الجزائر

قتل دومينيك، إبادة أسرنا وإفلات جوليا



قتل دومينيك، إبادة أسرنا وإفلات جوليا
فلنبدأ من فجر 9 ماي 1945، عندما استيقظت مشاتي دوار صفاحي بلدية الصفية commune mixte de la safia على صراخ سي غزالي عم والدتي، وهو يشتم الجميع: ”يا جبناء، يا كلاب تخافون من الموت، هربتم البارحة من السوق ورجعتم إلى بيوتكم؟ هيا الجهاد في سبيل الله هيا نثأر لموتانا ونزحف على ڤالمة”. فكان رد الجميع: ”وبماذا سنزحف؟” فقال سي غزالي: ”نزحف بما عندنا.. بالفؤوس، بالعصي وحتى بالمناجل... هيا يا جبناء هيا للاستشهاد”.كانت الأخبار جد أليمة حول ما وقع في مدينة ڤالمة ذات عشية من 8 ماي 1945 بقيادة رئيس المقاطعة أندري أشياري، حيث قامت المليشيات، التي تم تشكيلها ابتداء من 14 أفريل، بمحاصرة واغتيال عدد معتبر من القرويين الذين تنقلوا للسوق الأسبوعي من النواحي المجاورة وكذا من تبسة، عين البيضاء، واد زناتي، سدراتة، سوق اهراس، عزابة وخنشلة. تقول المعلومات أن المظاهرة التي دعت اليها حركة احباب البيان والحرية وحزب الشعب يوم 8 ماي، شهدت حضور أكثر من أربعة آلاف شخص كان نصفهم من الفلاحين الذين قدموا لسوق يوم الثلاثاء الڤالمي. أما الذين يسكنون في الحي العربي لڤالمة، فكانوا في النصف الأخر بما فيهم المنخرطين القصر التابعين للكشافة الإسلامية. المؤكد هو أن مخطط أشياري المجرم كان رهيبا لأنه بمساعدة البياعين والخونة وكذا رئيس الهيئة اليهودية المحلية أحد أقرباء المفكر Atali، أقول إنه استعد لذلك خاصة بعد تعفن الوضعية إثر نفي مصالي الحاج إلى كنغو برازفيل في 23 أفريل 1945. لكن بعض المصادر الموكدة بما فيها أحد الأقرباء والذي كان يشتغل بمحكمة ڤالمة، أقروا أن أندري أشياري علم من قبل، بتحركات مرسلين وموفدين من أحباب البيان والحرية حين كانوا يتجولون في البلدية المختلطة للصفية والبلدية المختلطة لواد الشارف. للعلم تحتوي دائرة ڤالمة التابعة لإقليم قسنطينة في ذلك الوقت على ثلاث بلديات مختلطة رئيسية هي بلدية سوق أهراس المختلطة ومقرها بالزعرورية، بلدية الصفية وهي المركزية والأكثر سكانا ومقرها المشروحة رغم أن حدودها تقترب من مقر الدائرة ڤالمة وأخيرا البلدية المختلطة واد الشارف ومقرها عين حساينية. تتميز مدن كسوق أهراس وڤالمة وهيليوبوايس وبومهرة احمد وبوعاتي ولفجوج بصفة البلديات المدنية الأوربية Communes de plein exercice. أما البلدية المختلطة لسدراتة في الجنوب وكذا بلدية واد زناتي غربا فهما تتبعان مباشرة إلى دائرة قسنطينة الشيء الذي جعلهما خارج إدارة المجرم اشياري. الصورة الأولىكان أبي قد غادر مدرسة سدراتة في جوان 1943 في سن 13 عام، وعاد إلى أبويه في بلدية الصفية Sefia الموجودة في تراب دائرة ڤالمة وهذا بعد ما قدمت الفرقة 319 للمقنبلات الأمريكية واستقر الجنود الأمريكيون في المدرسة الوحيدة أو بما يعرف لاحقا بCEG. الحياة كانت صعبة وتقول المعلومات إنه مثلا في منطقة بوشڤوف القريبة من الناضور، كل المحاصيل كانت تأخذ بالقوة واضطر السكان إلى أكل الحشيش في بعض المناطق وحتي في نواحي واد زناتي وكذا سدراتة. إذا، ما كان على ابي، الساكن