الجزائر

قسنطينة المنكوبة!



قسنطينة المنكوبة!
ليست ”ليالي الشعر العربي” وحدها التي غرقت في وحل الخلافات السياسية، وسوء الفهم والقصد، بل كل قسنطينة غرقت في طوفان حقيقي، طوفان سببه المشاريع الكاذبة، والسياسة الترقيعية التي ما انفكت تسير البلاد والعباد في جزائر ما بعد أزيد من 50 سنة من الاستقلال.صورة مشوهة، بل فضيحة حقيقية تلك التي تناقلتها وسائل الإعلام، أمس، عن عاصمة الثقافة العربية أو العروبية. سمها كيفما شئت، فالعربية بريئة من المسيرين الفاسدين، ومن إسناد المشاريع إلى مقاولات وشركات تفتقر للكفاءة والانضباط، فكانت أمس الكارثة التي أودت بحياة ثلاثة أشخاص غرقا في مياه أمطار جاءت قبل موسمها.لم نستخلص بعد العبر من كل الكوارث السابقة، من باب الوادي ومن كارثة فيضانات غرداية ومدن أخرى، ففي كل خريف تغرق شوارع المدن الجزائرية في فيضانات لأن البلديات المكلفة بتنظيف المجاري من رواسب أوساخ الصيف لم تتوقع هطولا مبكرا للأمطار.فمن يتحمل مسؤولية هؤلاء الضحايا، والأضرار التي خلفتها فيضانات مدينة جديدة، تفتقر لكل الشروط العمرانية التي طبقتها الإنسانية منذ قرون؟وكم يلزمنا من كوارث لكي نصحح أخطاءنا، ونحترم الشروط البيئية والعمرانية في مدن ”الصفيح” هذه التي شوهت وجوه مدننا؟ نعم كل المشاريع العمرانية الجديدة، في كل المدن الجزائرية لا تختلف في شيء عن مدن الصفيح التي كانت تحيط بالمدن والتي سببتها هجرة ريفية سنوات ما بعد الاستقلال.وحتى العاصمة نفسها لم تسلم من الفوضى العمرانية، حتى في الأحياء التي تسمى اعتباطا بالراقية، ففي حي ”سيدي يحيى” الذي يدعي البعض أنه معقل الأغنياء الجدد، اكتشفت الشركات المشرفة على إعادة ترميم الأرصفة هناك، أن مبانيه هي مجرد بنايات فوضوية تفتقر لأدنى الشروط، وها هي تغرق منذ أكثر من سنة في أتربة أشغال مد قنوات الصرف والهاتف والتزود بالمياه.ولا أتحدث عن الجانب الجمالي للأبنية المشوهة في العاصمة مثلما في قسنطينة، حيث تقف مدينة علي منجلي الجديدة كغابة من الإسمنت، لا مساحات خضراء ولا شوارع متناسقة، وإن وجدت المساحات المخصصة للخضرة، فإنها تحول إلى مفرغات عمومية وأتربة...لم نستفد حتى من تجارب المدينة الأوروبية، ولا أدري كيف ستكون وجوه مدننا بعد عقود، بعد أن تختفي العمارات الموروثة عن العهد الاستعماري بفعل التقادم؟!أين المهندسون المعماريون الذين تخرجهم سنويا الجامعات الجزائرية، كيف يسكتون على هذه الكوارث العمرانية، يقبلون بتسجيل أسمائهم على مشاريع تشوه البيئة والمحيط وأكثر من ذلك تتسبب في مقتل الناس!! ألا يخجلون من أنفسهم؟يا ليتنا حافظنا على بيوت الطوب والقش، على الأقل هي مبان تتلاءم مع البيئة ولا تقتل سكانها!لن أتساءل كم من الملايير صرفت على قسنطينة لترقى وتكون عاصمة الثقافة العربية، وكم ذهب منها إلى الجيوب، وكم صرف على الرقص والكلام الفارغ، بينما بقيت المدينة تعاني من الأوساخ والفوضى العمرانية، مثل أغلب المدن الأخرى!!




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)