نظمت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان نقاشا حول الإعلام والثـورات العربية، ومن بين القضايا التي لقيت جدلا: هل هناك فعلا حال ثـورية عربية؟ وهل يمكن لهذه الحال أن تتحوّل لحال سياسية مؤسساتية؟
بالنسبة للحدث نفسه، أي ما جرى ويجري أمامنا، في تونس ومصر واليمن وسوريا وليبيا، وحتى ما يجري في بلدان أخرى تحاول تفادي ''التغيير الحاد'' أو حتى تفادي التغيير كلية، مثـل المغرب والجزائر والأردن والبحرين، ما زال الجدل واسعا حول تعريفه: هل هو ثـورة أم هو انتفاضة أم مجرد مؤامرة قامت بها أطراف خارجية وداخلية من أجل منع أي تغيير من الحدوث؟ هل الأمر متصل بما يسميه ألفريدو باريتو الانقلابات النخبوية أو هو تحول تاريخي وسوسيولوجي عميق؟
في كل الأحوال، فإن كل أشكال المظاهرات هي بمنظور العلوم السياسية بنى غير متخصصة لا ديمومة لها، حتى وإن رأينا محاولات إعطاء هذه البنى دورا شبه متواصل في مصر بالخصوص، وإقامة البنى المتخصصة الدائمة هو المهمة الشاقة التي نتابع بشأنها جدلا حادا في تونس ومصر.
في كل الأحوال، ينبغي أن نميز بين تفسير الحدث سياسيا وإيديولوجيا، وبين تفسير الحدث سوسيولوجيا. وفي هذا، يمكن الاستشهاد بالكثـير من الأعمال الأكاديمية، منها مثـلا ما يقوله عالم الاجتماع السياسي غاستون بوتول.
يميز غاستون بوتول بين نوعين من الأحداث. فهناك الأحداث التي توصف عادة بأنها تاريخية، وهي ''الأحداث التي تخرج عن المعتاد. وهي تجري تعديلات في ميزان القوى وفي توزيع الخيرات وفي التجريد من السلطة، لكنها لا تحدث تغييرات كبيرة في سلم القيم المعنوية، ولا يجري انقلاب جذري في هيكلية النظام''.
أما الأحداث التي يصفها بالسوسيولوجية فهي: ''زعزعات تنتهي إلى أشكال جديدة من التوازن الاجتماعي.. إنها تحدث تعديلات هيكلية تتناول، في آن واحد، الذهنيات والمؤسسات..''. ولكن بوتول يرى أن ''الحدث ذا المتناول التاريخي بضخامته، ينقلب إلى متناول سوسيولوجي. فعندما يصبح فقدان التوازن في رهان الأحداث ذا ثـقل عظيم الأثـر، فإن ذلك يؤدي إلى تهديم هيكل الوضع القائم وقيام هيكل آخر مكانه''. (*)
إذن، هناك ما يمكن القول إنه معايير موضوعية لتقييم الحدث. أولا: هل هو حدث يحمل صفة التاريخية، أي أنه أجرى تعديلات في ميزان القوى من حيث التجريد من السلطة ومن حيث توزيع الثـروة. ولعل الأهم من كل هذا هل هذا الحدث وصل أو أنه مرجح له أن يصل مستوى الحدث السوسيولوجي، أي أنه أحدث أو مرجح له أن يحدث تحوّلا في الذهنيات والمؤسسات.
إذا أخذنا بهذا التحليل السوسيولوجي، يمكن القول إن البلدان العربية التي عاشت وتعيش هذه الثـورات الشعبية في حاجة لـ''هيكلة'' أخرى، أي لما أسميه ترتيبا مؤسساتيا آخر مغايرا تماما للترتيب القائم. ذلك لا يأتي بالضرورة استجابة لـ''طلب اجتماعي''، بل يأتي لأن هناك تحوّلا موضوعيا في ميزان القوى وفي توزيع الثـروة وفي منح السلطة أو التجريد منها، ولأنه قد يحمل تحوّلات ذهنية ومؤسساتية.
لكن التحولات في ميزان القوى قد تتوقف عند حدود تفاوض جديد من أجل الوصول إلى توازن سياسي جديد بين القوى القديمة والقوى أو القوة الجديدة، وقد لا تتمكن القوة الجديدة في هذا التفاوض من انتزاع دور يعكس الأمل أو الطموح الذي عبّرت عنه ملايين الناس في شوارع تونس أو مصر أو اليمن أو سوريا أو الجزائر أو غيرها.
إن ''التجريد من السلطة''، الذي يعني التغيير الجذري في آليات اتخاذ القرار وفي أطراف اتخاذ القرار، قد لا يكون ثـوريا تماما. وقد سبق أن رأينا ذلك عقب ثـورات التحرّر الوطنية، وكيف تمكنت القوى الاستعمارية من امتصاص الحال الثـورية وحتى التحوّل في الذهنيات ومنعت قيام التحوّل الجذري في المؤسسات.
ولهذا، فإن شرط تحول الحال الثـورية لحال سياسية تجسد مطامح الناس، هو حدوث تحوّل جذري في أطراف اتخاذ القرار ودخول المواطنين طرفا فاعلا بثـقل منظم، مما يؤدي لقيام ترتيب مؤسساتي جديد وتلك تتحوّل لحال سياسية. قبل حدوث ذلك، ينبغي القول إن الحال الثـورية وفرت ظروفا، لكنها ربما لم تحل الإشكالية.
* غاستون بوتول. سوسيولوجيا السياسة. عويدات بيروت. .1980 ص62
mostafahemissi@hotmail.com
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 16/08/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : بقلم مصطفى هميسي
المصدر : www.elkhabar.com