تيوت ماقبل التاريخ:عندما وصلت القوات الفرنسية الاستعمارية التي كان يقودها الجنرال كافيناك(cavignac) إلى قصر تيوت في 24/04/1847م في نهمة استطلاعية، عثر جاكو فليكس على رسومات صخرية، واعتقد أنه الأول الذي اكتشفها، وأعلن أن تيوت تعد المحطة الأولى للرسومات الصخرية أو الصخور المنقوشة في منطقة الأطلس الصحراوي، ولكن في الواقع أن المكتشف الأول لهذه الصخور المنقوشة هم سكان القصر بدليل أنهم أطلقوا عليها اسم الحجرة المكتوبة، ولكن ما كان ينقصهم هو تفسير هذه الرسومات، وتحديد تاريخها وأسباب وجودها.توجد الرسومات الصخرية بمنطقة تيوت على صخرة مساحتها 60م2 (20×3)،تقع على هضبة حجرية رملية ذات لون أحمر شمال القصر،وبعضها يقع على ضفة وادي تيوت،ويمكن للمرء مشاهدتها دون عناء أو جهد،فهي بارزة،وقد جاء في قول محمد الطاهر العدواني أن الرسومات الصخرية المنتشرة عبر الجبال والشعاب ومرتفعات الصحراء الكبرى الجزائرية قد عرفت محاولات عديدة لقراءتها،وتقديم تفسيرات تاريخية وحضارية لها من طرف العلماء الفرنسيين الذين اهتموا بها،ولا يمكن القول أنهم اكتشفوها،كما ينسبون هم ذلك إلى أنفسهم ،حيث أن من المعلوم أن مكتشفيها الحقيقيين هم سكان المنطقة الذين أرشدوهم إليها(9).وقد شرع الباحثون الأثريون الفرنسيون في دراستها، وتوصلوا إلى نتائج تمثلت في أن تاريخ هذه الرسومات الصخرية بقصر تيوت تعود إلى العصر الحجري الحديث، وهي من نوع قفصي وهراني وهي لا تتجاوز الألف الثالثة قبل الميلاد(10).ويبدو أن ظاهرة الرسومات الصخرية ليست مقتصرة على قصر تيوت وإنما توجد في منطقة الأطلس الصحراوي بل تمتد إلى المغرب الأقصى،وإلى غاية مصر بل تجاوزت شبه الجزيرة العربية، مما يبين أن الحضارة في تلك الفترة كانت واحدة، ويؤكد العلماء والباحثون الأثريون هذه الوحدة الحضارية بين مختلف مناطق العالم العربي، وذكر في هذا الشأن مونت غومري وات"...
هذا ولدينا اعتقاد بأن الظاهرة الفنية قد عمت في ذلك العصر عموم الصحراء الإفريقية والعربية على أرض الجزيرة، وقد تم اكتشاف العديد من هذه الرسومات منتشرة من منطقة الصفا جنوب دمشق، ومن شبه الجزيرة العربية مما يساعد على تأكيد الوحدة الحضارية لهذه المنطقة..."(11).ويبدو أن هناك تشابه كبير في مضامين وأشكال وتقنيات الرسومات الصخرية في الصحراء الجزائرية وبين الرسومات الصخرية جنوب مصر من جهة، وبين الرسومات الصخرية في عموم الصحراء الكبرى من شواطىء البحر الأحمر إلى شواطىء المحيط الأطلسي(12).والغالب على الظن أن أهالي قصر تيوت القدماء كانوا على اتصال مع شعوب المنطقة الممتدة من البحر الأحمر إلى المحيط الأطلسي، إلى الهجرة إلى وادي النيل ودلتاه.ويؤكد هذا القول محمد الطاهر العدواني بقوله:أن كل مانعرفه أن الأقوام الحجرية القديمة قبل العاترية وهم أقوام شمال إفريقية الصحراوية ومن ضممنها أقوام القفصية والوهرانية قد تجمعت منذ البداية للعيش على ضفاف وادي النيل،وكان لهذا التجمع أسبابه المناخية أحيانا يتزايد الجفاف بالمنطقة،إن اختيار هذه الأقوام لوادي النيل ودلتاه كنقطة تجمع وتمركز يدخل فيه إعتبار الجو الدافىء والمناخ المعتدل طول السنة كعنصر أساسي بالمقارنة مع أجواء ومناخات المناطق الأخرى مثل مناطق جبال الأطلس،ذلك أن منطقة وادي النيل ودلتاه منطقة ذات مناخ شبه صحراوي مثل الأجواء والمناخات التي تعود عيها تلك الأقوام الصحراوية(13).ومن ثمة يمكن القول أن الرسومات الصخرية بتيوت تعتبر جزءا من حضارة إنسانية واسعة، وليست رسومات صخرية ذات طابع محلي فقط.أجمع الأثريون أن الرسومات الصخرية بتيوت قام برسمها الانسان البربري،فالعنصر البشري المغربي القديم الذي واجهه الرحالة والكتاب الأوائل الفينيقيون و اليونان كان البربر.وكانت تحركات البربر* تمتد عبر الصحراء الكبرى من الشرق إلى الغرب، وكان يغلب عليها الانتماء إلى عائلة اللغات الحامية المختلطة بالسامية.