عند أخواله، إلا الرجوع إلى البادية عند أبويه. يتذكر الجميع إنه في النصف الثاني من شهر مارس 45 وفي تلك المنطقة، قدم شخص يدعى الحركاتي وهو مسؤول ينتمي إلى أحباب البيان والحرية الحزب الذي يقوده فرحات عباس و الذي يكون قد عقد مؤتمره في الجزائر يوم 2 مارس 1945. أحدث قدوم الحركاتي إلى بلدية الصفية نوعا من الخلط خاصة أن جدي وعشيرته، كانوا منخرطين في حزب الشعب وشديدي التعلق بمصالي الحاج ولأن جدي شخصيا كان دائما يفتخر بعقد الزواج الجزائري الممضي من طرف نفس مصالي الحاج عند قدومه إلى ڤالمة نهاية الثلاثينات. للإشارة وبدون مبالغة، تعد ڤالمة ونواحيها في ذلك الوقت، من المناطق الجزائرية الأكثر تنظيما من الناحية السياسية وكان الجميع يدفع اشتراكاته بصفة منتظمة وتتم حسب مخطط عائلي في المدينة، عموما يأخذ صفة إقليمية في المشتة. صعد الجميع إلى الهضبة وكان أبا والدي يدفع أمامه ابنه الوحيد المتعلم الذي رجع من سدراتة، وهذا كي يراه الحركاتي الذي قام برفع اللبس عن الخلاف بين أحباب البيان وحزب الشعب ولكن الشيء الذي أفرح الجميع هو أن الحركاتي قال الجملة التالية: ”بلدنا سيأخذ استقلاله قريبا ويروحوا الرواما... وأرجو أن تبقوا بالاتصال بمسؤول الحزب في ڤالمة ليعلمكم يوم التظاهر وسيكون يوم سوق أسبوعي انشاء الله”. أخرج حركاتي قماش أخضر وقال للجميع: ”ها هي رايتنا”. حسب شهادة جدي فإن العلم الذي قام بإظهاره الحركاتي هو أخضر تتوسطه دائرة فيها هلال ولا يشبه العلم الجزائري الحالي. هذه الشهادة احتفظ بها والتي تناقض تماما شهادة شوقي مصطفاي الذي يزعم العكس والذي كان بعيدا على منطقة ڤالمة.على العموم في مظاهرة ڤالمة يوم 8 ماي، كان خليط من الأعلام وليس علم واحد وتقول شهادة أحد الناجين من عائلة فاضل، أن هناك علم كتب فيه الله أكبر، كما يقول الساسي بن حملة أحد قائدي المسيرة إنه كان يرفع علم كمثل العلم الجزائري وهذا الكلام غير مؤكد لأن شخص يدعى ورسطي بقربه كان يحمل علم مغاير تماما.الصورة الثانية لا أحد يعلم ما وقع في ڤالمة المدينة بعد ليلة 8 ماي 1945 إلا سكانها ومن يدعي عكس ذلك فهو كاذب. وكذلك لا أحد من سكان ڤالمة كان يعلم بما حدث في البلديات الأخرى أو المناطق البعيدة، ومن يدعي عكس ذلك فهو كاذب. كانت ڤالمة المدينة التي عزلت عن العالم، تضم حوالي 20200 ساكن من بينهم 15600 جزائريون مسلمون وفيهم عدد قليل ممن تحصلوا على المواطنة الفرنسية. هؤلاء الذين يتمتعون بهذه المواطنة الحقيرة، كانوا عموما من جزائريي الخدمات الذين قبلوا بالصفة الاستعبادية، أما باقي الجزائريين الذين ليس لهم أي وضع مدني إلا Indigene فهم في نظر الأوربيين، عبارة عن أشياء. والقليل (القليل جدا) يعلم أن مسؤول استعماري ثمن الطريقة الأسترالية، فاقترح في الثلاثينات، ضمهم إلى إدارة الكائنات والغابة La faune et la flore. كان من المعقول القول ومنذ زمان، إن الموطن الأصلي للنازية والفاشية هي فرنسا والفرنسيون، هؤلاء الذين كان تعدادهم في ڤالمة 4600 من بينهم 780 يدينون باليهودية.ومن بين 4600 عنصري مجرم يوجد الدركي القاتل غناسية من مدينة عزابة وهو قريب أنريكو ماسياس.