إن المشروع التمهيدي لمسودة تعديل الدستور الذي طرحته رئاسة الجمهورية للنقاش كأول ورشة في مسار الإصلاح السياسي، والذي تم توزيعه على الطبقة السياسية والأكاديمية والمجتمع المدني والشخصيات الوطنية بهدف الإثراء والمناقشة، يمكن أن نعتبره خطوة إيجابية وفرصة لمشاركة كل الأطياف الوطنية، وإضفاء طابع التوافق السياسي في مواجهة الانقسام في المواقف والآراء، ويكرس مقاربة شاملة أساسها الاستشارة الواسعة من دون إقصاء، لتعميق النقاش والحوار حول الدستور، الذي يُعدّ حجر الأساس في بناء الجزائر الجديدة، كما نعتبر هذا الالتزام خطوة إيجابية في إطار تعزيز النهج الديمقراطي في المشاورات، كما نتمنى أن يتمّ احترام وتطبيق محتوى هذه النصوص في الواقع الجزائري، فالدساتير الماضية كانت نقلة نوعية في الحقوق والحريات وفي التأسيس لبناء ديمقراطي واعد لكن عدم الالتزام بها قاد البلاد إلى أزمات سياسية حادَّة ومتوالية لا تزال الأجيال السابقة والحاضرة تدفع ثمنها غاليا.وبُغية تسليط الضوء على أهمِّ المواد التي نرى أنها بأهمِّية بمكان لابدَّ من مناقشتها أو تعديلها بما يتماشى مع طموحات الشعب الجزائري الذي ناضل عقودا من أجل افتكاك حقوقه السياسية التي صادرها المستعمِر الغاشم، ولا زال يناضل من اجل افتكاك حقوقه في الحياة في كنف الديمقراطية والعدالة والمساواة.
وكملاحظات يمكن رصدها في مواد الدستور المقترح نرى:
بشأن الجنسية المزدوجة للمسؤولين:
بخصوص مشروع قرار إلغاء المادة التي تنص على شرط "التمتُّع بالجنسية الجزائرية فقط لتولي مناصب عليا في البلاد"، فأفراد الجالية المقيمة في الخارج مرتاحون لهذه المبادرة معتبرة أن الخطوة جاءت لتدارك قرار عشوائي غير منصف اتخذه النظام السابق لغلق الأبواب أمام خيرة أبناء الجزائر في الوقت الذي تحتاج فيه الجزائر كل أبنائها. مشروع قانون الذي ينص على جميع المواطنين متساوون في تقلّد الوظائف والمهام الدولة من دون أيّ شروط أخرى غير الشروط التي يحددها القانون سواء مقيمين في داخل الجزائر أو خارجها، فالكفاءات الجزائرية المقيمة بالخارج والمتوزعة على كل القارات والتي أثبتت وجودها في كل دول العالم وفي كل المجالات الأكاديمية، والعلمية، والتكنولوجية، والاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والفلاحية، والطبية، والبيئية، والسياحية... نجاحها خارج الوطن لم يكن سهلا، فقد كافحت واجتهدت وتفوّقت وكوّنت أسماء يُحتذى بها دوليا، وفخورة بأصلها الجزائري العربي الأمازيغي المسلم، مدافعة عن الجزائر في كل المحافل الوطنية والدولية، فدستور 2016 عامل الجالية الجزائرية كمواطنين من الدرجة الثانية، مشكوك في وطنيتهم وليسوا محل ثقة، كما أن قرار منع الجزائريين ذوي الجنسية المزدوجة من تولي مناصب عليا في البلاد، يعتبر خطأ جسيما واحتقارا مجانيا وغباوة من النظام السابق، لأن الجزائر بحاجة إلى جميع أبنائها، وهؤلاء لهم حقوقٌ في بلادهم لا تختلف عن حقوق المواطنين الآخرين. زيادة على ذلك، أن حكومات الدول المتطورة الذكية تجتهد في خلق آليات مختلفة لجذب النجباء وتمنحهم المسؤوليات والأوسمة وتشكرهم أمام الملأ للاستفادة من خبراتهم حتى تحقق قفزات نوعية في مجال التطور المعرفي والاقتصادي والأكاديمي.
مع العلم أن التخلي عن الجنسية المكتسبة في حالة القبول بمسؤولية في وطن الأصل تعدُّ أخلاقية قبل أن تكون قانونية، فالتخلي عن الجنسية المكتسَبة أمرٌ مسلّم به في المناصب العليا والحساسة في الدولة الجزائرية مثل رئيس الجمهورية، وزراء، سفراء، مناصب قطاع العدالة، أسلاك الأمن والجيش الوطني .
فالجالية الجزائرية توسعت وتكاثرت وأغلبهم على تواصل مستمر مع وطن الأصل "الجزائر"، ويجب ان نتكيف مع هذا المعطى الجديد، فالقبول بالمسؤولية والتخلي عن الجنسية المكتسبة يجب أن تقتصر عن الشخص بعينه و لا تشمل أفراد عائلته وأولاده.
