الجزائر

كلام آخر امرأة سيئة السمعة



 نحن اليوم أمام ملامح صورة غريبة جدا، هناك أنظمة عربية صارت مكروهة في آن واحد من شعوبها ومن الغرب على الرغم من أن الأنظمة المحبوبة من شعوبها مكروهة من الغرب والعكس صحيح.
أنظمة عربية أخرى تعيش حالة شك بينها وبين شعوبها، هي تراقب أنفاسهم وهم لا يثقون فيها ولكنهم مسكونون بالخوف والرعب.
ثقافة أغلب الحكام عندنا قامت على هذا الشك المستديم، وجعلتهم يأخذون بقاعدة واحدة: لا بد من نشر الخوف والرعب في الناس، الناس لا بد أن تخضع وأن تجوع وإلا صارت ميالة للاحتجاج الدائم وحتى الثورة.
ويحضرني هنا وصية المعز لدين الله الفاطمي لواليه على المغرب: إياك أن ترفع الجباية عن أهل البادية والسيف عن البربر. إنها علاقة فاسدة في حاجة لإعادة تأسيس.
اليوم أنظمة الحكم العربية صارت مثل امرأة سيئة السمعة الكل يشك في حفظها ''شرف البيت''! ولا يرضى الزواج منها إلا الفاسدون.
في كل هذا هناك معادلة صارت اليوم واضحة تمام الوضوح. لن تستطيع الكثير من الأنظمة تبديد شكوك الناس وشكوك أطراف غربية صارت مرعوبة على مصالحها وسارعت، بعد فترة ذهول قصيرة، لشراء عذرية جديدة (!!) في أعين الشعوب التي ظلت تتآمر عليها طيلة القرن الماضي.
وفي كل الأحوال فالأنظمة سيئة السمعة صارت هي الطرف الأضعف في هذه المعادلة بأطرافها الثلاث، الشعوب الأنظمة والغرب. ولكن ما زالت الشعوب ضعيفة أمام الاستعمار الجديد وأدواته في أنظمتها بل وأحيانا حتى في نسيجها السوسيولوجي.
إن إعادة بناء العلاقة بين الأنظمة وشعوبها محكومة اليوم بمطالب لا أحد يتوقع أن الأنظمة تستطيع تلبيتها. فجعل المؤسسات مثلا تعبيرا عن المجتمع بمختلف تقاسيمه وبمختلف مصالحه يعني أن سلطة النظام ستفقد نظامها وتفقد عامل سطوتها نهائيا وهو ما نرى أنه مرفوض في اليمن وفي سوريا والجزائر وكان مرفوضا في تونس وليبيا ومصر وغيرها. وذلك يهدد في الوقت ذاته مصالح الغرب.
إن أي انتخابات حقيقية من غير أي تزوير فقط ستنتهي لنتيجة واحدة، إنهاء الأنظمة وربما جانبا من مصالح الغرب.
اليوم الشعوب بدأت تحاول أن تتغير وتغير والغرب راجع استراتيجيته وتكتيكاته تجاه المنطقة وبقيت بعض الأنظمة رافضة متوجسة.
الغرب غير تكتيكيا حتى موقفه من التنظيمات السياسية الإسلامية، وهنا أيضا نحن أمام وضع غريب.
الغرب حارب في وقت من الأوقات الأنظمة الوطنية والثورية والقومية واستخدم بعضا من الإسلاميين ضدها، مولهم وسلحهم وحرضهم عليها بحجة أنها موالية للشيوعيين ثم سكت وتواطأ مع الديكتاتوريات ثم ساند كل الأنظمة العربية في حربها ضد الإسلاميين، سواء الذين يستعملون العنف أو من لا يستعملون العنف. وبعد كل هذا الغرب يستعد اليوم لـ ''عقد قران بالتراضي!!'' مع ''الإسلاميين''.
الواقع أن هذا التيار ظل يمثل المعارضة، أما باقي التيارات فهو إما ممنوع أو ضعيف أو غير موجود أو متورط مع حكام الأمس. فحتى البرجوازية التي راهن الغرب عليها، بتشجيعه وتحريضه على الخوصصة بالخصوص، كانت برجوازية رثة من غير أي استعداد معرفي أو دراية رأسمالية حقة وكانت تعيش بـ''سيروم'' الأنظمة التي قاسمها رجالها تجارتها وفوائد أعمالها الفاسدة، فصارت عامل تعميم للفساد وأحيانا كثيرة مطية للاستعمار الجديد.
ومع اعترافنا أن الإسلاميين أظهروا عبر العقود الأخيرة بالخصوص استعدادا نضاليا عاليا، إلا أن الأنظمة ظلت في الواقع مرعوبة من كثير من التيارات الإصلاحية والمنادية بالديمقراطية وراحت تحكم التضييق عليها وحتى منعها من دخول العمل السياسي الحزبي.
اليوم الإسلاميون هم الذين سيبدأون مرحلة جديدة في تاريخهم وفي تاريخ بلدانهم ولسنا متأكدين من أنهم يتوفرون على دراية كافية لإدارة تناقضات المجتمعات وعلى ''غسل'' هذه المجتمعات مما تراكم في نفوس مواطنيها وفي واقعها من فساد ونضع أيدينا على قلوبنا خوفا من أن تكون نسخة معدلة مما انتهت إليه أنظمة ثورية أو قومية.
وفي كل الأحوال نتمنى ألا تنتهي نخبة هذا التيار إلى حال المرأة السيئة السمعة في علاقتها بشعوبها. ومن أجل تفادي ذلك لا بد من الحرص على مسألتين: أولاهما تقييد السلطة، كل سلطة سياسية كانت أو دينية أو مالية أو تجارية. وثانيهما إعطاء الأولوية لبناء المؤسسات لالترديد الشعارات. 


mostafahemissi@hotmail.com


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)