لا نريد أن نكون مجحفين ونقول إنه تعاطف مع الجزائريين في 1945، 3 فرنسين واحد منهم طبيب وكذا يهوديان من بينهم الثري التاجر نابث الذي دعم ماليا المتابعات القضائية إثر قتل الزهراء رقي وأخويها... الأكيد أن كل الخمسة الفرنسين واليهود يستحقون الإحترام والإشادة. المهم... عملت فرنسا وصحافتها ومفكريها بكل أصنافهم، على اللعب على أرقام الموتى وإنكار الإبادة والهولوكست الذي تعرض له الجزائريون المسالمين، أي الجزائريين الفقراء الذين كان ذنبهم الوحيد التظاهر في ماي 1945. في هذا المقال نحن مستعدين لرفع التحدي بالأدلة وبالأرقام وفق معادلة العدد والإقليم وكذا الزمان. لأن عدد القتلى في ماي 45 وفي كل الجزائر مازال يتعرض لإيديولوجية الإنكار والمراجعة الحقيرة. تقول الروايات أن رئيس دائرة ڤالمة السفاح أشياري كان على علم منذ مارس 1945 بمخطط التظاهر وتحصل على موافقة الحاكم العام بالجزائر وكذا مسؤول ناحية قسنطينة وهذا لأخذ الإجراءات اللازمة لتلقين الجزائريين درسا لن ينسوه. كان الشعار: ”فرنسا في بيتها”. المهم برمج الفرنسيون الفاشيون الموت على محورين: الأول وسط المدينة بالقرب من ساحة القديس أغستين وسقط فيها أول شهيد وهو بومعزة والمحور الثاني هو حزام مكون من مجرمين انتشروا من الجهة الغربية والجنوبية والشرقية لغلق طرق سكيكدة قسنطينة، الطريق الجبلي لعين الصفراء، الطريق الجبلي ماونة عين العربي والطريق الجنوبي لسدراتة والطريق الشرقي لسوق أهراس. ترك المنفذ الشمالي مفتوحا حتى هيليوبوليس لأنه تم تشكيل في هذه البلدية مليشيا مستقلة لإقامة الحواجز ومراقبة المنفذ الرئيسي نحو عنابة. بدأت حملة قتل الجزائريين من 8 ماي 1945 واستمرت 3 أشهر وتقول بعض الشهادات أن القتل في بوادي بلدية الصفية المتكونة من دوار صفاحلي، الناضور وعين القطن استمر إلى 25 سبتمبر 1945.لا أريد الرجوع إلى مجزرة ڤالمة والصور المرعبة لفرن كاف البومبا 7 أمتار على 5 عرض وعلى عمق 3.5 م وحرارة 1000 درجة، ولكن من المؤكد أن حوالي 2300 إلى 2700 جريمة اقترفت في المدينة وحدها وبعض العائلات من مدور سريدي ورسطي وباجي تم سحق كل رجالها. تكون بلدية الصفية وبلدية الشارف من جهة أخرى قد شهدتا موت حوالي 5200 شخص بما فيهم أطفال ذوي الستة أعوام وهذا إذا وضعنا معيار 60 إلى 65 جريمة بكل مشتة وإذا كان تعداد المشاتي أكثر من 80. نستطيع القول كذلك أن حوالي 400 شخص قتلوا في الأماكن المحاذية لدائرة ڤالمة خاصة من جهة دوائر سكيكدة، قسنطينة وعنابة كل هذا مع زيادة 1500 جريمة اقترفت في البلديات المدنية de plein exercice كهيليوبوليس، بومهرة، بلخير، بوعاتي، الفجوج، بوشقوف (دائرة عنابة) وقلعة بوالصبع ومستوطنيها الألمان، في حين أن لخزارة وعين العربي كانتا تتبعان للبلدية المختلطة واد الشارف. في 1945 بلغ تعداد الجزائريين في دائرة ڤالمة حوالي 185000 فرد. وإذا استثنينا منطقة سوق أهراس بشقيها المدني والمختلط فإن الباقي كان حوالي 125000 من بينهم ما يقرب 60000 في المناطق الوسطى المكونة أساسا من بوادي بلدية الصفية. من البديهي جدا أن منطقة ڤالمة وما