أكثـر ما يلفت الانتباه في الترشيحات لتشريعيات 10 ماي 2012، شيئان. الأول أثار لغطا حادا يتعلق بشراء المراتب في القوائم أو ما عرف بـ''الشكارة''. أما الثاني فهو وضع أفراد عائلة زعيم الحزب وأبرز القيادات، أفراد عائلاتهم وأقاربهم في صدارة القوائم. الظاهرة التي أثارت سخط كثير من المناضلين، حوَلت الأحزاب إلى شبه شركات عائلية يتقاسم الأسهم فيها والمنافع ذوو القربى والأقربون.
البرلمان القادم سيكون عبارة عن تجمعات عائلية
أشقاء وأبناء وزوجات وأصهار أحصنة التشريعيات
لم يحدث في أي استحقاق انتخابي أن اعتمدت أحزاب على توليفة ترشيح عائلية، كما حصل هذه المرة، بتفضيل قيادات حزبية ''ذوي القربى'' في المراتب الأولى لقوائم الترشيح، ثم الأصدقاء. ومهما اختلفت الأسباب، فإن الظاهرة تحتاج إلى نظر.
خلافا لما شهدته الاستحقاقات التشريعية السالفة، حيث كان ''الأقربون'' من قيادات الأحزاب المترشحين، يعدّون على الأصابع، كما كانوا بعيدين عن الواجهة، أهم ما يميز الموعد التشريعي لماي 2012، سيطرة العديد من ذوي القربى على المراتب الأولى لقوائم الترشيح، وتوزعت الظاهرة على أحزاب عدة ومن تيارات مختلفة، ما يحمل على السؤال بشأن خلفية الاعتماد على ''العائلة'' وتأثير ذلك داخل قبة المجلس الشعبي الوطني. فقد تم ترشيح ساسي بلعياط، نجل عبد الرحمن بلعياط، عضو المكتب السياسي في الأفالان في قائمة العاصمة، رغم ترتيبه في المرتبة الـ11، وفي نفس الحزب رشح شكيب جوهري، نجل عزيز جوهري القيادي في الأفالان عن منطقة المغرب العربي. علما أن شكيب كان نائبا في العهدة التشريعية 2002 إلى .2007 ورشح رشيد عثمان، صهر عبد القادر زحالي، عضو المكتب السياسي، في المرتبة الثانية في قائمة تيبازة، بينما رشحت نعيمة صالحي، رئيسة حزب العدل والبيان، شقيقها على رأس قائمة قسنطينة. ورشح موسى تواتي، رئيس الأفانا، شقيقه مسعود، على رأس قائمة العاصمة. أما عبد الله جاب الله، رئيس جبهة العدالة والتنمية، فقد وضع زوجته في المرتبة الثالثة في قائمة العاصمة، وهي أولى النساء في القائمة، كما رشح شقيقه وابنته في قائمة البليدة التي يرأسها شقيق زوجته، وتتضمن كذلك أحد أقارب قيادي الجبهة لخضر بن خلاف. وتضمنت العديد من القوائم الحرة في الولايات، سواء المعتمدة أو الملغاة، أسماء مترشحين من عائلة واحدة، بينما قالت مصــادر لـ''الخبر'' أن الإدارة بواد سوف أسقطت قائمة أطلقت على نفسها تسمية ''حركة الحريات من أجل العدالة الاجتماعية''، كونها ''عائلية بالتمام''. الواضح أن ''الخيار العائلي''، تبنته أحزاب من مشارب مختلفة، على مثل ''الأقربون أولى بالمعروف''، وإن اختلفت مبررات قادة الأحزاب، بشأن ترشيحهم للأقارب، بينما يقول جاب الله، أن المناضلين والقواعد هم من رشحوا أقرباءه. ونفس المبرر يتردد على مسؤولي أحزاب آخرين، تعرضوا لحملات انتقاد شديدة من مناضليهم، على خلفية ''إقصاء المناضلين والاعتماد على أقارب أغلبهم غير مناضلين''، بينما تطرح تساؤلات، إن كان الدافع وراء ترشيح الأقارب، ''شح'' المناضلين أو ''ندرة'' الكفاءات، خاصة بالنسبة للأحزاب الجديدة التي ''باغتتها التشريعيات'' فاندفعت إلى ملء القوائم، إلا أن هذا المبرر لا يمكن إسقاطه على أحزاب كبيرة تقول إنها ''خزان إطارات''. الجزائر: محمد شراق
تتعامل مع البرلمان كمؤسسة للترقية الإجتماعية
أحزاب أشبه بشركات عائلية
لمدة عقود من الممارسة السياسية، لم يعرف الجزائريون زوجات الرؤساء، بدءا من الرئيس بن بلة وحتى الرئيس الحالي بوتفليقة، فقد كان اسم زوجة الرئيس طابو، ومثله زوجات الوزراء والسياسيين، لكن الأمور انقلبت بشكل متسارع في السنوات الاخيرة، وبلغ الأمر مستوى بات فيه رئيس حزب سياسي يقدم زوجته للرأي العام كمرشحة للعضوية في البرلمان.
