الجزائر

قضايا وفضائح وأحداث لم تنظر اليها الهيئة التشريعية برلمان الجزائر أعجز ما يكون عن احتواء أحداث الشارع


لم تتوقف احتجاجات المواطنين يوما، وأغلب ما طرح فيها كان من الواجب نقله من الشارع واحتواؤه ضمن نقاشات البرلمان، وهي المهمة الأساسية التي وجدت من أجلها الهيئات البرلمانية، غير أن هذا الأمر لم يحدث بالجدية المطلوبة حتى مع انتهاء العهدة البرلمانية التي دامت 5 سنوات، فلم تفتح ملفات فضائح سوناطراك ولا أحداث السكن الهش في العاصمة ولا حول '' شاليات'' الشلف ولا عن فيضانات غرداية، وبقي السكوت قائما حول إضراب المدرسة وأحداث جانفي التي بقي السؤال حولها مطروحا دون جواب. هذه كلها أحداث ظل فيها البرلمان غائبا أو مغيّبا وكأنه في ''غيبوبة'' رغم أن الميزانية المخصصة له ما فتئت ترتفع من سنة لأخرى والتي تدفع من ضرائب الجزائريين .

  انشقاق في الكتل البرلمانية وتغيير الانتماءات
برلمان ''السياحة الحزبية'' ومصالح الشعب ''ضاعت في الرجلين ''

فرّخ البرلمان في عهدته التشريعية السادسة عشرات النواب دون أحزاب سياسية، وكثيرون تنقلوا من حزب لآخر داخل نفس الهيئة، في ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ البرلمان، تتحمل فيها أحزاب بعض المسؤولية وبعضها يتحملها نواب أنفسهم، لكن النتيجة وراء ذلك أن ضاعت مصالح الشعب بين نواب وأحزاب رشّحتهم.
ارتبطت ظاهرة ''السياحة الحزبية'' بالمجلس الشعبي الوطني، في عهدته الحالية والتي تقارب على نهايتها، وكان واضحا من البداية خلال حملة التشريعيات الماضية بروز مؤشرات ''فساد سياسي'' بظهور عامل ''المال'' و''الولاء'' و''الجهوية'' داخل أحزاب توصف بالكبرى أو توصف بالمجهرية على حد سواء. وبالكاد انعقدت أولى جلسات مجلس الشعب، حتى ظهرت موجة انشقاقات لعشرات النواب بمبررات عدة، في غياب آليات قانونية أو دستورية تجعل مكتب المجلس يتعاطى مع الظاهرة.
وتشهد العهدة أن أي حزب لم يحافظ على نوابه الذين جاء بهم عند بداية العهدة، مع اختلاف فقط في حجم الانشقاقات من حزب لآخر. فهناك نواب انشقوا عن أحزابهم وهناك من التحقوا بأحزاب أخرى، وهناك من بقي متجولا في المجلس لا هو حر ولا هو منتمي لأي حزب. ويعكس هذا إما أنه نتاج غياب الديمقراطية لدى الأحزاب التي تريد تمثيل الشعب وبحث انشغالاته، وإما نتاج عملية سياسية مغلوطة من البداية تتحملها منظومة الحكم ككل، دفعت بوجوه ''انتهازية'' إلى السياسة والبرلمان ونفّرت النخب الحقيقية وجعلتها تزدري العمل الحزبي.
ومثلما أصيب حزب الأغلبية في نوابه بخروج ''التقويميين'' بحجج كثيرة تحيل لمؤتمر الحزب، مثلما تكبدت حركة مجتمع السلم انشقاقا واسعا في صفوفها يعود للشهور الأولى لهذه العهدة، لكن الحديث عن ''التجوال السياسي'' يقود لا محالة لحزب العمال الذي ضيّع كمّا هائلا من نوابه بسبب قضية الأجور، مما جعل لويزة حنون ترفع من الإنشغال لدرجة الأولوية لكنها في النهاية خسرت المعركة في تعديلات قانون الإنتخابات داخل لجنة الشؤون القانونية. ولم تسلم قوى المعارضة بدورها من انشقاق نواب الشعب، فقد غادر حزب  الأرسيدي النائبان ميرة وعلي ابراهيمي.
و يعتقد مراقبون أن الآلة الحزبية جعلت النواب بين سندان احترام تعليمات القيادة وبين التخلي عن ثقة الشعب، مما حوّل البرلمان إلى شتات وإلى معارضة ضد المعارضة، والنتيجة أن مصالح الشعب ''راحت في الرجلين''.

