الجزائر - A la une

قبسات من سيرة المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم



قبسات من سيرة المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم
قرّائي الأعزّاء.. في هذه المقالة لا أستطيع أن ألتزم الحياد، كيف لا، وأنا أكتب عن أحبِّ إنسان إلى قلبي، بل إلى قلب كلّ مسلم، إنّني لستُ أكتب عن خليفة من الخلفاء، ولا عن زعيم من الزّعماء، ولا عن رئيس من الرّؤساء، ولا عن ملك من الملوك، لديهم خدم وحشم، وعندهم قناطير مقنطرة من الذّهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث، ولكنّي أكتب عن الرّحمة المُهداة، والنِّعمة المُسداة، رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.لا، لن ألزم الحياد، لأنّي لا أتكلّم عن شاعر هدّار، أو خطيب ثرثار، أو فيلسوف هائم، أو روائي متخيّل، أو كاتب متصنّع، أو تاجر منعَم، بل أتحدث عن نبيّ خاتم، نزل عليه الوحي، وهبط عليه جبريل، ووصل سِدْرَة المُنْتهَى، له شفاعة كُبرى، ومنزلة عُظمى، ومقام محمود، ولواء معقود..لا، لن ألتزم الحياد؛ لأنّني لا أتكلّم عن سلطان من السّلاطين، قهر النّاس بسيفه وسوطه، ولكنّني أتكلّم عن معصوم شرح اللّه صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذِكره.قولوا لي بربّكم: كيف ألتزم الحياد إذًا، أتريدون أن أحبس عواطفي، وأن أقيّد ميولي، وأن أربط على نبضات قلبي، وأنا أكتب عن أحبّ إنسان إلى قلبي، وأغلى رجل وأعزّ مخلوق على نفسي، إنّ هذا لشيء عُجاب.أتريدون منّي أن أكفكف دموعي، وأنا أخطّ نتفات من سيرته، وأن أخمد لهيب روحي وأنا أسطّر بعض أخباره، وأن أجمّد خلجات فؤادي وأنا أدبج شيئًا من ذكرياته.. لا، لا، أبدًا، لن أستطيع هذا، كلّا، وألف كلّا، لأنّني أكتب عن أسوة حسنة، إنّني أكتب عن إمام هو معنا بهديه، في كلّ شاردة وواردة، نصلّي فنذكره؛ لأنّه يقول: “صَلُّوا كما رَأيْتُمونِي أُصَلِّي”، نحجّ فنذكره؛ لأنّه يقول: “خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ”، في كلّ طرفة عين أذكره؛ لأنّه يقول: “مَن رَغِب عن سُنّتي فليس منّي”، في كلّ لحظة من حياتي أذكره؛ لأنّ اللّه يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللّه وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللّه كَثِيرًا}.إنّني أكتب عن أغلى الرّجال، وأجلّ النّاس، وأفضل البشر، وأزكى العالمين، مرجعي في ذلك دفتر الحبّ المحفوظ في قلبي، ومصدري في ذلك ديوان الإعجاب المخطوط في ذاكرتي، فكأنّني أكتب بأعصاب جسمي وشرايين قلبي، وكأنّ مزاجي دمعي ودمي.إنّني أكتب عن أصدق مَن تكلّم، كلامه حقّ وصدق وعدل، لم يعرف الكذب في حياته جادًا أو مازحًا، بل حرم الكذب وذم أهله ونهى عنه، وقال: “إِنّ الصدق يهدي إلى البرّ، وإن البرّ يهدي إلى الجنّة، ولا يزال الرّجل يصدق ويتحرّى الصِّدق حتّى يكتب عند اللّه صِدّيقًا”، وأخبر أنّ المؤمن قد يبخل، وقد يجبن، لكنّه لا يكذب أبدًا، وحذّر من الكذِب في المُزاح لإضحاك القوم، فعاش عليه الصّلاة والسّلام والصِّدق حبيبه وصاحبه، ويكفيه صدقًا صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه أخبر عن اللّه بعِلم الغيب، وائتمنه اللّه على الرّسالة، فأدّى الأمّة كاملة تامة، فلم ينقص حرفًا، ولم يزد حرفًا، وبلَّغ الأمانة عن ربّه بأتمِّ البلاغ، فكلّ قوله وعمله وحاله مبني على الصِّدق، فهو صادق في سِلمه وحربِه، ورِضاه وغَضبه، وجِدِّه وهزله، وبيانه وحكمه، صادق مع القريب والبعيد، ومع الصّديق والعدو، ومع الرجل والمرأة..صادق في نفسه ومع النّاس، في حضره وسفره، وحِلّه وإقامته، ومحاربته ومصالحته، وبيعه وشرائه، وعقوده وعهوده، وخطبه ورسائله، وفتاويه وقصصه، وقوله ونقله، وروايته ودرايته، بل معصوم من اللّه أن يكذب، فاللّه مانعه وحاميه من هذا الخُلُق المشين، قد أقام لسانه، وسدّد لفظه، وأصلح منطقه، وقَوَّم حديثه، فهو الصّادق المصدوق، الّذي لم يُحفظ له حرف واحد غير صادق فيه، ولا كلمة واحدة خلاف الحقّ، ولم يخالف ظاهره باطنه، بل حتّى كان صادقًا في لحظاته ولفظاته.فهو صلّى اللّه عليه وسلّم صادق مع ربّه، ونفسه، وأهله، والنّاس، فلو كان الصّدق رجلاً، لكان محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، وهل يُتعلّم الصِّدق إلّا منه، وهل ينقل الصّدق إلّا عنه، فهو الصّادق الأمين في الجاهلية قبل الإسلام، فكيف حاله بعد الوَحي والهداية، وإكرام اللّه له بالاصطفاء والاجتباء والاختيار.. واللّه وليّ التّوفيق.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)