الجزائر

كلام آخر لماذا يتمكن النظام من الاستمرار؟



تساؤلات كثـيرة تصلني من القراء عن لماذا وكيف وما الحل وغيرها.
في مسألة لماذا وكيف، أتوقف عند موضوع غير مطروق بشكل كاف، إعلاميا وسياسيا، وهو: لماذا تعيش البلاد هذا الانسداد وكيف يتمكن نظام الحكم من الاستمرار؟
سألجأ للرد على هذا التساؤل إلى ما توصل إليه  بعض الباحثـين في علم الاجتماع، ومنهم الهواري عدي.
الباحث الهواري عدي ينقل عن عالم الاجتماع ج. باشلير قوله: ''إن القطيعة يمكن أن تحدث ''عندما يتخلى ''السيستام'' عن منطقه الخاص''. ويصف عالم الاجتماع ج. باشلير ''السيستام'' الأحادي بأنه ''سيستام'' يدمّر كل مراكز القرار ذات الاستقلالية.  وحتى لا نطيل كثـيرا في التبرير، فإن التقنية المستخدمة لاستمرار النظام يمكن أن تكون، نقلا عن ج. باشلير، كالتالي:
1 ـ كل النخب غير الآتية مباشرة من السلطة وغير التابعة لها ينبغي القضاء عليها حتى لا تتجمع حول مراكز ذات استقلالية.
2 ـ إن توكيل السلطة لا ينبغي أن يتحول إلى عمل مؤسساتي حتى يظل من الممكن إلغاء هذا التوكيل في أي وقت.
3 ـ تثـبيط كل روح مبادرة وتجديد، لأن ذلك قد يتسبّب بشكل متواصل في تعديل موازين القوة داخل ''السيستام''.
4 ـ فرض إيديولوجية رسمية للإبقاء على الإجماع والوقوف في وجه كل مضاربة من شأنها أن تبعث معارضة.
5 ـ المجال الخاص للفرد ينبغي أن تمتصه الدولة، لأن هذا المجال قد يتسبّب في تفتيت الاحتكار.
6 ـ ينبغي التهديد بشكل دائم باللجوء إلى العنف للدفاع عن الاحتكار والتأكد من ولاء وإخلاص جهاز القمع.
كان هذا في الواقع وصف للحالة الفرنسية قبل الثـورة وقواعد إدارة النظام فيها، ويبدو لي أنها تتطابق تماما مع تقنيات الإدارة التي تسمح لهذا النظام بالاستمرار.
إن تقنية توكيل السلطة مستخدمة منذ عهد الانكشارية والدايات وحتى اليوم، إنها الإدارة بالوكالة في قمة الهرم وبالوساطة في العلاقة مع المجتمع. وينبغي أن نذكر أن النظام ما بعد الكولونيالي صار نظاما نيوكولنياليا فقط، وهو يعتمد تقنيات إدارة كانت مستخدمة إبان الإدارة الاستعمارية بل وآتية من حكم الدايات، ومنها المخزن الجديد وتقنية الوكالة والوساطة.  ويتبادر إلى ذهن الكثـيرين هذا الارتباط بالثـقافة الفرنسية، ولكن بالثـقافة غير الديمقراطية فيها، كما يؤشر لوجود دراية وكون الأمور تدار بهذه الطريقة عن سبق وعي وإصرار. ويمكن أن نسجل أيضا أن إدارة النخبة تتخذ دائما مناهج متلائمة مع التقنية التي سبق التطرق لها. وفي هذا السياق، ترى بعض الدراسات، ومنها ما ورد في مشاركة للباحث أحمد زايد في ندوة عن التجربتين المصرية والجزائرية، أن ''..النخبة السياسية وصلت مستوى من الخبرة السياسية يسمح لها بممارسة رقابة على وسائل الإعلام الجماهيري، حيث يصبح مستحيلا لأي فرد عادي دخول هذه النخبة. في الوقت نفسه، تتعوّد هذه النخبة على الممارسة السياسية، حيث يتولد لديها الاقتناع أو الاعتقاد أن وجودها ضروري، وأن تخلي أعضائها عن مناصبهم يشكل كارثـة عليهم هم أنفسهم وعلى حزبهم..''. ولهذا، وبسبب عدم وجود إمكانية للتغيير العادي، فإن ''..(الانقلاب النخبوي) يشكل وسيلة هامة تؤدي إلى أن تأخذ نخبة مكان نخبة أخرى، حيث تنتزع منها القوة والحكم..''. هذا الشكل من النظام، سواء وجد في هذا التفسير السوسيولوجي التاريخي بعضا مما يصفه أو في غيره، فإنه صار مشكلة المشكلات للبلاد.
وكل المؤشرات تقول إن أي تمثـيل حقيقي للمجتمع وقواه الموضوعية الطبيعية لن يعطي محتوى النخبة الحالية، وهذا عامل آخر للخوف من التغيير. كما أن السطو على الثـروة العامة وتحويلها نحو ''إقطاعات'' (من إقطاع) وعصب وأدواتها الأفقية، يزيد من التباعد بين قمة الهرم ووسطه وقاعدته؛ وهو ما يعني أن السلطة القائمة لا تفكر ولن تفكر أبدا في أي انفتاح ديمقراطي، ويشاطرها الرأي قوة خارجية ذات مصالح كبيرة وواسعة في الجزائر، وتملك أدوات فاعلة للتأثـير في القرار، وحصلت في الفترة الأخيرة على عقود سخية ثـمنا للسكوت والتواطؤ.
إن مثـل هذه النخب ولعوامل متعددة أخرى، خاصة منها غياب رؤية بل غياب حتى الانشغال بموضوع بناء دولة المؤسسات والقانون، لا يمكن أن تقود المجتمع إلى الديمقراطية ولا إلى الحداثـة، إنها ''جسم غير مفيد'' سياسيا وثـقافيا واجتماعيا، بل هي مشكلة المشكلات.
وهذا يؤشر بوضوح لحجم ما ينبغي تغييره للانتقال بالبلاد إلى عهد آخر. قد لا تكون هذه إجابة شافية، وقد تكون غير صائبة، والموضوع مفتوح للنقاش.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)