 النواب ناقشوا قوانين وطرحوا أسئلة شفوية
جلسات البرلمان لم تتحسّس انشغالات الشارع طيلة 5 سنوات

رغم حساسية وحرارة الكثير من مشاريع النصوص القانونية التي عرضت على النواب طيلة الـ 5 سنوات الماضية، وهي مدة العهدة النيابية، غير أن النقاش في البرلمان بقي حبيس جدران مبنى شارع زيغوت يوسف. ولم يتمكن ولو مرة واحدة من شدّ نبض الشارع إليه، وهو مؤشر كاف لوحده بأن البرلمان في واد والشعب في واد آخر.
تشير حصيلة القوانين المصادق عليها في العهدة البرلمانية 2007 و2012، أن النواب صادقوا على 70 مشروعا ما بين قانون وأمرية، أي بمعدل 14 قانونا في السنة، وهو عدد ضعيف بالنظر لوجود فترتين تشريعيتين في السنة، لكن الأضعف من ذلك أنه في الوقت الذي صادق فيه النواب على القانون المتعلق بالممارسات التجارية في أوت 2010، انتفض الشارع في جانفي 2011 حول ما عرف بـ ''الزيت والسكر''، وهو ما يعني أن هناك فارق كبير بين التوقيت الزمني الذي يسير عليه البرلمان وبين ما يجري في الشارع.
وفي هذه العهدة التي صودق فيها على القانون التوجيهي للتربية الوطنية، البحث العلمي، قانون حماية الصحة وترقيتها، قانون التوجيه الفلاحي، قانون المياه، النقل وحتى القانون المتعلق بالهيئة الاستشارية لحقوق الإنسان، سجلت الجزائر أكثر من 11 ألف احتجاج في الشارع على علاقة مباشرة بهذه القطاعات المذكورة أنفا. لقد شهدت قطاعات التربية والتعليم العالي والصحة والسكن إضرابات لا حصر لها، مما يطرح سؤالا كبيرا ''هل البرلمان يشرّع لحل مشاكل المواطنين؟ أم يصدر قوانين لفائدة الحكومة ولا علاقة لها بالواقع؟''. إذ لا يعقل أن تكون القطاعات التي شرع فيها البرلمان وأصدر لها قوانين في صدارة القطاعات المحتجة، وفي ذلك أكثر من مؤشر على أن البرلمان لم يكن ''يتحسس'' انشغالات الشارع وكان بعيدا عن التطلع لمعرفة نبض المواطنين. ويكون هذا الفارق بين ما يفكر فيه نواب شارع زيغوت يوسف وبين مطالب الشعب، هي التي جعلت جلسات نقاشات البرلمان على كثرتها، شبيهة بـ''المونولوج'' طيلة 5 سنوات، لا أحد التفت إليها ولم تشد قط اهتمام الشارع الذي فضّل عرض مشاكله ومطالبه في ساحة الشهداء أو أمام القصر الرئاسي ولم يتوجه بها يوما إلى الهيئة التشريعية، لسبب بسيط أنها مارست الوظيفة وليس السلطة التشريعية، وهو علامة فارقة في البرلمانات التي تحترم أصوات ناخبيها.

على النقيض

نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني عن الأفالان مسعود شيهوب
''البرلمان قام بدوره كما ينبغي'' 

 رغم اعترافه بوجود نقائض يعزوها إلى تخلف المنظومة القانونية المؤطرة لعمل البرلمان  وسوء فهم الناخبين لطبيعة العمل النيابي، يرى مسعود شيهوب نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني أن حصيلة المجلس ايجابية على العموم، من خلال مرافقة نصوص الإصلاح السياسي ومراقبة عمل الجهاز التنفيذي ونقل انشغالات المواطنين إلى السلطات.
هناك شبه إجماع على أن العهدة الحالية للمجلس الشعبي الوطني للنسيان، كيف تقيّمون أنتم في حزب الأغلبية النيابية هذه العهدة ؟
- على العموم هي عهدة إيجابية، ولكن ذلك لا يعني عدم وجود نقائص. أعتقد بأن البرلمان قام بدوره كما ينبغي من خلال إثراء ودعم قوانين الإصلاح السياسي وقبلها التعديل الدستوري ومارس عمله الرقابي من خلال الآليات القانونية، وفي حدود ما هو متاح له من وسائل.
لكن هذا لا يجعلنا نغفل على حقيقة ضعف المردود وتكريس ظاهرة الغيابات عن الأشغال دون مبرر. وهذا العجز المسجل يعود في جانب منه إلى القيود التي وضعتها القوانين المنظمة لعمل البرلمان والقانون العضوي الناظم لعلاقات الحكومة بالمؤسسة التشريعية الواجب إعادة النظر فيها.
من الانتقادات لحصيلة المجلس الحالي أن نقاشات البرلمان بقيت بعيدا عن اهتمام ونبض الشارع؟
- ذلك يعود إلى أن أشغال البرلمان تجري في جلسات مغلقة، عدا مناقشة بيان السياسة العامة للحكومة وبرنامجها ومشروع قانون المالية، فالناخبون لا يطلعون على عمل البرلمان إلا ما تخصصه الصحف من مساحات، ويمكن معالجة ذلك بإنشاء قناة برلمانية متخصصة. ويجب الإشارة أيضا إلى ظاهرة سوء فهم مهمة النائب، فهناك قطاع من المواطنين يعتقدون أنهم انتخبوا النواب من أجل تقديم خدمات.
ناهيك عن تدهور العلاقة بين النواب وأعضاء الحكومة، فهناك انشغالات ينقلها النائب إلى الوزير لكنها تبقى دون نتيجة والناخب يحمّل المسؤولية في ذلك إلى ممثل الشعب، وليس للوزير.
من يتحمل المسؤولية عن هذا الخلل، الشعب الذي لم يحسن الاختيار أم الأحزاب أم البرلمان؟
- المسؤولية في الدرجة الأولى تقع على عاتق الأحزاب السياسية فهي ملزمة بتقديم مرشحين ذوي كفاءة عالية ومصداقية، لهم القدرة على أداء مهام برلمانية والوفاء بتعهداتهم تجاه ناخبيهم، في حين أن الهيئة الناخبة (الشعب) مدعوة لحسن الاختيار ومنح أصواتها لمن يستحقها والمشاركة بقوة في الانتخابات.