وترجع أصلا إلى منطقة عمان واليمن والصومال وشرقي إفريقية، وكانت تحمل معها تقاليدها الحضارية ولهجاتها وفنونها المختلفة، ويشير النص القرطاجي الذي كان يمثل تقريرا عن رحلة ملك القرطاجيين هانو إلى أجزاء من إفريقية فيما وراء مضيق جبل طارق إلى عناصر بشرية تعتبر من البربر، وكانوا لايزالون في ذلك الوقت في مرحلة العصر الحجري الحديث*، ذلك لأن المغرب الداخلي الصحراوي والجبلي كان لاتزال تسكنه قبائل البربر، وظلت لحد مافي مرحلة العصر الحجري الحديث حتى العصر الروماني(14).وذهب بعض الأثريين أن الرسومات الصخرية قام بنقشها الرعاة النوبيين أواللوبيين،وقد احتملوا تاريخها فيما بين الألف الثانية أوالأولى قبل الميلاد(15).فيما ذكر أحد الباحثين المهتمين بالمنطقة أن قصور غرب الأطلس الصحراوي، قد بنيت من طرف قبائل البدو، ذات تعمير مستمر منذ القدم، حيث تعود المباني الأولى إلى نهاية العصر الحجري الحديث وبداية فجر التاريخ، إن البرابرة الجيتول قد اختار البعض منهم حياة البدو والترحال في الهضاب العليا وتضاريس الصحراء والأطلس الصحراوي، واستفادوا من وجود منابع المياه وخصوبة التربة التي تكونت في عهد البلاستوسين(16).ويلاحظ أن علماء الآثار الفرنسيين والباحثين الجزائريين لم يتمكنوا من تحديد أصول العناصر البشرية التي قامت بنقش هذه الرسومات على الصخور،ويبدو أن علماء الآثار الفرنسيين لم يفسروا هذه الرسومات الصخرية تفسيرا دينيا أو اجتماعيا، وإنما ركزوا في أبحاثهم على الجانب الكرونولوجي وعلى تقنيات الرسم،وعلى وصف الرسومات الموجودة،ولكن في الواقع هذه الرسومات كانت تعبر عن دلالات دينية واجتماعية وفنية،ربما كانت هذه الرسومات تدل على المعتقد الديني لتلك الأقوام،وعلى بداية التجمع البشري،واستمرار مرحلة الصيد،رغم وجود بقايا نباتية تدل على وجود الزراعة،وكانت تعكس كذلك تطور ذكاء الإنسان،والحياة الفنية في تلك الفترة،والتغير الثقافي وأيضا تعكس هذه الرسومات أنواع الحيوانات التي كانت موجودة في منطقة تيوت،ويلاحظ من خلال السهام التي كان يحملها الإنسان أنه كان في صراع مع هذه الحيوانات خاصة المفترسة كالأسود،فالرسومات الصخرية بتيوت تحتاج إلى دراسات معمقة وقراءات متعددة لفهم أبعادها الاجتماعية والدينية والفنية.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 17/12/2010
مضاف من طرف : tiout62
صاحب المقال : fekir mohammed
المصدر : من الانترنت