الجزائر

كثرة الطلب على دورات تعلم اللغات في الصيف تحسين المستوى في العطلة مطلب ملح حتى لا تحدث القطيعة



يعد فصل الصيف بلا منازع موسما للراحة والترفيه، باعتباره يتزامن والعطلات السنوية، التي ان كانت تمتد لشهر فقط لدى الموظفين والعمال، فإنها قد تصل إلى أربعة أشهر بالنسبة للتلاميذ والطلاب. وإذا كان البعض يرى في الصيف مرادفا للكسل والخمول، فإن البعض الآخر لا تمنعه حرارة الطقس من استغلال العطلة لتحسين مستواه الدراسي أو المعرفي أو التحضير لامتحانات مهمة.
وأدركت العديد من المدارس الخاصة والمعاهد والمراكز الثقافية هذا الاهتمام المتزايد بالدراسة الصيفية، ففتحت أبوابها وقدمت برامج صيفية خاصة تتضمن بالخصوص دروسا مكثفة في اللغات، ومن أبرزها المعهد الفرنسي(المركز الثقافي الفرنسي سابقا)، والمركز الثقافي الإسباني «سيرفانتيس» والمركز الثقافي الإيطالي، فضلا عن مدارس التكوين الخاصة التي تقدم دروسا في اللغات.
وحسب مصادر من المعهد الفرنسي فإن الأخير ونظرا للطلب المتزايد على دروس الدورة الصيفية، قرر منذ سنوات استحداث دورة مكثفة تدوم شهرا وتقدم دروسا يومية للطلاب الراغبين في تحسين مستواهم في اللغة الفرنسية أو التحضير للامتحانات التي ينظمها للحصول على دبلوم إتقان اللغة، والذي يقبل عليه الطلاب الطامحون إلى استكمال دراساتهم الجامعية بفرنسا أو أي بلد فرانكفوني آخر...
من هؤلاء، عبد الكريم الذي قرر أن يضحي بأمسياته الصيفية لمتابعة دروس في اللغة الفرنسية بدورة الصيف بين 20 جوان و14 جويلية، رغم صعوبة الأمر نظرا لحرارة الجو الخانقة، يقول « إنني مضطر للتضحية بعطلتي لأنني أحضر امتحانا للالتحاق بجامعة الطب في باريس، وعلي أن أصل إلى مستوى «سي1» حتى يقبل ملفي، ولهذا لا مجال للانتظار، لا سيما وأن الامتحان سيجرى في نهاية السنة»...
لكن الدراسة في المعهد لا تقتصر على اللغة، فهو يوفر فضاء لهواة القراءة ضمن مكتبة تضم العديد من الكتب الجديد منها والقديم، حيث يقبل عليه الكثير من الطلاب الذين يجهزون أنفسهم لاجتياز مسابقة الماجستير أو لاستكمال مذكرات نهاية السنة للبحث في الكتب المتوفرة، سواء بالإعارة الخارجية أو بالمطالعة الداخلية.
توجهنا إلى مدرسة خاصة لتعليم اللغة الإنكليزية بشارع اودان تعرض دورة صيفية للراغبين في الالتحاق بها، وهناك وجدنا الأستاذ سعيد الذي كان وحيدا، فيما كانت الأقسام خاوية على عروشها، وهو ما أثار تساؤلاتنا، لكن سرعان ما بطل العجب بعد معرفة السبب، فطلاب المدرسة كانوا في رحلة دراسية حملتهم إلى تكجدة، يقول محدثنا» أنها إحدى الطرق التي نعتمدها في مدرستنا لتحسين اللغة الإنكليزية لمنتسبيها، فلا يكفي ان نتابع دروسا نظرية لا سيما في فصل الصيف، الذي تدفع حرارته إلى الملل والخمول... لدينا الكثير من الطلبة الذين يرغبون في تحسين مستواهم في اللغة الإنكليزية في أسرع وقت، ولذا لا يترددون في الالتحاق بالدراسة صيفا ولكل أسبابه، ونحن نعمل على مدار السنة حتى في شهر رمضان، ونقدم لهم أسلوبا عمليا جديدا ، لا يعتمد فقط على تعلم أبجديات اللغة، ولكن حفظ أكبر عدد من المفردات والحوارات مع تحسين طريقة النطق لأنها مهمة جدا».
