الجزائر

قدم له الراحل عبد الحميد مهري.. ''جذور أول نوفمبر 1954'' لبن يوسف بن خدة بالعربية


كتاب ''جذور أول نوفمبر ''1954 للمجاهد بن يوسف بن خدة (1920 - 2003م)، رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة، ليس كتاباً عادياً بأي وجه من الوجوه، فهو عمل في منتهى الأهمية، ويستمد أهميته من عدة مصادر، ففي البدء تعود أهميته إلى مؤلفه، فبن يوسف بن خدة يعتبر من الشخصيات التاريخية الجزائرية الفاعلة، التي أسهمت في صنع تاريخ الجزائر المعاصر، وأحد أوجه أهميته أيضا أنهسفر قيم يتضمن عصارة ذكرياته، وتجربته، وأفكاره، وآرائه·· وتتعدد أبعاد أهميته إلى درجة يتعذر حصرها في عناصر محددة، وقد تولى تقديمه للقراء في نسخته العربية التي صدرت حديثاً في طبعة خاصة وفاخرة عن وزارة المجاهدين، وترجمة الأستاذ مسعود حاج مسعود، المفكر والمناضل السياسي الكبير الراحل عبد الحميد مهري، وقد وصفه بأنه ''مساهمة ثمينة في دراسة مرحلة حاسمة من تاريخ الحركة الوطنية، ومصدر هام لمن يتصدى لتاريخ مرحلة الكفاح المسلح بصفة خاصة''. وذكر أن الصفات التي يتمتع بها المرحوم بن يوسف بن خدة تجعل شهادته من المصادر المتزنة التي يمكن أن يركن إليها المؤرخون.
إن كتاب ''جذور أول نوفمبر ''1954 هام لفهم الجذور العميقة لثورة أول نوفمبر 1954م، فهو يرصد مرحلة من المراحل المفصلية المهمة التي كانت لها انعكاسات كبيرة على تاريخ الجزائر الحديث، ويقع في أكثر من 630 صفحة من الحجم المتوسط، وقد قدم صورة وافية عن الأوضاع التي كانت سائدة على ساحة الحركة الوطنية الجزائرية قبل ثورة أول نوفمبر 1954م، كما ضم معلومات قيمة عن الأسباب المباشرة للفاتح نوفمبر 1954م، ولم يكتف المؤلف بالتأريخ فحسب، بل قدم تحليلات عميقة، وأفكار متميزة عن تلك المرحلة التي عاشها، وسيظل هذا السفر المهم مصدراً أساسياً للباحثين، والمؤرخين، والمثقفين، يعتمدونه في أبحاثهم ودراساتهم.
ورأى المؤرخ الراحل محفوظ قداش، الذي كتب تقديم الكتاب في نسخته بالفرنسية، أن مضمونه ''عبارة عن شهادة بيِّنة، قدمها مناضل سبق له أن كان ضمن طاقم المسؤولين في اللجنة المركزية لحركة انتصار الحريات الديمقراطية، سليل حزب الشعب الجزائري، ونجم شمال إفريقيا.. ولقد أثري هذا الكتاب بعدد من الملاحق المتضمنة شهادات بعض رفاق المؤلف في النضال، ونصوصا لبعض المؤرخين. مما يشهد على اهتمام بن خدة وحرصه الشديد على تقديم عمل في غاية الموضوعية'' .
كما قدم عدة ملاحظات هامة تتعلق بما حواه الكتاب من أفكار ورؤى من أبرزها:
-1 تأكيد بن يوسف بن خدة ''عن قناعته العميقة بأن جبهة التحرير الوطني تستمد جذورها العميقة من رحم القيم والأفكار والكفاح الذي يُجسده نجم شمال إفريقيا وحزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديمقراطية'' .
-2 لم يُركز بن خدة كثيراً على أدبيات الحزب الاستقلالي من مناشير ومقالات صحفية وخطب.. بل صبَّ جل اهتمامه على المبادرات الملموسة والإجراءات المتعلقة بالتحضير، ثم إعلان الكفاح المسلح.
-3 تضمن الكتاب توضيحات دقيقة حول محاولة الانتفاضة الشعبية في ماي 1945م، وما سبقها من نقاش سياسي بين الزعماء المعتدلين والشبان الوطنيين.
