تكريم جميل خصّصته الشاعرة الجزائرية عليمة عبدات للكلمة، في مجموعتها الشعرية الثالثة "Telle une chair tatouée" أو (كجسد موشوم)، إصدار جديد تميّز بجمالية المفردات وروعة المعاني التي تعبّر عن ذكريات حياة في مراحلها الأخيرة، تتمكّن من الصمود في الأخير لتدير ظهرها للموت.تضمّ هذه المجموعة الشعرية، الصادرة حديثا باللّغة الفرنسية عن منشورات المؤسسة الوطنية للاتصال النشر والإشهار (آناب)، والتي كتب مقدّمتها الكاتب الصحافي أرزقي مترف، 70 نصا شعريا موزّعا على خمس تيمات مختارة بعناية، تتسم بالنضج والتأمل، تحفر فيها الشاعرة عميقا، عند حدود الموت.
يرسم هذا الديوان خلاصة الحياة، عالم يتجسد في لحظة مصيرية تسبق الرحلة الكبرى إلى العالم الآخر، لما ينكشف جليا مسار حياة بأكمله كشريط فيلمي بين عيني كائن على وشك الرحيل، يعيد الأفراح والأقراح ويتوهّج في الذاكرة ليعود بأعجوبة بين أحبّائه إلى الحياة من جديد.
جعلت المبدعة عليمة عبدات من هذه التجربة المكثفة التي يعيشها أيّ إنسان مجالا خصبا لإلهامها المتوقّد، انطلاقا من محسوسات وجودية ووصولا إلى عوالم غير مستكشفة، ما يعكس نسيج إبداعها الغزير الذي يتجسّد هذه المرة في مجموعة شعرية برؤى فلسفية وميتافيزيقية.
وفي عالم يجمع بين تعدّدية الأصوات والأجواء الطقوسية، تضع هذه المجموعة الشعرية القارئ بعذوبة في علاقة مع الفضاء، ومع التأمل، ومع الذاكرة أيضا، ومع العلاقات الإنسانية وجوهر الأشياء، خمس تيمات تتفرع كلّ واحدة منها إلى سلسلة من القصائد شديدة الشاعرية.
وترى عليمة عبدات أنّ "الذكريات لا تنبثق من ماض خارجي، وإنما هي مغروسة فينا وتسكننا مثل نقوش لا تمحى محفورة على الجسد"، مستحضرة في هذا السياق مواضيع مختلفة لها علاقة بأماكن ثلاث مدن تركت فيها الأثر وكانت لها بمثابة "الفاعل الأساس" باتنة مدينتها الأصلية، والعاصمة التي تبنتها وغزة الشهيدة التي تمثل لها جرحا غائرا لا يندمل.
وكفنانة تشكيلية في عالم الكلمات، تندّد عليمة عبدات بأعلى صوتها بالعدوان الصهيوني على غزة، ففي قصيدتها "طائر الشمس" تشجّب الشاعرة مأساوية هذا العالم من خلال ما يحدث في فلسطين وما يعيشه شعبها من اضطهاد وإبادة وجرائم همجية لا نظير لها، لا تزال مستمرة إلى اليوم.
وفي فصل "هسهسة الذاكرة" ترسم عبدات نصا تكريميا لأشخاص اختفوا وتسترجعهم الذاكرة لما يحين وقتهم، في حين تتجسّد في "هي وهو" العديد من المواقف التي تحدث في حياة أيّ زوجين والتي يتم استرجاعها من خلال الكلمات التي تحاول أن تجد طريقها في تقلبات الفكر المتحرّر.
ومن خلال تناولها لإشكالية الكتابة تتساءل الشاعرة خصوصا في "زبد الأقلام" عن "السبب الذي يدفع للكتابة وللكتابة الشعرية بشكل خاص"، متناولة صعوبات هذه "اللحظة الإعتزالية" التي عادة لا يمكنها تبديد انشغالات الكاتب، كموسيقار يشرف على تدريبات فنانيه الموسيقيين من أجل أن يجعلهم يؤدّون ما ليس هو مكتوب في نوتاته.
في حماسة شاعرية داعية للتأمّل، تهدي عليمة عبدات مجموعتها الشعرية لأحاسيس عميقة مدفونة فيها تحاول نشرها، من خلال شظايا من القصص والذكريات البعيدة، تتركها في حالة من التشويق في متناول القارئ ليستحوذ عليها وليغوص في منشئها وتكوينها من خلال عرض مسيرته الخاصة.
وتميّز هذا العمل، الذي جاء في 88 صفحة، برسمة تشكيلية ذات توجّه فنّي تجريدي اختارتها الشاعرة لتكون على واجهة كتابها، وهو عمل فنّي لأرزقي مترف الذي يعرف أيضا بإبداعه في التشكيل، رسمة معبّرة بأشكال وألوان مختلفة ترمز لربما لتقلبات الحياة في لحظاتها الأخيرة وهي تستحضر ذكريات الوجود.
وسبق للشاعرة عليمة عبدات، وهي أستاذة بجامعة الجزائر وأن أصدرت مجموعتين شعريتين هما "ماذا أصبحت أيّها الغضب" (2019) و«لأنّك البحر" (2021).
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 22/12/2023
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : الشعب
المصدر : www.ech-chaab.net