومدين وعرفات والخميني وتشي غيفارا وكاسترو ونكروما وغاندي وهوشي منه وغيرهم. اليوم في المغرب والجزائر وتونس وفي ليبيا ومصر وسوريا واليمن والعراق، لم نر زعيما يتميز.  قد نقول إن لراشد الغنوشي قدرا من التميز في تونس بالنظر لتاريخه النضالي وبالنظر لاستعداده المعرفي للتفكير في ما هو أمامه من ظواهر وإشكاليات، ولكن في باقي البلدان لا نكاد نحفظ حتى أسماء الوجوه التي تظهر أمامنا لكونها عادية ومتشابهة. وهذا يجعلني أقول إن الصحوة في حاجة لـ نخبة تُرشِّد حركتها . ولكن كيف تأتي هذه النخبة؟ هل الانتخابات هي التي ستأتي بها؟ ربما ولكن مازال الوقت مبكرا للحكم. الانتخابات، خاصة تلك التي تأتي بعد عقود من تغييب الحرية وتغييب العمل السياسي، تحمل في غالب الأحيان الكثير من روح الانتقام من النظام السابق، ولهذا فالذين كانوا ضحايا هذا النظام والذي كانوا المعارضة الواضحة له، هم الذين يستفيدون قبل غيرهم. إن النضال السياسي الطويل والتجارب العديدة الفاشلة هي التي أتت بنخبة العدالة والتنمية في تركيا ومنها أردوغان. وبغض النظر عن جانب الماركيتينغ في عمل رئيس الوزراء التركي، فإن تخليص الدولة من هيمنة العسكر، وخاصة من البيروقراطيتين الإدارية والأمنية، في حاجة للكثير من النضال. ذلك أمر قائم في الكثير من مجتمعاتنا، في الجزائر وفي سوريا واليمن ومصر بالخصوص، والمخابرات والبوليس في المغرب وتونس والسعودية وغيرها، فضلا عن البيروقراطيات وعن المخزن في شكله القديم أو الحديث، أمر قد يطول. ولهذا تحدثت في مقال سابق عن التحالف بين الإسلاميين والبيروقراطيتين الإدارية والأمنية ، باعتبارها العمود الفقري للدولة ولا يمكن التخلص منها دفعة واحدة. ذلك جرب في العراق ورأينا ما حدث، وتم تحت حراسة قوة عسكرية ضخمة لأكبر قوة في الدنيا مسنودة من جيوش دول كثيرة. اليوم، الكثير من الحركات الإسلامية سيكون مزهوا بفوزه الانتخابي ودخوله البرلمانات بقوة وحتى تشكيل الحكومات، ولكن أجزم أنهم لن يصلوا فعليا لأدوات الحكم الحقيقية.  قد يختلف الأمر بين تونس ومصر وقد تكون حظوظ النهضة في تونس أحسن من الحركات الأخرى في مصر والمغرب وليبيا والجزائر، لأسباب يطول شرحها، نذكر منها اثنان: أولا النظام كان قائما على بيروقراطيتين إدارية وبوليسية وليس عسكرية بالأساس. وثانيا، لا تشكل تونس قوة كبيرة في إدارة الوضع في المنطقة. أما في مصر فلن تتمكن أي قوة في المرحلة الراهنة من الوصول إلى الحكم. وأشرح. الوصول للبرلمان مسألة قد يسمح بها، وقد يسمح للإسلاميين من الإخوان والسلف بتشكيل الحكومة، ولكن هناك مسائل العلاقات الخارجية والدفاع والمسائل الاستراتيجية التي لن يسمح بولوجها لهذه القوى الجديدة أبدا. وقد لن تتمكن حتى من أن تعبر عن رأيها، كما كانت تفعل تجاه إسرائيل.  ونعود للقول ليس هناك شخصيات كاريزماتية وليس هناك برامج مجتمع حقيقية واضحة المعالم لا في المغرب ولا في تونس ولا في ليبيا ومصر واليمن وسوريا. فإلى أين تسير الأمور؟  في الواقع حتى لو سقطت كل الأنظمة العربية حتى الملكية منها، فإن المرحلة الأولى ستكون مرحلة الصراع المتعدد الأطراف من أجل السلطة والتموقع الاجتماعي. سيكون للإسلاميين الحظ الأكبر في هذه المرحلة. إنهم كما أسلفت، في حالة اليسار في أزهى أيامه. وفي حالة الحركات الوطنية والثورية المنتصرة على الاستعمار في شكله القديم ولكن من دون قيادات كاريزماتية. لهذا الإشكالية هي: وماذا بعد الانتخابات وماذا بعد إدارة شؤون الحكومات وماذا عن بناء الدولة الجديدة وماذا عن شروط التنمية وماذا عن توزيع الثـروة وماذا عن محاربة الفساد؟   


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)