قررت العديد من لجان قرى البويرة إنشاء صناديق لجمع الأموال بهدف مساعدة الأيتام الصغار، وهذا عوضا عن صرف الأموال التي يتصدق بها المحسنون وأهل الخير في تحضير الطعام وتقديم القهوة والحلويات والشاي للمعوزين.في وقت تفضل فيه الكثير من العائلات الثرية بالبويرة التباهي حتى في الجنائز بنحر الكباش وتحضير “وجبات ملكية” وإعداد الحلويات بالجوز والفستق التي توزع مرفوقة بالعصائر الطبيعية للمعوزين واستئجار شعراء لرثاء ومدح موتاهم، لا تزال أغلبية قرى البويرة تتكفل بمصاريف جنائز الفقراء من سكانها، وتعتبر قرية سماش ببلدية العجيبة من بين القرى المعروفة بالمنطقة التي لا تزال إلى غاية اليوم تتكفل بكل صغيرة وكبيرة وبتدبير شؤون المواطنين في كل النواحي بما فيها الاجتماعية وحتى في المجال الروحي، حيث تمنع لجنة القرية السكان من ذبح الكباش في الجنازة، بل “تجماعث نتدارث” هي التي تخصص مبلغا ماليا من “صندوق القرية” لتتكفل بمصاريف الجنازة والدفن، وتمنع هذه الأخيرة تقديم الطعام للمعزين ولا حتى القهوة، وبعد الدفن يهيأ فطور للجيران والقربى وكل المصاريف من خزينة القرية مخصصة للمآتم.
وإلى جانب لجنة القرية التي تتكفل بمصاريف الجنازة فإن جمعية “اثران” التي تنشط على مستوى قرية السماش تتكفل بهذه الفئة بتوزيع الأدوات المدرسية وكباش العيد والألبسة والأفرشة في فصل الشتاء وختان الأطفال كل سابع وعشرين من رمضان من كل سنة، وهذه الجمعية تتكفل بالأيتام بمن فيهم المعوزون الآخرون وبتدعيم من ابن المنطقة الدكتور السعيد بويزري.
وإذا كانت إلى غاية اليوم بعض العائلات بقرى البويرة تلجأ في الجنائز إلى إعداد الأكل للمعزين والمترددين على منزل الميت، فإن الأمر بقرى اغبالو، امشدالة، تغزوت مغاير حيث يقوم السكان بطريقة تلقائية بمساعدة وإطعام المعزين وإيوائهم وهذا لتخفيف العبء عن عائلة الميت.
لكن كما هو ملاحظ فقد تم خلال السنوات الأخيرة تسجيل استغناء بعض العائلات عن مثل هذه الأمور بسبب غلاء المعيشة، وتم الاستغناء عن عشاء الميت الذي يبقى رغم ذلك ضروريا لدى البعض الآخر والذين يقومون بتحضيره ولو اضطر بهم الأمر إلى الاستدانة، رغم أن الكثير من الفتاوى الدينية كما هو معروف تحرم إقامة الولائم في الوفاة، لكن وللأسف الشديد لا تزال الكثير من العائلات الثرية بالبويرة تتباهي حتى في الجنائز، وهذا عن طريق تحضير أشهى المأكولات باللحوم وإعداد الحلويات التي توزع مرفوقة بمختلف المشروبات بمختلف أنواعها على المعزين، بل وصل الحد بالبعض من العائلات إلى الاستعانة بأشهر شعراء الشعر الجنائزي لرثاء الميت ولإبراز خصاله الحميدة بأن تلقى أمام المعوزين أبيات رثاء للمتوفى تجمع في طيّاتها أسمى الصفات النبيلة والسلوكيات الحسنة التي كان الشخص المتوفى يحمِلُها في شخصيته، وهذه الكلمات والعبارات تكُون مؤثرة ومُعبّرة تُلخّص حياته، وتتمثّل في عبارات دعاء للميت وكلمات رثاء مؤثرة وحزينة.
واعتبر الكثير من الأئمة بالبويرة أن قراءة القصائد التي فيها رثاء للميت ليست محرمة، ولكن لا يجوز لأحد أن يغلو في أحد، أو الكذب بوصف الميت بما ليس فيه ونحو ذلك من الأمور المحرمة، كما هي عادة الكثير من الشعراء، أما مجرد ذكر محاسن الميت وإظهار التوجع والحزن عليه فهذا غير محرم.
وأجمع الأئمة الذين تحدثت إليهم “الشروق” في الموضوع على أن الرثاء من باب ذكر محاسن الميت مما يشوق إلى التأسي به والاقتداء به وبالأعمال الطيبة من الجود والكرم والجهاد في سبيل الله وإنكار المنكر والدعوة إلى الخير، فذكر هذا في مجالس العزاء ينفع المسلمين ولا يضرهم ويرتاح له كل مؤمن، أما إذا كان الرثاء يزيد المصائب ويدعو إلى الحزن ويحرك أحوال أقارب الميت حتى يشتغلوا بالبكاء فلا ينبغي ذكره، ولا ينبغي قراءته عندهم، لأن هذا يسبب مشاكل ويفضي إلى محرمات.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 27/09/2018
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : فاطمة عكوش
المصدر : www.horizons-dz.com