جوارها، تكون قد شهدت قتل بين 10000 آلاف إلى 11000 شخص. وإذا أضفنا ضحايا منطقة سطيف الذين قد يتجاوز عددهم ضعف ضحايا ڤالمة، ثم إذا تطرقنا إلى الأربعة آلاف منسي فإن الرقم يعطينا قطعيا صفة الإبادة. المنسيين هم من مناطق جيجل الجنوبية ومناطق أوقاص، سوق الاثنين وسواحل سكيكدة وعنابة الذين تعرضوا لاستعمال السلاح الثقيل عبر القصف البحري والجوي. كل هذه الأرقام، إذا وضعناها في قالب وطني مع ضحايا مدينة سعيدة ومدن آخرى في الغرب الجزائري، فإن 45000 جريمة بهامش خطأ صغير يبقى رقم جد صحيح. للعلم أن الكثير من الجزائريين لم يصرحوا بموتاهم في حين صرح الباقي، سنوات من بعد أي سنة 1951 و1952.للاشارة فإنه تم سجن حوالي آلفي شخص عقب مجازر 8 ماي ولم يسجن أي فرنسي من ڤالمة. هؤلاء السجناء كان معظمهم معني بحكم الاعدام لكن محاولات نواب فديدرالية المنتخبين لنجدة أبناء جلدتهم، بقيادة البشاغا بن شنوف نائب خنشلة وكذا النواب بن علي الشريف، بن جلول ولخضاري كللت بالنجاح في إطار تعميم قانون العفو لفيفري 1946.الصورة الثالثةكادت فرنسا في سنة 1880 أن تربح معركة الديمغرافيا في ڤالمة وفي كل الجزائر لأن عند دخولها في 1830 كان البيالك الثلاث، يحتوون على 3 ملايين ونصف المليون ساكن. في 1879 أصبح كل سكان الجزائر في عدد يتراوح 2.1 مليون وتكون منطقة ڤالمة قد فقدت نصف سكانها في تلك الفترة ففرح كلاب فرنسا وقاموا بفتح الهجرة للألمان والإيطاليين والمالطيين للضفر بالنصر الكاثوليكي الديني، في حين كسروا المنطقة الغربية للجزائر بالمهاجرين الإسبان. تلك ڤالمة التي وصلها الفرنسيون في نوفمبر1836 قادمين من عنابة وقائلين حسب القائد Rigny: نحن ذاهبين إلى قلاما kelama لوضع حد للفوضى التي يحدثها اولاد ضاعن والقبائل الأخرين Dhaan et autres kabyles. لم ينجح الآلفي مقاتل في ديسمبر 1836 من هزيمة الفرنسيين الذين وضفوا جيدا النعرات القبلية التي انتهجوها ابتداء من عنابة الذين دخلوها في أفريل 1832. تجربتهم أوصلتهم لخلق تحالف كبير آدى بهم إلى مهاجمة قسنطينة مرتين في 1937 واحتلالها انطلاقا من ڤالمة. كانت قصة الجزائريين في المنطقة تدعوا إلى البكاء والضحك في نفس الوقت، وهذه الوضعية هي التي تدفعنا للقول أن فرنسا استطاعت أن تحتل الجزائر لتوفر النعرات والانقسام فقط. لا داعي لتسمية القبائل ولكن قبل مجيئ الفرنسيين، كان باي قسنطينة الذي يملك الأراضي في ڤالمة، يفضل قبائل ويعادي قبائل آخرى. عند قدوم الفرنسيين، أصبح أصدقاء الباي أعداءه وتحالفوا مع المستعمر الأوربي، هذا المستعمر الذي وعدهم بامتلاك الأرض وانهاء وضعية الانتفاع المجحف لأنهم ظلوا لسنوات عبيد الباي، في حين أن أعداء الباي أصبحوا من المدافعين على قسنطينة، حين أرسلوا مجموعات من الخيالة المسلحين بالخناجر والسيوف. العبرة هي أنه عند الانتهاء من احتلال قسنطينة، بدأ ت في ڤالمة وفي 1839-1840، عملية ترحيل القبائل الأصلية والمعادية لفرنسا، هذه القبائل والتي عند تفكك المنهج الحضري، أصبحت تسكن في خيم الشعر المصنوع من جلد الماعز والمنتشرة في هضبات واد المعيز وبن جراح. دفع هذا الترحيل إلى مقاومة