كشفت قوائم المرشحين للانتخابات المقبلة عن حالة من التصحر بلغته الأحزاب السياسية في الجزائر، بعدما لجأ قادة الأحزاب الى تقديم أنفسهم وزوجاتهم ومقربيهم، والمقربين من القيادات الحزبية في صدارة القوائم، وكرست هذه الممارسات الصورة السيئة عن الأحزاب لدى الرأي العام، وولّدت حالة من الإحباط نتيجة أنها جعلت الترشح لصيقا بالزبائنية والولاء، ووصولا الى معيار القرابة العائلية وشكّل المعيار الأخير تطورا جديدا في الممارسة السياسية داخل الأحزاب.
وقد دفعت الحركات التصحيحية التي شهدتها مختلف الاحزاب، قادة الأحزاب الى هذا الوضع، إذ أحاطوا أنفسهم بمقربيهم من عائلاتهم تجنّبا للانشقاقات والانقسام، خاصة وأن السلطة لجأت في الغالب الى استغلال كوادر أحزاب سياسية في كسر عمودها الفقري.
وتحيلنا الترشيحات العائلية على تحول صريح في بنية الأحزاب السياسية التي بدأت تتجه الى التحول إلى ''شركات سياسية عائلية'' كما توضح التبدل الحاصل في مفهوم العمل البرلماني لدى الأحزاب السياسية، من الأداء التشريعي كمؤسسة في غاية الحساسية في البناء الديمقراطي، الى ترقية اجتماعية، يعدّ الأقربون أولى بالمعروف فيها. ولعبت الامتيازات والمكاسب التي يتمتع بها نواب المجلس الشعبي الوطني دورا كبيرا في هذا التحول.
كما يبرز هذا الوضع في الواقع تصحر العمل السياسي، وخلو الأحزاب في الجزائر، بما فيها التشكيلات ذات التمثيل من الممارسة الديمقراطية والعمل المؤسساتي والقانوني والتكوين، ومن الكوادر القادرة على خلق قوة مضادة لمثل هذه الممارسات في صلب الأحزاب، في مقابل سطوة قادة الأحزاب السياسية وفرضهم للقرارات.
وبالمحصلة، فإن طغيان الترشيحات العائلية من قبل الاحزاب في انتخابات 2012، من شأنه أن يزيد من حالة الإحباط لدى الرأي العام الذي لا يثق إلا بنسب قليلة في الأحزاب السياسية، ويعطي للسلطة هامشا من الأفضلية في كسب المواجهات السياسية مع أحزاب تدعو الى الديمقراطية ولا تمارسها. الجزائر: عثمان لحياني
الكاتب والناشط السياسي محند أرزقي فراد
''النظام حوّل السياسة إلى وسيلة للاسترزاق على حساب الأخلاق''
اللافت في الترشيحات أن قادة أحزاب قدّموا أفراد عائلاتهم وأقاربهم في قوائمهم، ماذا تقرأون في هذا التصرف؟
.. من الطبيعي أن تطغى الممارسات السياسية السقيمة، جراء غياب الثقافة الديمقراطية في مجتمعنا، فكما قيل ''لا يستقيم الظل والعود أعوج'' فإذا كان أكابر القوم في الاستبداد غارقون. فمن الطبيعي أن تظهر أحزاب ذات ممارسات منحرفة، هي إلى النِّحلة أقرب منها إلى الممارسة السياسية الصحيحة.