شرط المؤهل أو المستوى العلمي الجامعي :
إن عامل الشهادة الجامعية أو المستوى الجامعي أمرٌ لابد أن يُؤخذ في الحسبان في المجالس المنتخبة، البلدية والولائية والبرلمان، فالقيام بسن القوانين أو بمسؤولية لخدمة الشعب يجب أن يجيد قراءتها وفهمها وتطبيق نصوصها، فخدمة الشعب مسؤولية وضمير.
إعادة النظر في مبدأ "كوطة" المرأة:
إن النسبة المئوية لمشاركة المرأة في المجالس المنتخبة ضئيلة في أغلب دول العالم وقد تدرَّجت ببطء شديد في الولايات المتحدة الأمريكية بالنسبة للمجالس المحلية أو الوطنية "الكونجرس الأمريكي"، وقد تكون منعدمة في الكثير من المدن والقرى الأمريكية، وهذا يرجع إلى مستوى مشاركة المرأة سياسيا وانخراطها في الأحزاب السياسية ونُضجها سياسيا. فقد حان الوقت لتشجيع المرأة المثقفة للانخراط في الأحزاب السياسية وتأطيرها سياسيا حتى تكون بجانب الرجل المثقف وتكون مشاركتها فعالة ومجدية في جزائرنا الجديدة بكل مسؤولية وضمير، بعيدا عن الإجراءات القانونية المتعلقة بالنسبة، والتي أدت إلى تمييع المشاركة السياسية للمرأة بجانب الرجل .
إمكانية مشاركة الجزائر في عمليات حفظ واستعادة السلام:
إنّ إمكانية مشاركة الجزائر في عمليات حفظ واستعادة السلام أمرٌ جديد أملته بالتأكيد التطورات على المستوى الإقليمي. ودسْتَرة مشاركة الجزائر في المنطقة على استعادة السِّلم في إطار الاتفاقيات الثنائية مع دول الجوار والمعنية وفي عمليات حفظ السلام تحت رعاية الأمم المتحدة، معتبرا القرار جاء في وقته من أجل تعزيز مكانة ودور الجيش الشعبي الوطني في ظل التحديات والتطوُّرات الأمنية التي تشهدها المنطقة ونتمنى أن لا تتعدى مشاركة الجيش الوطني دول الجوار.
تعيين نائب رئيس الجمهورية :
مع الملاحظة أن هنا يجري الحديث عن تعيين وليس انتخاب كما يتم مثلا في الولايات المتحدة حيث يُنتخب الرئيس ونائبُه خلال الانتخابات الرئاسية، فطابع التعيين هو تغييب للإرادة الشعبية لاسيما في حالات شغور منصب رئيس الجمهورية وتقليد السلطة لشخصية غير منتخَبة، فهناك دولٌ غير ديمقراطية مثل بعض الدول العربية قامت بتعيين نائب الرئيس، وهناك دول ديمقراطية نائب الرئيس ينتخب ديمقراطيا مع الرئيس، وفي حالة الجزائر من الأحسن حذف هذه المادة لأنه من المستحيل التزاوج بينهما، وفي حالة شغور منصب رئيس الجمهورية يُستحسن أن تُسند مهام الرئيس المؤقت إلى رئيس المجلس الوطني لأن كل أعضائه منتخبون.
دسترة اللغة الأمازيغية :
وبخصوص اللغة الأمازيغية فهي لغة وطنية رسمية، غير أنه لابد من أن تكتب بالحروف العربية حتى يسهل تعميمُها وتعليمها وترقيتها
الخاتمة :
إن مشروع تعديل الدستور الذي يأتي في ظروف مميزة يفرض تجند الجميع من أجل إقرار دستور يحوز على إجماع وطني واعتراف دولي آخذا بعين الاعتبار مطالب الحراك الشعبي على الصعيد الداخلي وكذا التطوُّر الحاصل في المنظومة الدستورية العالمية وتوسيع منظومة الحقوق والحرِّيات، وضمان التداول الديمقراطي على المناصب الانتخابية وتحرير العمل الجمعوي إلى جانب تعزيز استقلالية القضاء والمحافظة على الهوية الوطنية.
إن هذه الاستشارة السِّياسية المفتوحة لجميع الفعاليات الوطنية بما فيها الجالية الجزائرية في الخارج تؤكد، بكل وضوح، أن بلادنا بصدد تحقيق نمط جديد من نظام الحكم، يقوم على التشاور والحوار والتجاوب مع مطالب الشعب المشروعة وبناء مجتمع مؤسس على القيم الجمهورية ومبادئ الديمقراطية، وتمكين البلاد من دستور ديمقراطي للدولة الجزائرية، يعكس تطلعات الشعب الجزائري ويرمي إلى دعم وحماية الهوية الوطنية ووحدة الشعب، وتوسيع الفضاء الدستوري لحقوق وحريات الإنسان والمواطن، وتعميق الديمقراطية، وتوطيد دعائم دولة القانون وتعميق استقلالية القضاء وتعزيز الصرح المؤسساتي في بلادنا.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 29/07/2020
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : محمد قحش
المصدر : www.eldjoumhouria.dz