الجزائر

قصة المتادور الوهراني الأخير، خوسي أورانو



في كل مكان في وهران، وفي محيط الكوريدا، علقت لوحة خوسي أورانو الشبيهة بالليتوغرافيا، وهو يتفادى قرني الثور لحظة الإستوكادا. قطع خوسي الطريق المؤدي إلى مقصورة الضيافة داخل كوريدا وهران، بصعوبة. حيث كانت أنجلينا في انتظاره. لقد وقف الناس في طابور طويل، ترتسم على ملامحه علامات سعادة غامرة، كان من الصعب عليه تفاديه، أو التغاضي عنه. دخل المقصورة أخيرا.عانق أنجلينا التي كانت تنتظره. كانت برفقة كامليو الذي كلف بمرافقتها وحمايتها من أي انزلاق أو تعثر قد يحدث بسبب كثافة الحضور..
-كيفك حبيبتي أنجي؟
. - أحسن من ليلة البارحة. ربما التفكير الكثير فيك، دفع بإزميرالدا إلى التحرك والاحتجاج ههههه ، طمأنتها منذ الصباح، عندما ذهبتَ للتدريبات، أن بابا سيعود، سيتفرغ لنا كما يجب، فهدأت، وهي بانتظارك. انحنى على ركبتيه مد يديه إلى خصر أنجلينا، ثم انحنى برأسه على بطنها، وأخذ يستمع إلى حركات إزميرالدا.
- ننتظر انتهاء مقابلتك. ونرتاح في بيتنا أخيرا. ذوقك رفيع حبيبي. رغم أن الأحمر يسحبني لكنني أحب البنفسجي الذي وضعته في الأماكن المضاءة في البيت. كنت أظن أن ذوقي خشن، لكن الظاهر أن ذوقنا المشترك سيولد شيئا جميلا. نتغير حبيبي. لم أعد أنا، ولم تعد أنت. أصبحنا نحن. حتى لباس إزميرالدا الأول سيكون مزيجا من الأبيض والبنفسجي. عندما تكبر، نذكرها بالمباراة التي حضرتها وشاهدتها بقلبها وحواسها. وستعرف كم كنتَ إنسانا عظيما. وكم كانت أمها وفية لكل شيء جميل ورثته عن الغجر، بالخصوص صناعة العطور والأغاني التي أنتج منها حتى اليوم أسطوانة 33 وأسطوانة أخرى من نوع 45. وأمها أو أنجي ENGY كما في أغلفة الأسطوانات، ويبدو أنه أعجب الناس كثيرا. كانت مجنونة مولعة بالحياة. سنورثها أجمل الأشياء. وسنمنحها لها بلا تردد، وتظل ثقافة أجدادها مستمرة وحية فيها.
- سيفرح بها جدّها. تهمة تهريب الأسلحة أسقطت عنه. وهذا أجمل شيء يجعلني سعيدا وأنا أدخل على هذه المنازلة.
- هي الآن مستكينة، ومرتاحة. حبيبي. أعرف أنك حذر جدا، لكن أرجوك احذر. هذه منازلة قوية مع ثيران عنيفة جلبوها من مزارع المكسيك.
- لا تفكري في هذا مطلقا. استمتعي بالمنازلة، ستكون جميلة. المشتركون فيها مجموعة جميلة، البيكادور، البندريوس، سأقوم بذلك بنفسي، الموليتا. كلهم جاهزون. المهم أنت. الحياة تنبت فيك.
- سأكون برفقة العصابة العظيمة، فرقتي النسائية للغناء، خمنيث، هيلينا، اشترطا أن أجلس بينهما، كامليو سيقوم بواجب الحراسة وفسح الطريق لي. كما ترى ملكة..
- سأرمي قبعتي باتجاهك. مرفقة بأذني الثور. .
- أرجوك لا تفعل هذا. لا تجعلني أكرهك. عد لي أنت فقط، ودعنا نشبع منك أخيرا. لا تخضني كما حدث معك في مكسيكو حينما كاد يقتلك الثور الفتاك آمور، لأنك سهوت في شيء، في ثانية من الثواني. ركز في وفي إزميرالدا، فقط. قبل عينيها. بدأت موسيقى باسودوبلي تملأ الملعب وأصداؤها تسمع في كل مكان، حتى خارج الحلبات. كانت إعلانا عن أن الاحتفالية في طريقها إلى البداية. انتهى خوسي من شرب قهوته، بينما اكتفت أنجلينا بعصير جيدور . المشروب الوحيد الحاضر في كوريدا وهران. الشركة التي تنتجه هي الراعي الرسمي للكثير من المنازلات. مرّ الرئيس وبقية المشتركين في المنازلات. حيوا أنجلينا واستسمحوها في مرافقة خوسي أورانو. قام خوسي. قدم زوجته للرئيس.
