الجزائر

كلام آخر ''مراوغات'' ملك وغياب رئيس



  وأنا أتابع مراوغات ملك المغرب في تصريحاته الأخيرة، خاصة حديثه عن نظام مغاربي جديد ، تذكرت ما دار من جدل قبل اليوم حول وحدة المغرب العربي. لقد تذكرت بالخصوص قول الرئيس هواري بومدين الشهير نحن مع مغرب الشعوب لا مع مغرب الأنظمة .
وأذكر أيضا أن معمر القذافي كان قد عقد لقاء مع قيادات المنظمات الجماهيرية في بداية الثمانينيات، وألقى فيهم خطابا طويلا خصصه لموضوع الوحدة. ومما ورد في رد السيد عبد الحميد مهري على القذافي، جملة قصيرة مليئة بالمعاني: إن الجزائر لا تدخل في وحدة يسهل الخروج منها .
أيامها، كانت رؤية الجزائر تقوم على توحيد المصالح والعواطف قبل أنظمة الحكم. اليوم، لا رد ولا رؤية. إنه صمت العاجز.
ولكن وبغض النظر عن حسابات الأنظمة وصراعاتها وتبادل توظيف مفهوم العدو الخارجي من أجل تعزيز الوحدة الداخلية، نتساءل بكل جدية: لماذا تسير الدول الكبرى إلى التجمع وبناء المجموعات الضخمة في حين تسير البلدان الصغيرة نحو الانشطار ونحو الصراع؟ سؤال محير فعلا. لماذا هدر الأموال وعوامل القوة؟ كم يخسر المغرب من تمسكه بإلحاق الصحراء الغربية بالقوة وكم يربح لو فتح أبواب التقارب والتعاون بين كل بلدان المغرب العربي؟ لماذا يجعل ملك المغرب من الصحراء ملف المملكة الوحيد الذي يحدث حوله تلاقي مقدّس! بين كل قواه السياسية.
لقد كان المغرب العربي الموحد حلم الوطنيين في كل من تونس والجزائر والمغرب، ولم يتحقق شيء هام يذكر، بل تضع شعوب المنطقة أحيانا يدها على قلوبها خوفا على ما تسميه الوحدة الوطنية .
نستنتج من قراءة التاريخ أن مسار الانحطاط والتدهور بدأ بالخصوص منذ سقوط دولة الموحدين. لقد ساد بعده تبديد الثـروة وعوامل القوة في حروب طاحنة بين الدويلات الثلاث، الزيانيين في الجزائر، والمرينيين في المغرب، والحفصيين في تونس. وكرّس الاستعمار هذا الوضع. فمتى ينتهي هذا المسلسل المدمر؟
لنحلم قليلا: لو أن المغرب العربي قام، فذلك سيعني:
رقعة جغرافية بـ6 مليون كلم مربع، وديمغرافية تساوي حوالي 90 مليون نسمة، وناتجا محليا إجماليا لن يقل عن 500 مليار دولار.
وحتى يكون للأرقام معنى وحتى نتمكن من إدراك أهمية الوحدة، أقول: هل تعرفون أن الإنتاج الوطني الخام لإسبانيا يتجاوز 1500 مليار دولار؟ وهل تعرفون أن الإنتاج الوطني الخام لفرنسا يتجاوز 2600 مليار دولار؟ فما بالكم بأوروبا اليورو أو أوروبا السبع والعشرين؟!
كيف يمكن للدويلات، بما تعيشه من فساد وتسلط، أن تواجه أوروبا كلها، أو حتى أن تواجه فرنسا لوحدها؟ لهذا، فالمسألة استراتيجية.
سيقول الكثـير إن المشكلة هي اختلاف الأنظمة، وأقول إن المشكلة هي الأنظمة. هذه الأنظمة لا تملك في الحقيقة سيادة القرار، إنها خاضعة لضغوط قوية من فرنسا خاصة، ومن أوروبا والغرب عامة، بل وتستمد بعضا من شرعيتها منه. ولهذا، فالمشكلة هي قيام إرادة سياسية قوية، تعمل فعلا على بناء هذا المجال الحيوي والاستراتيجي لكل تنمية ونهضة للمنطقة.
طبعا، لا يمكن أن يكبر هذا الحلم باستخدام القوة والإلحاق القصري، خاصة أن المملكة هي البلد الثاني بعد إسرائيل الذي لا تعرف له حدود ثابتة أكيدة!!
ما دمنا في عهد الشارع والشعوب، فإنه ليس من المستبعد أن يتحوّل الحلم لمطلب شعبي. وللوصول إلى ذلك، لا بد أن ننشر في أجيال المستقبل هذا الحلم، لنذكرهم أن فترات مجد أجدادهم هي تلك الفترات التي كانوا فيها وحدة واحدة، سواء إبان دولة الموحدين أو قبلها دولة المرابطين.
أي وحدة ممكنة؟ لا ينبغي أن نستبق الأمور. الوحدة الأولى هي وحدة الحلم بين الشعوب، ولا مستقبل لهذا الحلم خارج حرية هذه الشعوب في اختيار مصيرها. أما الأشكال التنظيمية العملية، فتلك مسألة هامة ولكنها ليست مستحيلة، حتى مع اختلاف الأنظمة السياسية. إن الكونفيدرالية تبدو حلا عمليا ممكنا، حيث تمكن دول المنطقة من الاحتفاظ بدساتيرها ولا مركزيتها وحتى هياكل دولتها، مع تنسيق عام في مجالات شتى في سياسات التعليم وفي التبادل التجاري وفي الكثـير من التشريعات، وفي الاستيراد الجماعي لحاجيات دولها، وفي التفاوض الجماعي مع الأطراف الدولية الأخرى على أن تكون اختيارا شعبيا لا سلطويا؟
لنحلم أن هذا الحلم سيكون يوما حلم تسعين مليون مواطن مغربي.


mostafahemisi@hotmail.com


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)