في 1994 اهتديت لأول مرة إلى كتاب فخر الدين الرازي العظيم (1290 - 1149) التفسير الكبير أو "فتح الغيب" كان مؤلفا من عدة أجزاء وقضيت حوالي سنة في تدارس جزئه الأول الخاص بتفسيره لسورتي الفاتحة والبقرة.. أصبت بالدهشة والإعجاب بهذا العمل الضخم..منذ تلك اللحظة لم أنقطع بشكل طويل عن هذا المفكر الموسوعي والمفسر المجتهد والمختلف عن كثير من المفسرين والمؤولين للقرآن الكريم.. واكتشفت أن الكثير من الجزائريين الذين أعرفهم وأتناول معهم أطراف الحديث والنقاش حول القضايا الدينية والتاريخية يكادون يجهلون كتاب "فتح الغيب" بشكل كبير.. أيعود ذلك إلى شيطنة هذا المفسر من طرف أتباع المذهب السلفي ذي الخلفية الحنبلية، وما قاله ابن تيمية في تفسير فخر الدين الرازي، أنه "فيه كل شيء إلا التفسير؟".. إن فخر الدين الرازي الذي ولد في مدينة الري وعاش في ظل الصراع المذهبي في ظل الدولة السلجوقية بين الشيعة والسنة، يعد مفكرا معاصرا لنا، أولا لسعة فكره وامتلاكه القدرة العقلية، في التفسير والتأويل وإلى جانب ذلك دشن منهجا جديدا في التأسيس لقراءة مجيدة للقرآن وهو لم يعتمد على ما ذهب إليه المفسرون التقليديون، أمثال ابن كثير على النقل، أو على النزعة الكلامية واللغوية مثل الزمخشري في عمله التفسيري "الكشاف على التوجه الموسوعي"، يكشف الرازي في مقدمة تفسيره أن من الألفاظ القليلة يمكن استنباط المسائل الكثيرة ويضرب لذلك مثلا "قولنا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، ويشير أن المراد منه الاستعاذة بالله من جميع المنهيات والمحذورات، وأن المنهيات إما أن تكون من باب الاعتقادات أو من باب الجوارح.. وينتهي في عبارة معبأة من الكتاب إلى القول "فتبث بهذا الطريق أن قولنا (أعوذ بالله) مشتمل على عشرة آلاف مسألة أو تزيد أو أقل من المسائل المهمة المعتبرة"، وهي إلى جانب اعتماده على التوجه الموسوعي، يؤكد على المنحى العلمي المنطوي على حقول مختلفة في المعرفة الإنسانية والطبيعية، ويشير أحد الباطنيين أن الميزة الأساسية التي أعطت تفسير الرازي مثل هذه الأهمية الكبرى هو قيامه على بحوث في العلوم الكونية مما يتعلق بالجماد والنبات والحيوان والإنسان، وفي العلوم الكلامية ومقالات الفرق والمناظرة والحجاج في ذلك.. ويشهد المستشرق جولد تسيهير بأهمية تفسير الرازي قائلا "قد عمد المتكلم الكبير والفيلسوف الرازي في تفسيره العظيم للقرآن الذي ينبغي عدّه خاتمة أدب التفسير المثمر الأصيل إلى الاستمرار على ملاحظة ما تستنبطه مدرسة المعتزلة عن طريق التفسير والرد عليها بطريقة وافية".
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 04/01/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : احميدة عياشي
المصدر : www.djazairnews.info