انتهت بهجوم قام به الجنرال روندن Rondon في 11 ماي 1842، والذي امتد من واد حلية إلى جبل عين السوداء ومن عين السوداء إلى الكاف لعكس نواحي قبائل الحنانشة. حذفت هذه القبائل المسماة أغمراسن من كل الوثائق الإدارية العقارية وحاول المستعمر اعطاءها أسماء غريبة عند ظهور الحالة المدنية بداية 1881. في 1844 قام الفرنسين بأخذ كل الأراضي بما فيهم أراضي العرش وأراضي باي قسنطينة وصودرت الصفة التنظيمية لمنهج الحبوس. في بداية 1848 بدأت السلطات الإستعمارية باستقدام أجزاء قبائل من الأوراس والحضنة والقبائل الصغرى وجيجل بعدما قسمتها في مناطقها الأصلية. أدخلت فرنسا المنطقة في صراعات لم تنته إلا في بداية نوفمبر 1954 حين قررت جبهة التحرير الوطني، استعمال طريقة الذبح بالسكين ومنطقة ڤالمة كانت نموذجا لذلك المنهج. كان هدف فرنسا في بداية 1848، هو قتل الجزائريين جوعا وفقرا، لذلك خططت لتكسير المد التقليدي القبلي الڤالمي. فعندما جيء بجزء من بني مرمي مثلا، والذين عاقبتهم فرنسا على ثورتهم في 1852 في أرضهم الأصلية، كان العدد عند قدومهم حوالي 120 أسرة. في 1878 أصبح تعداد هذه القبيلة 16 عائلة. كان الدرس قاسيا، لكن الجزائريات رغم الألام والعذاب والفقر المدقع، لم يتوقفن على الإنجاب وأصبح جليا في نهاية 1840 وفي منطقة ڤالمة خاصة فإن فرنسا خسرت المعركة الديموغرافية. الصورة الرابعةالتاسع من ماي 1945 تحالفت قبائل مع الله وتحالفت آخرى مع الشيطان لذلك لم يتمكن الفلاحون من الوصول إلى مدينة ڤالمة والثأر لموتاهم. في مثل هذا اليوم المشؤوم، دخل الجزائريون في غضب شديد وفقد الكثير أعصابهم وأصيب آخرون بالجنون لا لشيء إلا لأنهم لم يفهموا كيف ذهب أبناءهم لمقاتلة ألمانيا والدفاع عن الفرنسيين في حين يقوم نفس الفرنسين بقتل أسرهم وأهلهم في مدينة ڤالمة. وماهي إلا ساعات حتى تدفق موج بشري على منطقة لخزارة، بومهرة احمد، الناضور وبلخير مليزيمو سابقا ولم يستطع أهالي بلدية الصفية ودوارها الثلاث من الدخول إلى ڤالمة لعدم وجود السلاح أولا وللتحصين الذي قام به الجيش والدرك والمليشيات والشرطة. تبين كذلك أن صفة الفلاحين هي الكذب، حين قيل للجميع أن السلاح سوف يأتي من الأوراس ومن تونس ولم يأتي شيء وحتى الذين قدموا من خنشلة للمساعدة لم يتمكنوا من المرور ووقفوا في واد زناتي، 35 كلم غربا. الأكيد أن مجموعة قليلة سماها أشياري لاحقا ب brigades de choc نجحت في استعمال طريق سدراتة ليلا والوصول إلى الكلم 6 قبل ڤالمة. ظن البعض حسب حكايات الشيوخ، أنهم رجعوا إلى الأرض التي طردوا منها قرن مضى، ورأوا نصب أعينهم مزرعة دوبوا.. فالمجموعة القادمة عن طريق سدراتة لم يكن بحوزتها إلا 2 مات 49 Mat آتى بهما ما يسمى بالعربان من منطقة تبسة. كان السؤال جد بديهي: ”كيف لنا أن نثأر بالعصي وبالفؤوس؟”