الجزائر

كان حلمه أن يرى الجزائر متحررة من الهيمنة العسكرية



كان عمره 28 سنة، وكان حلمه أن يرى جزائر الأخوة والتعددية، جزائر متحررة من القمع والهيمنة الاستعمارية، ذلك هو هنري مايو، الذي كان ضابط صف برتبة مرشح في الجيش الفرنسي وتوفي وبيده السلاح من أجل استقلال الجزائر يوم 4 جوان 1956 . ( وا)
قبل شهرين من وفاته أي في 5 أفريل استيقظت الأقدام السوداء بالجزائر مذهولة. وعنونت الجرائد الفرنسية الاستعمارية في صفحاتها الأولى بالبنط العريض خبرا لا يصدق: ضابط صف من الكتيبة ال57 للجيش الفرنسي المرابطة بمليانة قام بتهريب شاحنة محملة بالأسلحة ثم اختفى. وأثار هذا الخبر في جزائر ثائرة منذ نوفمبر 1954 ضد الاستعمار غضب القادة العسكريين الفرنسيين والصحافة الاستعمارية التي كانت تندد بخيانة ''هذا الضابط''.
ولكن في ثاني ربيع من انطلاق الكفاح المسلح تم تشديد الخناق على المجاهدين في المدن، بينما كانت عناصر جيش التحرير الوطني في الجبال تفتقر بشدة إلى الأسلحة لمواجهة قوات المستعمر الهائلة المدعومة بقوات منظمة شمال الحلف الاطلسي.
واستلم روبرت لاكوست الوزير المقيم حينها كامل السلطات بموافقة البرلمان الفرنسي. وبالموازاة مع الحرب ضد الوطنيين، قامت إدارته بمنع الحزب الشيوعي الجزائري الذي اختار السرية لمواصلة نشاطه السياسي بينما كان مناضلوه الكثيرون يتوقون إلى الالتحاق بصفوف المجاهدين بالجبال وكان مايو أحدهم.
وبموافقة حزبه قام بتهريب شاحنة محملة بالأسلحة من مليانة إلى الجزائر. وكانت العملية جريئة كونها زودت الكفاح المسلح ب132 مسدسا رشاشا و140 مسدسا وعدة صناديق مملوءة بالقنابل اليدوية. والتحق مايو بصفوف المجاهدين يوم 5 ماي 1956 بعد فرار دام شهرا.
والتقى بالشلف بموريس لابان وهو عنصر سابق في الفرق الدولية بإسبانيا ومجموعة صغيرة من المجاهدين لتكوين فريق محاربي التحرير بالونشريس. وبرفقة مجموعات أخرى متوغلة بأعالي جبال تلمسان والأوراس كان المجاهدون يشكلون أول نواة للمقاتلين الشيوعيين الذين سمتهم الدعاية الفرنسية ب''الجبال الحمراء''.
ولم يدم مشوار هؤلاء المحاربين طويلا، إذ نشطوا لمدة شهر واحد وقام مايو
ورفقاؤه خلاله بتنظيم اعتداءات وعمليات تخريبية قبل أن يقعوا في أيادي الحركى التابعين للباشاغا بوعلام والجنود الفرنسيين في غابة بني بودوان (الشلف).
وتم القضاء شبه كليا على هؤلاء المحاربين. وتحقق انضمام الشيوعيين الجزائريين إلى صفوف جيش التحرير الوطني يوم 1 جويلية 1956 اثر الاتفاق الموقع بين جبهة التحرير الوطني والحزب الشيوعي الجزائري بعد اقل من شهر من وفاة مايو ورفقائه (بلقاسم حنون 18 سنة وجيلالي موساوي وموريس لابان وعبد القادر زلماطي).
وتشير شهادات إلى أنه تم القبض على مايو حيا. وأمام العساكر الفرنسيين الذين كانوا يأمرونه بترديد عبارة ''تحيا فرنسا'' كان يردد ''تحيا الجزائر'' قبل أن يطلق عليه وابل من رصاص الرشاشات. وتم عرض جثمان الفقيد مايو الممزق بالرصاص لعدة ساعات بساحة لامارتين (الكريمية اليوم).
وفي رسالة واضحة نشرت في الصحافة الباريسية ردا على منتقديه أكد مايو بقوة: ''لست مسلما ولكني جزائري من أصل أوروبي. واعتبر الجزائر كوطني وعلي أن أقوم نحوه بكافة واجباتي على غرار كافة أبنائه من خلال تزويد المحاربين الجزائريين بالأسلحة التي يحتاجون إليها للكفاح من أجل الحرية. إني واع بأنني خدمت مصالح بلدي وشعبي''.
وفي هذه السنة التي تشهد أحياء الذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر تعود إلى أذهاننا ذكرى مايو، الذي يتوق إلى جزائر حرة. وتم الاعتراف بمايو عضوا في جيش التحرير الوطني سنة 1986 ولا يحمل أي مكان عمومي اسمه لحد الان.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)