الجزائر

قلبي على دمشق..



قلبي على دمشق..
سافرت إلى دمشق منذ عشر سنوات بالتمام وعدت بعد شهر، ولكن الشيء الوحيد الذي مازلت متأكدة منه أنّ قلبي مازال هناك ولم يأت معي، قلبي مايزال عصفورا جالسا على مآذن الجامع الأموي الذي أبهرني لدرجة الدهشة وبكيت بين أبوابه خشية وتضرعا.
قلبي مايزال كل ليلة يطلع لجبل قاسيون ويطل على الشام القديمة وشوارعها وحاراتها العتيقة، ويسأل بأي حق تبكي دمشق كل هذا البكاء؟
قلبي مايزال يطل على نهر بردى ويرتوي من عطائه ويتوضأ بمائه، ويدعو مع كل الأتقياء أن يحفظ ما تبقى من الحضارة والتاريخ.
قلبي مازال يمر كل يوم على حي البذورية ويدق على باب بيت نزار قباني الذي يقبع هناك مثل تحفة نادرة، وعندما تفتح له الأبواب يتسلل إلى الشرفات ويجالس الياسمين والجوري الذي يبقى شاهدا على مرور أعظم الشعراء الذي خلدوا الشام وعطرها وأنفاسها في شعر لا يمكن أن تقتله لا الصواريخ ولا المدافع.
قلبي مايزال يتسكع في سوق الحامدية وشوارع باب توما والقباقبية وسوق الخياطين وكفر سوسة والصالحية وساحة الروضة وساحة الأمويين، بحثا عن الفرحة في وجوه الناس الذين عهدهم دائما سعداء وفرحين.
قلبي ما يزال يحن للسيدة “هيفاء مالك"، هذه المرأة المضحية التي هجّرتها الحرب من بيتها وأجبرتها على الهروب إلى لبنان خوفا على أبنائها من الموت المحتمل، ولكن الأكيد أنها ستعود يوما لبيتها وأهلها وشامها.
قلبي ما يزال يجالس صديقتي “سناء عون" العلوية في مقهى النوفرة، يجاذبها أطراف الحديث عن الدين والطائفية والكنائس والمآذن ويقاسمها خبز الزعتر المغمس في الزيت مع كوب “شاي الخمير"، هذه السيدة الدمشقية الرائعة جدا التي لا تعرف التطرف بقدر ما تحترم الإنسان وتقدر أبعاده المعرفية، وهاهي رغم كل ما يحدث يأتيني صوتها عبر الهاتف موجوعا ويقول.. لا يمكن أبدا أن أترك الشام.
فعلا لا يمكن أبدا أن تترك الشام حتى لو تعرفت عليها في قصيدة شعرية، لأنها مدينة لا تتكرر، فماذا لو كنت لعبت بترابها وتنفست روائحها وأكلت خبزها وعاشرت أناسها الطيبين.. الذين يحملون الجزائر في قلوبهم زهرة لا يمكن لأحد أن يقطفها.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)