. انفجر الناس في كل صوب وهاجمت مجموعة مزرعة دوبوا Dubois في حرب من أجل الأرض ولم تفلح في دخولها وتوفي هنالك حوالي 17 من بينهم أخو جدي الوحيد وأقربائه. كان أناس آخرون يفتشون على جوليا مير بلدية بومهرة بيتي سابقا. للتوضيح حين نتكلم على هذه المعلومات فهي من مصادر عائلية، لأنه من المستحيل الإلمام بكل الهجومات وكل ماوقع لسكان ڤالمة من تقتيل وتنكيل. المهم أن جوليا اختفى تماما فرجعت مجموعة في المساء وحاصرت مزرعة المالطي دومينيك بزينة بحكم أنه عضو بلدية بومهرة مع جوليا، وعند تدخل أحد المتظاهرين للقول أن دومينيك لم يؤذي أحدا، صرخ آخر وقال: ”دومينيك هو صديق رئيس المقاطعة أشياري”. خيم سكوت على المجموعة واوتي بعامل من مزرعة دومينيك ليشهد أن أشياري أخذ وجبة الغداء في المزعة يوم السبت 5 ماي. وبضربة واحدة بشاقور في الرأس قتل دومينيك.موت دومينيك أظهر في الصباح الموالي، الوجه القبيح والقذر لفرنسا ولا توجد على الإطلاق حضارة فاشية تقتل الذين ذهبوا للدفاع عليها ضد هتلر أو ”كلير” كما يقول جدي وهو أحد قدماء الحرب العالمية الأولى حين يتذكر شقاءه في ليون بين 1914 و1920.عندما كان الفرنسيون يسارا ويمينا يتلذذون بأدبيات جنرالهم ديغول المختبئ في بريطانيا، قاتل الجزائريون وهاهم يقتلون كالذباب في ڤالمة. في 10 ماي 1945 هاجمت عصابات من المليشيات مزرعة بن يخلف القريبة من مزرعة دومينيك وقتل فيها أقاربي، كانت أصغرهم طفلة لا تتجاوز السبع سنوات. تعفنت الوضعية ورأى الجزائريون إنه حان البدء في الثورة. وهاهو القنصل البريطاني John Eric MacLean Carvell في الجزائر يتكلم في 17 ماي 1945 على ثوار في جبال الواقعة بين سدراتة وڤالمة. ذلك السفير الذي لم يتكلم على نقل عسكر الألوية الأجنبية من سيدي بلعباس ووجدة إلى مناطق ڤالمة ولم يتكلم على طائرات Dakota البريطانية التي انطلقت من سطيف لتحلق على الطاهير وتاكسانا لتخويف البشر، والأخطر إنه لم يتكلم على طائرات Avro Lancaster القادمة من سردينيا لقنبلة الجبال التي تكلم عليها هو نفسه. الصورة الخامسةنحن في نهاية ماي من سنة 1945 في ساحة النصر لمدينة ڤالمة. جاء الفرنسيون العنصريون الغرباء لرثاء موتاهم ال 12 وبالمقابل إهانة الأرواح الجزائرية البريئة المقدرة بأكثر من 10 آلاف في المدينة ونواحيها القريبة والبعيدة. كان الحقد والغيض في قمته وكم كان اشتياق البعض مهاجمة الحفل المخزي بالرصاص والقنابل لكن الحظ كان حليف المستعمر فلا رصاص ولا قنابل وماهي إلا سنوات وجزاء على ما فعلوا، ذاق الفرنسيون العذاب والعقاب في ثورة نوفمبر. في تلك الحقبة أي نهاية ماي 1945، كان قتل الجزائريين مستمرا وبقيت منطقة الصفية ومشاتيها، تشهد توترا شديدا لأنها لم تستسلم كلها. في نفس الوقت، كانت العنصرية والإجرام الفرنسي في زيه المدني، يقيمان لقاءهما في وسط ڤالمة، لتكريم المجرم أندري أشياري رئيس المقاطعة الباسكي الأصل والمتوفي في 1983 في بؤس كبير في إسبانيا، بعد ما استقبلته ابنته المتزوجة مع مسؤول في ريال مدريد. لا علينا، كان الحفل صاخبا ليأتي الفرنسيون الفاشيون وأسرهم، لتحية زعيمهم النازي ولتأتي معهم شرذمة من الجزائريين ليتكلموا ويخطبوا في المنصة ويشكروا أندري أشياري باسم أخوة وحرية ومساواة الفاشية الفرنسية. ”ثلاثة كلاب” من بنو جلدتنا تقدما للنباح... وبكل رمزية، أعطيت الكلمة الأولى إلى ممثل عن جماعة الصفية وهو شخص ينتمي لعائلة (ق) من مشتى عين غرور