وإذا كان هؤلاء كلهم يجمعون على ان للصيف وظيفة أخرى غير الاستجمام والترفيه والراحة، فإن البعض الآخر يعتبرون ان الدراسة صيفا لا يمكن بأي حال من الأحوال ان تكون في أجندتهم، بل ويشيرون إلى ان موسم العطلة هو أصلا وجد لإحداث قطيعة مع الدراسة تحضيرا للدخول الاجتماعي في الخريف، ولمعرفة رأي مختص في هذا المجال، التقينا الأستاذ محمد بونيب وهو خبير في التنمية البشرية وسألناه عن مدى صحة الاتجاهين وأي اتجاه يفضل، فلم يتردد في التأكيد على انه من المطالبين وبشدة بضرورة استغلال الصيف لتحسين المستوى الدراسي والمعرفي للتلاميذ،
يقول «أنا أتحدث ليس فقط كخبير ولكن كأب لخمسة أطفال من بينهم شاب تحصل على بكالوريا 2012 بمعدل 15.70، أي أنني لا أكتفي بالكلام ولكن أطبق ما أقوله... اعتبر ان هناك عدة عوامل تغذي المستوى الدراسي للأشخاص، وأحيانا يخطئ بعض الآباء بترك أبنائهم يواجهون عالم الدراسة وحدهم، فلهم دور أساسي يلعبونه، ويظهر هذا الدور في العطلة، إذ ليس كل الأبناء لديهم رغبة فطرية في القراءة أو المطالعة صيفا، وهنا عليهم ان يدفعوهم إلى القيام بذلك عبر طريقة التحفيز،لأنه من غير المعقول ان يبقى التلميذ أربعة أشهر دون ان يقرأ أي كتاب، العطلة طويلة جدا ولا احبذ حدوث أية قطيعة بين الطالب ودراسته في الصيف». وعن أفضل الطرق التي يراها مناسبة للتحفيز، يشير إلى أن الأمر يختلف بين إنسان وآخر، فإذا كان الشخص لديه استعدادا ويحب المطالعة أصلا، فهنا يمكن ان نشجعه على ذلك من خلال توفير الكتب في البيت، أما إذا لم يكن لديه هذا الاستعداد فإن تسجيله في معهد أو مدرسة يعد أفضل وسيلة لتحفيزه على التحصيل في الصيف».
وعما يقرأ في الصيف، يعبر السيد بونيب عن اقتناعه بأن أهم المواد التي يمكن للمرء ان يحسن فيها مستواه صيفا هي اللغات، وهو ما يفسر العروض الكثيرة في هذا المجال خلال الصيف. ويتم ذلك من الأفضل عبر الانتساب لمراكز ومدارس، فذلك يسهل عملية التعلم لأنها تتم مع مجموعة، كما ان إتقان اللغات يتم حتما عبر التحدث بها، وهو ما لا يتاح في المنزل. ويضيف «ان معرفة اللغات أمر أساسي لأن بها نتعلم الأشياء الأخرى لا سيما العلوم التقنية التي أصبحت اليوم متوفرة بلغات أخرى لا سيما الإنكليزية.. والأمر لا يتعلق بالتلاميذ والطلبة فقط، فحتى الكبار الذين أكملوا دراستهم يمكنهم استغلال عطلتهم لدراسة لغة لا سيما إذا كان الأمر سيحسن أداءهم المهني». وبالنسبة للخبير في التنمية البشرية فإن أي كتاب يقرأ هو إضافة جيدة سواء كان كتابا للثقافة العامة أو رواية أو كتاب لغات أو قصة.. الخ... ولمن يقولون ان دفع الأبناء إلى الدراسة صيفا يعد ضغطا، يرد بالقول «دفع الطفل إلى التعلم خير من ان يبقى بدون نشاط طيلة أربعة أشهر... المخيمات الصيفية والترفيه جيد لشخصيته وانا لست ضد ذلك، لأن مشاركة الأبناء في أداء مسرحيات مثلا وتعلم أسلوب الإلقاء أمام الناس... أمور هامة يستفيد منها، لكن يبقى تحسين المستوى التعليمي أمرا آخر لا يجب إهماله... فأنا مثلا حفزت ابني الذي تحصل على البكالوريا لتحضير نفسه من اجل اجتياز بعض المسابقات التي تسمح له بالالتحاق بمعاهد ومدارس عليا جيدة، وأقوم بذلك عبر التحفيز، الأمر ليس سهلا لان الأبوة والتعامل مع الأبناء ليس موهبة وإنما مهارة نكتسبها، لذا لطالما دعوت آباء إلى دراسة ذلك رغم ان البعض يرى الأمر غريبا... فتربية الأبناء مهارة تكتسب وليست فطرية كما يعتقده البعض».


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)