الجزائر

كلام آخر ''.. قمة الفشل أن ترتب الحياة من حولك وتترك الفوضى بداخلك''!



اعتقد أن هناك ما هو أهم من البرهنة أن حوار السلطة مع نفسها هو لا حدث. لهذا أنصرف متعمدا لموضوع هو من انشغالات الجزائريات والجزائريين الجادة، أي التفكير جماعيا في حلول لبعض من إشكاليات مجتمعنا.
في هذا السياق، تلقيت رسالة من قارئة تقول فيها بالخصوص: .. إن أردنا تحرير المجتمع فلا بد أن نحرر النساء أولا من الجهل المستحكم في حياتهن وإن أردنا تقييد السلطة فعلينا بتقييد سلطة الرجال على عقول النساء.. فهل ذلك صحيح؟
إنه موضوع كلاسيكي ولكنه ما زال مطروحا بقوة. وأزعم أن كل المشكلات ما هي إلا تفرع منطقي لمشكلتين: السلطة والمرأة. 
وأصدق القارئة أن طول التفكير في الموضوع والرغبة في عدم مقاربته بمنهجية كلاسيكية ذكرني بقول مصطفى صادق الرافعي: قمة الفشل أن ترتب الحياة من حولك وتترك الفوضى بداخلك فالداخل أهم مما حولنا.
ألم يتحدث مالك بن نبي عن القابلية للاستعمار، وهل هذه القابلية للاستعمار ليست أيضا قابلية للظلم وقابلية للتسلط؟ وهل ما بداخلنا هو هذه الترسبات من اللاثقافة ومن الانحطاط الذي دام الآن ما يقرب من سبعة قرون؟ أليست مسألة المرأة مظهر من مظاهر هذا الانحطاط الثقافي وهذا الانحطاط الأخلاقي وهذه القابلية للتسلط؟
لست أدري كيف ذهبت إلى مقاربة الموضوع من هذه الزاوية. لكن في كل الأحوال المسألة أعمق من أن تقارب بالمطالب، كما ينبغي القول ليس هناك أي إمكانية منهجيا لأي حرية للمرأة في مناخ التسلط والظلم.
نعم اعتقد أن هناك فوضى رهيبة في المستويين، ما حولنا وما بداخلنا حسب تعبير الرافعي. وما الذي يمكن أن نقوله في حال اجتماع فوضى الحياة من حولنا بالفوضى بداخلنا؟
لا أدري كيف اختصرت المسافات ووصلت إلى الثنائية الكلاسيكية العقل والقلب. هذه الثنائية تعني فيما تعنيه أن القلب هو الضعف وهو الفوضى أو سبب للفوضى وأن العقل هو القوة؟ طبعا منطقيا لا. فنحن نعيش أحيانا كثيرة فوضى الحياة من حولنا أفرادا ووطنا وأمة وفشل العقل في ترتيبها.  
ولكن ألا يجعل هذا التبسيط القلب هو الحب والعقل هو اللاحب، وقد يجعل هذا التبسيط القلب هو الخطأ والعقل هو الصواب. وتلك أمور كلما تمعنا فيها وجدنا أنها لا تستقيم، فالأشياء من غير قلب أي من غير مشاعر لا إنسانية تماما وحينها قد يعني العقل الشدة والبرودة والقسوة وقد يعني حتى الطغيان والظلم.
المشكلة الأهم في سياق موضوعنا أن هذه الثنائية كثيرا ما تجعل القلب مسألة أنثوية ومرادفة للضعف وتجعل العقل شيئا ذكوريا ومرادفا للقوة.
ولكن أليس القلب، وهو مسألة أنثوية وفق الفلسفة الذكورية، إذا ما تعلق الأمر بمشاعر الإنسان يعني الحنين الإنساني وأن القلب بالمعنى السياسي الإيديولوجي يعني الانتماء ويعني الاختيار، ولا اختيار من غير حرية، ويعني أيضا التضحية من أجل قضية؟ ألا يعني القلب هنا أيضا الاستعداد النضالي وأن هذا يعني تطليق القابلية للظلم ويعني بداية طريق الحرية؟
واضح أنه كلما غابت المشاعر ساد الظلم والطغيان والحروب وكلما غابت المشاعر عم الظلام القلوب وقلوب من غير مشاعر هي قلوب عمياء.
ولكن من أين ينبغي أن نبدأ في الإصلاح، مما هو حولنا أم مما هو بداخلنا؟ ولكن هل هناك اختلاف بين ما هو حولنا وما هو بداخلنا أليس تعبيرا عن مرحلة تاريخية لمجتمع؟
ما علاقة هذا بحرية المرأة؟ العلاقة واضحة في هذا المنطق العام السائد وفي هذه النظرة التي رتبت أساسا فكريا وفلسفيا للسلطة الذكورية. إن مسألة حرية المرأة ليست من مجال ما حولنا إنها من مجال ما بداخلنا أساسا.
ألم يصدق بول فاليري عندما قال: يتميز الناس عن غيرهم بما يظهرون ويتشابهون بما يضمرون فهل تشابه ما نضمر، أفرادا وشعبا وأمة، هو حال التخلف وهو حال الركود وبالتالي هناك تلاقي بين الفوضى من حولنا وبين الفوضى بداخلنا.
في كل الأحوال، فإن فوضى حياتنا وفوضى دواخل البعض منا، ناسا وحكاما بالخصوص، تذكرنا بوديان الوهم وشلالات الفشل الطافحة التي أغرقت حياتنا، قُتِلت فينا القلوب وشُلَّت العقول وأجهضت أحلام وطنية وقومية وإصلاحية. صغرت الدولة وكبر الفساد والإفساد صغرت الضمائر وضمرت القلوب.
لذلك فالمسألة قد تكون في التباعد بين القلوب والعقول أو هي في عقول بلا قلوب. وهو ما يعني ضرورة إعادة ترتيب ما بداخلنا وما حولنا في آن واحد. ولهذا لا بد من تحرير المرأة لأن تحريرها يساهم في تغيير ما بداخلنا وذلك طريق التحرر العام.


mostafahemissi@hotmail.com


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)