النائب علي براهيمي
''البرلمان خضع كلية للسلطة التنفيذية'' 

 لا يرى البرلماني علي إبراهيمي، القيادي الأسبق في الأرسيدي، شيئا يمكن به الدفاع عن سجل المجلس الحالي الذي فضّل الخضوع لهيمنة السلطة التنفيذية، بتواطؤ أحزاب التحالف الرئاسي، حسب قوله، وأن الأقلية في البرلمان حاولت إحداث الفارق رغم ضعفها وقاومت بدل الانسحاب.
كيف تقيّمون العهدة البرلمانية الحالية؟
- هذه العهدة بيّنت هيمنة السلطة التنفيذية على الصرح المؤسساتي  للدولة ومن ذلك المؤسسة التشريعية بغرفتيها واختارت إراديا وعمدا تجميد المؤسسة البرلمانية بتواطؤ ومشاركة نواب الأغلبية الذين سدوا كل السبل أمام المعارضة وأغلقوا الطريق أمام مبادرتها لإنعاش الحياة البرلمانية والاستجابة لمطالب الناخبين والجزائريين .
لماذا بقي عمل البرلمان بعيدا عن نبض الشارع؟
- هناك مشكل تمثيل سياسي في البلد، والشعب لا يرى نفسه في هذه الأغلبية، و هي تتحمل قسطا كبيرا من المسؤولية. فأحزاب التحالف الرئاسي على وجه الخصوص فضّلت إرضاء السلطة التنفيذية وقامت بإفراغ الميكانيزمات الرقابية والتشريعية من محتواها وتصدت لكل المبادرات التي جاءت بها أحزاب الأقلية. وفي كثير من الحالات لم يكن النواب في الموعد، إضافة إلى الانقطاع بين كثير من البرلمانيين وناخبيهم. ممثلو  المعارضة فقط من حملوا هموم الشعب وكانوا في صفه .
من يتحمل المسؤولية عن انقطاع الصلة بين الشارع والبرلمان:السلطة أم الأحزاب أم المؤسسة البرلمانية؟
- المسؤولية مشتركة ولو أن القدر الأكبر من ذلك تتحمله السلطة التنفيذية. ويجب الاعتراف أنه لا يمكن لبرلماني انتخب في جو من المقاطعة الشعبية لعملية التصويت، أن يكسب القوة اللازمة للتأثير في اللعبة المؤسساتية. وتتحمل الأحزاب التي تفتقد  لحياة ديمقراطية حقيقية المسؤولية من خلال منع بروز نخب وكفاءات.
وفي ظل ضعف تجند المواطنين لدعم الديمقراطية، فإن المعارضة تجد نفسها بين خيارين أن تناضل وتستغل منبر المجلس لتجنيد المواطنين والدفاع عن مصالحهم أو الانسحاب من المؤسسات. ونحن اخترنا البقاء، ووضعنا يشبه حال مؤذن المسجد: إذا أذن من طابق سفلي لن يسمعه أحد، مما يوجب عليه الصعود إلى أعلى الصومعة ليسمعه الجميع.
لقد اجتهدنا لخدمة الناخبين والدفاع عن مصالحهم واشتغلنا بناء على ما توفر لنا من مساحات ولو بالنزر اليسير من خلال التعديلات والمبادرات العديدة التي قوبلت بفيتو التحالف كما شرحت سابقا.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)