- متشرف سيدة خوسي أورانو، أنا روديو كاليانتي، رئيس منازلات اليوم. استسمحك بأخذه معي، لنتفق على القواعد التي يعرفونها جيدا، لكنه تقليد طبيعي قبل بدء أية منازلة. توغل خوسي في البهو الذي يؤدي إلى معبر الثيران وهي تتهيأ للدخول إلى المعترك. القرعة جعلته في مواجهة كتلة عضلية من أكثر من 600 كيلوغرام عليه أن ينازلها حتى النهاية: مويرتي، أو روكا نيغرا . الثور الوحيد الذي يحمل اسمين. تحسس ظهر الثور برفقة رئيس الكوريدا ومراقب مجرياتها. رأى عينيه. كان بصحة جيدة. وقفوا صفا مستقيما في قاعة الاستقبال بعد الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة على الألبسة والواقيات، استعدادا للخروج نحو الحلبة، المتادور، البيكادور، وأصحاب الموليتا والمساعدون، في ترتيب يعتمد على السن. كان البيكادور أكبرهم سنا. بعده خوسي أورانو، ثم الآخرون. دخل الغوازيل بلباسه الأسود، يسبق الباسيو ، المتادور والبيكادور، والبندريوس ، وبقية المساعدين، ليعلن عن بدء الاستعراض والمنازلة. يحيي الجمهور الذي كان يغلي في انتظار المنازلة. لا توجد زاوية واحدة فارغة. حتى المقاعد الجانبية والممرات الصغيرة، امتلأت. رفع الرئيس عاليا الخرقة البيضاء إعلانا عن بدء ليديا . ثم انسحب الجميع تحت موسيقى باسودبلي القوية. أصبحت الحلبة فارغة كليا. دخل الثور مويرتي. صخرة من البازلت الأسود. روكا نيغرا. خرجت همهمات معلنة عن رعبها من تلك الآلة الجبارة التي تواجه خوسي أورانو. بدأ يدور في كل الاتجاهات بحثا عن أي شيء ينطحه ويدوسه. دخل شاب أنيق في كل حركاته. رآه الثور، ركض نحوه بكل قوة. وقبل أن يصل إليه، كان الشاب قد دخل في الممر الخشبي الواقي. حاول الثور أن ينطحه، لكن الشاب لم يخرج. وظل ينظر إليه بالكثير من الخوف. خرج شاب آخر وفي يده موليتا، داخلها أصفر وخارجها لون بنفسجي مريح. ركض باتجاه الثور مويرتي، ليدفعه إلى الحركة. وبدون سابق إنذار جرى مويرتي وراءه حتى كاد يغرس قرنيه في مؤخرته لولا أن قفز كليا فوق الحاجز على وقع صراخ الجمهور الحاضر. دخل متادور مسن قليلا، هذه المرة لم يهرب. تأمله الثور مويرتي قليلا، بينما فتح المتادور الموليتا عن آخرها. ركض نحوها، وبحركة خفيفة انتهى الثور إلى الفراغ. تكررت الحركات ومويرتي في كل مرة إما يخرج من وراء الموليتا أو يقف طويلا متأملا قبل الهجوم على المتادرو. في الأول رسم بحركة يدوية أنيقة ومدروسة بدقة الفيرونيكا . في الثانية غير تدوير الموليتا بطريقة أنتهت إلى رسم شيكويلينا ، قبل أن يختمها بريبوليرا . وفي كل الحركات كان مويرتي ينتهي في الفراغ، وعندما يدور، يكون المتادور قد التفت نحو تصفيقات الجمهور، وعين واحدة على حركات مويرتي الذي يمكن أن يخدع المتادور. خرج المتادور تحت تصفيقات حادة للجمهور قبل أن يدخل البيكادور الذي كان في زمن مضى أهم من أي متادور آخر على الأرض. كان هو سيد الكوريدا. تحرك الحصان بهدوء قبل أن يحاول مويرتي هزّه وحمله على قرنيه. كانت ضرباته الجانبية قوية. قاوم الحصان بالواقيات التي تغطي جانبيه وصدره. حاول بعنف أن يحمل الحصان كليا والبيكادور ويرميهم خارج الحلبة. لكن حركات الحصان ومحاولة غرس رأس الرمح المعدني بين كتفيه، كانت تبعده من حين لآخر قبل أن يعاود مويرتي الذي أبدى قوة حقيقية في الحراك، في محاولاته ضرب الحصان والبيكادور بقرنيه الحادين. لم يبد على الثور عياء كبير. عندما غادر البيكادور الحلبة، ظل مويرتي مثبتا في مكانه، كأنه كان يصغي إلى التصفيقات التي كانت تأتي من كل الجهات. فجأة علا الصراخ عاليا. خوووووووووووسي، عندما رآه الجمهور يدخل بلباسه الأزرق البحري، بلا موليتا، تحت موسيقى كارمن التي كان قد اقترحها لأنه يرتاح لها في عراكه القتالي مع الثور. كانت التصفيقات تتعالى من كل الجهات. فجأة ساد الصمت الكلي. أخذ السهمين الصغيرين الملونين البونديريوس . ثم وقف مواجها مويرتي الذي بينت حركة صدره أنه كان يجد صعوبة كبيرة في التنفس. ثم اندفع بقوة نحو مويرتي الذي تحرك بشكل معاكس وكأنه سيصطدم بالبوندريوس. عندما أصبح على مقربة أقل من متر، انحرف يمينا في الوقت الذي كان قد غرس فيه السهمين. صفق الجمهور بشكل متناغم مع المتادور.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)