الجزائر

« قوارير شارع جميلة بوحيرد» لربيعة جلطي



يمكن إدراج رواية « قوارير شارع جميلة بوحيرد» ، للشّاعرة والرّوائية ربيعة جلطي، ضمن الأدب النّسوي؛ كونها تحمل قضيّة أو بالأحرى مجموعة من القضايا التي تخصّ المرأة، إذ نجد ربيعة تدافع عن المرأة الإنسان وأحقيّتها في ممارسة نشاطاتها الحياتيّة بكل جوانبها ( الاجتماعية السياسة، الثقافة..). الفكرة الرئيسة التي يخلص إليها القارئ بعدما ينهي قراءة النّص؛ هي أنّ مجموعة من النّساء الثّائرات اللاتي يسكنّ المدينة يحاولن بكل الوسائل والطّرق، تسمية إحدى شوارعها باسم المناضلة والمجاهدة البطلة «جميلة بوحيرد» التي أرعبت بدورها الجلّاد الفرنسي، ولم يتوقف حلمهنّ عند هذا الحدّ، بل أردن تأنيث كل الشّوارع وتسميتها باسم نساءٍ مناضلات ولهنّ وزن وقيمة في المجتمع، أمثال (الكاهنة و لالا فاطمة نسومر، حّدة بقار.. وغيرهن من عظيمات الإنسانية.هذا ما يظهر من خلال البنية الخارجية للنّص، لكن النّص في بنيته العميقة، يصبو إلى أهداف أخرى، تبعث بها الكاتبة ربيعة جلطي من خلال رسائل مشفّرة لا يستطيع فكّ شيفراتها والوصول إلى أعماقها سوى من يقرأ النّص قراءة واعية وعميقة، من خلال الشخصيات التي تجعلنا الروائيّة نلتصق من أوّل النّص تريد أن تثبت حقيقة للعالم؛ وهي أن الإنسان -امرأة ورجل- له الحق في الحريّة والتعبير عن رأيه وعيش حياته كما يريدها، لا كما يرسمها له الآخرون عن طريق العادات والتقاليد التي في أغلبها تحرم المرأة حقوقها، تؤكد الكاتبة أنّه ليس لأحد الأحقية في اعتقال حرية الآخر، منددة بكسر تلك التقاليد والعادات التي مضارها أكثر من نفعها، ولعلّ أكبر شخصية يتأثّر بها القارئ في النّص هي شخصية «اصفية الصابرة» التي تتسم بالقوّة والشجاعة رغم تعرضها للخيانة ، حيث أنّها أثبتت للعالم أنّ الحياة ليست رجلا وفقط وإنما هي أكبر من ذلك، وعلى المرأة أن تكون مثقفة، ذات قرارات وسلطة، وجرأة تمكنها من مواجهة ما يحّدق بها من مخاطر وآلام ونكسات.
من خلال الشخصيات التي أعطتها ربيعة جلطي صفات وأسماء مرتبطة بشخصيات حقيقية بطلة ومناضلة، وصوفية، استطاعت أن تغرسنا داخل نصّها وتجعلنا نغوص في أغواره، ونقتنع بما فيه من إيديولوجيات وحقائق أثبتها التّاريخ حول المرأة ولا يزال إلى اليوم يثبتها.. استخدمت الروائية لغة جميلة، تتراوح بين اللغة الصوفية و الشعرية وهذا طبيعيّ كونها شاعرة، وقد صدر لها العديد من الدواوين على غرار (تضاريس لوجه غير باريسي، كيف الحال؟! حجر حائر، النبية..)، أحيانا أخرى نجدها تستخدم اللّغة البسيطة والعامية، وذلك حسب طبيعة المشهد والفكرة التي تودّ شخصياتها التعبير عنها، والملفت للانتباه أن كل الشخصيات كانت نسوية باستثناء بعض الشخصيات الرجالية التي جاءت في قصص الشخصيات الرئيسية، وهنا يكون عنوان الرواية الموسومة ب «قوارير» مناسبا تماما مع ما جاء في المتن. ويمكن القول أيضا أنّ الكاتبة المتألقة ربيعة جلطي أرادت ترسيخ فكرة محي الدين بن عربي القائلة ب:« المكان الذي لايؤنث لا يعوّل عليه».
هنيئا للنساء بربيعة جلطي شاعرة وروائية وكاتبة ومناضلة، ومدافعة على حقوقهن، وهنيئا لنا نحن معشر الرّجال، بسردها الدّسم وأفكارها الجريئة الصادقة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)