حول الأهداف التي يرمي إليها من وراء تأليف هذا الكتاب، يقول المؤلف ''إن القصد من وراء هذا الكتاب هو تقديم عرض متواضع وبعيد عن أي ادعاء بالكمال أو الشمول.. وهدف الكتاب هو تنوير ذهن القارئ بأقصى ما يمكن من الدقة، بخصوص أكثر الفترات دلالة، من حيث إنها معالم متميزة في مسيرة التيار الوطني ذي التوجه الشعبي الراديكالي، وعبر مراحل تطوره في إطار التوجهات العامة للحركة الوطنية الجزائرية''.
قسم المؤلف القسم الأول من الكتاب، الذي جاء تحت عنوان: ''الجذور العميقة لثورة أول نوفمبر 1954م'' إلى فصلين، تحدث في الفصل الأول عن التحرر الوطني بين المنهجين الإصلاحي والثوري، وبدأ هذا الفصل بتقديم عرض عن أهم الأحداث التي عرفتها الحركة الوطنية الجزائرية وسلط الضوء على مواقف نجم شمال إفريقيا. وفي الفصل الثاني من الكتاب الذي وسمه ب ''خيار الكفاح المسلح'' أشار إلى أن تأسيس اللجنة الثورية للوحدة والعمل سنة 1954م، يعد تتويجاً لمسار يتكون من ثلاث مراحل مرَّ منها حزب الشعب الجزائري، حيث تميزت المرحلة الأولى بمحاولة فريق من مناضلي الحزب انتهاز فرصة الحرب العالمية الثانية لطلب المساعدة الأجنبية· وفي المرحلة الثانية التي كانت سنة 1945م مُنيت المحاولات بالفشل نظراً لنقص التحضير وكانت المرحلة الثالثة مع تأسيس المنظمة الخاصة، وتطورت إلى غاية الإعلان عن قيام الثورة المسلحة .
في القسم الثاني من الكتاب، توقف مع الأسباب المباشرة للثورة، فخصص الفصل الأول من الكتاب لإلقاء الضوء على المنظمة الخاصة وما قبلها. وتحت عنوان ''أزمة النزعة البربرية في الحركة الوطنية''، أكد في الفصل الثاني من هذا القسم على أن النزعة البربرية دسيسة استعمارية، وتطرق إلى معاناة حزب الشعب - حركة انتصار الحريات الديمقراطية سنة 1949م من هذه الأزمة الداخلية الخطيرة التي كادت تعصف بوحدته العضوية، وشدد على أنها ''ظاهرة اختلقها الاستعمار ليتخذها مطية لتحقيق شعاره المعروف (فرق تسد)، وهي دليل يثبت حرص المستعمر على إذكاء نيران التفرقة وتعميق التناحر المُفتعل بين مجموعتين من الجزائريين، إحداهما (عربية)، وثانيتهما (قبائلية)''.
وتحت عنوان ''حزب الشعب - حركة انتصار الحريات الديمقراطية، تنظيم هيكلي محكم'' قدم المؤلف رؤية تحليلية معمقة عن التنظيم الهيكلي لحزب الشعب. وختم الكتاب بتوضيح هام توقف فيه مع ردود الفعل التي أحدثها الكتاب لدى صدور نسخته الفرنسية، وذكر أن ما لفت انتباهه هو تحميل عدد من القراء بعض الفصول من الكتاب ما لا تتحمّله على الإطلاق، وذلك سواء عن طريق السماع والنقل الشفهي غير الدقيق، أو غير الأمين أحياناً. مما سبق يتبين لنا أن الرئيس المجاهد بن يوسف بن خدة، رحمه الله، قد قدم لنا بحثاً هاماً عن الجذور العميقة لثورة أول نوفمبر 1954م، وقد جاء هذا الكتاب في طبعته العربية ليقدم إضافة مهمة للمكتبة العربية عن أحداث فترة سياسية حاسمة، كما أنه مكمل لتجربة المجاهد بن يوسف بن خدة في الكتابة التاريخية التي تتميز بالرصانة والموضوعية، وتجلت من خلال عدة كتب أخرى نذكر من بينها ''اتفاقيات إيفيان''، وعبان رمضان وبن مهيدي ودورهما الفعال في الثورة''''، و''الجزائر عاصمة المقاومة الجزائرية''.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)