الجزائر

قطار الأزمة السورية يخرج من النفق إلى محطة جنيف



قطار الأزمة السورية يخرج من النفق إلى محطة جنيف
الجميع متهم والجميع ضحية، هذا ما يمكن أن توصف به الحالة المأساوية القائمة في سوريا حاليا. وفي ظل هذا المناخ الضبابي، يصل قطار الإزمة السورية، اليوم، إلى محطة "جنيف 2"، يحمل على متنه مآسي شعب بأكمله ممزوجة بتطلعات لأحلام مشروعة في أن تجد درة الشام مخرجا سلميا، فتستعيد إلى ربوعها ولشعبها الجريح الطمأنينة للنهوض مجددا قصد تحمّل المسؤولية التاريخية في مواجهة الكيان الصهيوني؛ المستفيد الأول والأكبر من التحطيم الداخلي لبلد على خط المواجهة لم يسقط دوره في المواجهة المحتملة في أي لحظة، متمسكا بخيار المقاومة على أساس استرجاع الحقوق المهضومة.بعد حراك دبلوماسي واكب السنوات الدامية والمدمرة التي تحولت إلى أتون حرب أتت على الأخضر واليابس، يلتقي أطراف الأزمة السورية حول طاولة "جنيف2" لبحث الحل الممكن والأمثل، وكل الانظار مشرئبة إليهم للتأكد من مدى القدرة والصدق والالتزام بالإصغاء للشعب السوري الواقع بين فكي كماشة حرب قذرة، تسللت إليها عصابات إرهابية ركبت موجة الغضب المدني الذي تفجر ضمن ما يعرف ب«الربيع العربي» لتتصدر فيما بعد واجهة الرأي المعارض للنظام السوري، إلى درجة تسعى فيها لإجهاض الحلم السوري بعودة السلم والهدوء لديارهم.لم يكن سهلا إنجاز السكة المؤدية إلى العاصمة السويسرية، بكل ما يمثله الأمر من تذليل عقبات سورية بحتة وأيضا إقليمية ودولية، لولا الجهود المضنية التي بذلتها مجموعة الدول المنادية بالحل السلمي والدبلوماسي، تتقدمها روسيا من خلال تنشيط اتصالات متعددة مع الأطراف المؤثرة في الملف وعلى رأسها أمريكا متزعمة مجموعة الدول واللوبيات الدولية التي انخرطت في دوامة تشجيع وحتى تأجيج العنف المسلح في محاولة لإسقاط الحكم القائم في سوريا.كان للمبعوث العربي والأممي، الدبلوماسي المحنك الأخضر الإبراهيمي، الحامل لهموم الأزمة، لمسته في صياغة ورقة الطريق الدبلوماسية وإخراجها بصعوبة من نفق مظلم ومفخخ، فلم يقع في فخ تفجير المسعى ومحاولة إحباطه منذ البداية، وهو الفخ الذي نصبته أكثر من جهة، بذلت كل ما لديها لمحاولة إسقاط الخيار السلمي. وكان للدبلوماسي الجزائري، الذي لم يهتز لحظة مدعوما بثقة صريحة من الأمين العام للأمم المتحدة أمام هول ما يقع، دورٌ ملموس في إضاءة الطريق امام أطراف الأزمة، رافضا أن تسقط من يده ورقة أمل في حل صعب ولكن غير مستحيل، مثلما تثبته تطورات مسار بناء هذا الحل، بما يوفر للأطراف السورية المعنية مباشرة المناخ الملائم لتدارس حلول تلقى إجماعا، على أساس أن لا خاسر في استمرار الحرب سوى الشعب السوري بكافة أطيافه، والرابح من لقاء جنيف هو بالتأكيد الشعب السوري.نفس الأطراف تقف على عتبة حكم التاريخ إذا لم تصغ جيدا للإرادة الشعبية بدون إقصاء، ومن ثمة يصعب هضم ما لوحت به المعارضة بتعليق المشاركة، واضعة شروطا مسبقة لا مجال لها في التصور الدولي لبناء المخرج، قبل أن يرضخ لها بان كي مون بسحب الدعوة الموجهة إلى إيران للمشاركة من أجل تشجيع تقدم الحوار، بينما تتسع دائرة تحرك الجماعات الارهابية الدموية التي شرعت في تدمير ممنهح ليس للعمران والمكاسب الحيوية للشعب السوري فقط، بل للإنسان نفسه، بالنظر لما تخلفه هجماتها الارهابية من نزوح للمدنيين داخليا ونحو الجوار، الذي تتحمل بعض حكومات دوله مسؤولية كبيرة في تأجيج الصراع المسلح وإذكاء نار الفتنة بين أبناء الشعب في البلد الواحد. وبالطبع، لا يمكن التغاضي عن اليد الصهيونية وعملائها في منع الجرح السوري من ان يلتئم لأسباب تاريخية واستراتيجية.الكيان الصهيوني المصطنع المزروع في خاصرة الوطن العربي والذي يلتهم أراضٍ عربية بعد ان جثم على أرض فلسطين منذ 1948 فشرد سكانها الأصليين، يقوم بتغيير معطيات التاريخ والجغرافيا ومعادلة الديمغرافيا بالقوة والارهاب على الأرض، مستفيدا من صمت دولي أقرب للتواطؤ. وبالفعل، كان ولايزال له دور مباشر في تعميق دوامة الارهاب المتخفّي وراء عجلة مطالب مثل الديمقراطية، وبالطبع ليس هناك من فرصة ثمينة بالنسبة إليه مما يحدث في سوريا، خاصة بعد أن تحقق حلمه بتدمير السلاح الكيماوي تحت ضغط دولي قوي، وكذا بعد تراجع العراق بفعل تضعضع قوة عقيدة جيشه الذي استهدفه الاحتلال الامريكي منذ الخطوة الاولى لغزو بلاد ما بين النهرين.في هذا الإطار يكفي التوقف عند النتائج المدمرة التي أفرزها إعصار ما يوصف ب«الربيع العربي»، القائم على إراقة الدماء وتدمير المكاسب، إلى درجة جلب معه، في أكثر من مثال على امتداد الوطن العربي والإسلامي، الدمار وانعدام الأمل وتراجع كرامة الإنسان وضياع ما تبقى من حقوق الانسان الأساسية، وأولها الحق في الحياة والكرامة الآدمية، أمام هيمنة السلاح وطغيان القبلية وتسلط عصابات السلب والنهب ورفض الحياة المدنية. وهو ما قد يكون تفطن إليه الشعب السوري، مدركا مخاطر موجة "الفوضى الخلاقة"، التي تبدأ بشعارات براقة ومغرية قبل أن تنتهي بأعمال تدمير وتخريب وإرهاب غير مسبوق، في مسعى عنيف يستجيب في الجوهر لاستراتيجيات جيوسياسية واقتصادية حيوية، إقليمية ودولية.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)