دوار صفاحلي بلدية الصفية. هذا السيد، يعد واحد من أقارب كاتب يسين الذي كان يعيش نفس الألام والعذاب في سطيف 200 كلم غربا، بل أن كاتب يسين فقد خاله وزوجة خاله وابنهما ذو العشر سنوات في بلدية بلخير ميليزمو سابقا، يوم 9 ماي 1945. للتوضيح تنحدر أسرة كاتب يسين الذي ارتبط شبابه ب8 ماي، من مشتة عين غرور 27 كلم شرق ڤالمة. كان جدي له علاقة في الثلاثينات، مع سي احمد لغزالي أب يسمينة أم يسين لأن تراب أجدادي يحاذي تراب ورثاء كاتب أي في دوار صفاحلي. في 1864 تم اعدام أشخاص من قبيلة يسين، أي بني كبلوت إثر اتهام باطل. بعد ذلك، تم تعويض القبيلة بأراضي في بنوير على واد مجردة قرب سوق أهراس، وتفرقت نفس القبيلة سنوات من بعد إثر دخول عائلتين من بني كبلوت الإدارة الفرنسية.في أوت 1930 عندما كان أباه في الخدمة العسكرية، ولد يسين في قسنطينة، لكن أحمد لغزالي جده، سجله في بلدية زبغود يوسف، أين كان مترجم قضائي. وفي صورة أخرى وإثر أمر بالرحيل من صفاحلي إلى بريكة، هاجرت اسرة جدتي إلى سدراتة في 1899 والتحقت عائلة يسمينة كاتب بسدراتة في 1910. كانت أم يسين التي تسكن في قسنطينة ثم في بوڤاعة شمالي سطيف في 1945، تأتي دوما إلى أهلها في سدراتة، وسكنها في بوڤاعة مع زوجها سي محمد كاتب، يفسر وجود ابنها كاتب يسين، بين الطلاب المتظاهرين في 8 ماي بسطيف. للأمانة ورغم أننا نحدر كلنا من منطقة صفاحلي شرق ڤالمة وامتدادنا العائلي فيها إلا أن يسين يعتبر ابن سدراتة لسبب واحد وهو إنه عاش طفولته فيها وله أخ اسمه بلغيث دفن في سدراتة... وكذا اخواتة الذين عاشوا وتزوجوا في سدراتة. أتذكر أنه في 1973 أعطاني يسين 5 دينارات ورأيته في قسنطينة أخر مرة سنة 1984.نعود إلى منصة العار في ڤالمة لتكريم أشياري والاستعمال المخزي للإسلام في مدح الاستعمار والجرائم عبر إعطاء الكلمة إلى الشخص الثاني، ممثل زاوية من مجاز الصفاء قرب بوشقوف الذي صال وجال بكل الآيات، مقابل جمهور نصراني الدين. أما المجرم الجزائري الذي لفت الانتباه والذي كان يجوب البوادي ويقتل بل ظل يقتل حتى سبتمبر 1945، هو الشخص الثالث. إنه المساعد الأول حاج صدوق من تيغانمين بالأوراس والذي قدم إلى ڤالمة إثر تحويل فيلق عسكري من باتنة. كان بن صدوق يتزعم الفرقة المتنقلة الثالثة، هذه العصابة التي قتلت الأبرياء في الناظور، الفجوج، عين العربي، لخزارة، واد شحم وحمام نبايل. شكره القائد العسكري على اخلاصه لفرنسا ووعده بمنصب قايد منطقة مشونش بداية من سبتمبر 1945. في 1 نوفمبر 1954 وبعد 9 سنوات أوقفت مجموعة من الثوار بقيادة الشهيد شيحاني بشير، الحافلة القادمة من أريس إلى بسكرة. أخرج المجاهدون الحاج صدوق من الحافلة لدفع الثمن ولكن قبل أن يستمع للحكم، حاول أن يضع يده لاخراج مسدسه... فارداه شيحاني بشير قتيلا. لقد طاردته دموع دماء ووصية من نساء دوار صفاحلي 250 كلم شمالا. الله يرحم الشهداءأمنا تاريخ كبير طاحلنا في قاع البيرروحنالو كبير وصغير ورفدناه بالفنطازيةايه ڤداش نفكر في الحرة بنت الڤالمية دمها مازال يقطر ومبزع في كل ثنية




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)