ويبدو لي أنه من السذاجة أن ننتظر ميلاد أحزاب واعية بين عشية وضحاها، في مجتمع مريض ينخره الفساد والفوضى، وفي دولة تخضع لأهواء الحكام المستبدين ''إحْكِيمَنْ اُونَسْعَارَا أحْكِيمْ'' بتعبير الفنان الكبير آيت منفلات الذين لا يراعون حرمة القانون والأخلاق، وأبجديات الفعل السياسي الصحيح في نشاطهم. وفي الحقيقة، فإن محاباة الأقارب في الترشح، هو فساد صغير من جنس فساد كبير اسمه الجهوية في إسناد المسؤولية السياسية.
والحديث عن موضوع إدراج بعض أقارب رؤساء الأحزاب ضمن قوائم المترشحين، يستلزم إبراز طبيعة هذه الأحزاب، كما عرّفها فقهاء السياسة. فالأصل في الحزب أن ينشأ حول مجموعة من الأفكار تشكل إيديولوجية يلتف حولها المناضلون، تعبّر عن آمال فئة من الشعب، تصلح لعرضها على الرأي العام ضمن مجموعة البدائل السياسية المقترحة القادرة على إيجاد الحلول للمشاكل التي يعاني منها الشعب.
قادة الأحزاب يفسرون هذا التصرف بأن المناضلين في الولايات، هم من اختاروا المترشحين، وأن كفاءة وشعبية من هؤلاء كانت مقياسا لانتقائهم.. ما رأيك؟
في الغالب، فإن محاباة الأقارب في الترشح السياسي، بضاعة تنتجها ''أحزاب الأشخاص''، ميزتها أنها ترتبط في تأسيسها عادة بشخصية المؤسس، لما يتمتع به من هالة كاريزمية وشخصية قوية تؤهلانه ليشكل محورا يلتف حوله المناضلون. وخاصية هذا الحزب أنه يسيّر بمشيئة الزعيم، الذي يضرب بالقيم الديمقراطية عرض الحائط، وتتحوّل على يده الهياكل التنظيمية الحزبية إلى أشكال صورية للمخادعة، فهو يمنح لنفسه كل الصلاحيات التي كان من المفروض أن توزع على عدد من الهياكل بهدف التحكم في القرارات. ويتحوّل المناضلون في هذا النوع من الأحزاب إلى ما يشبه المريدين الذين يسبّحون بحمد الزعيم.
يعتقد الكثير أن تفسخ الممارسة السياسية بالجزائر، وابتعادها عن الأخلاق، هو من أنتج هذه التصرفات، ما رأيك؟
ابتليت الطبقة السياسية عندنا بهذا النوع من الأحزاب المتشبعة بالقيم الماكيافيلية. واستفحل أمرها أكثر في المدة الأخيرة على مرأى ومسمع الجميع. ولا أتوقع زوالها على المدى القريب، لأن قيمتها في بورصة النصب السياسي جد مرتفعة، بعد أن تحوّلت إلى سجلات تجارية تحفظ مصالح الزعيم والمريدين وتسمح بتبييض الفساد السياسي المفضي إلى الترقية الاجتماعية. والحاصل أن انتعاش ظاهرة محاباة الأقارب في الترشح للمناصب السياسية مسؤولية يتحمل النظام القائم وزرَها بنسبة كبيرة، لأنه حوّل التعاطي السياسي إلى وسيلة للاسترزاق، على حساب الأخلاق والمصالح العليا للوطن. الجزائر: حاوره حميد يس
أستاذ العلوم السياسية بوحنية قوي
''ممارسات عصبوية أنجبت تنظيمات أسرية جوفاء''
يبدي مناضلو عدة أحزاب تذمرا من مرشحين تصدروا القوائم بناء على صلة قرابة والانتماء لنفس العائلة. ويقولون أن ذلك سيكون سببا في العزوف عن الانتخاب، هل هذا المبرر صحيح ؟
إن الاعتماد على صلة القرابة والانتماء لنفس العائلة في الترشيحات يؤشر إلى نمط جديد من الفساد في الممارسة السياسية، يعتمد على إعادة إنتاج نفس العلاقات السياسية التي تتوالد داخل نفس العائلات والأحزاب، وكأننا برؤساء الأحزاب يقولون لبقايا قواعدهم أنكم لستم محل ثقة لممارسة العمل السياسي. ومن هنا، فإن الاعتماد على القبيلة والعرش يؤسس لفعل سياسي أعرج، وهو يتنافى مع الممارسات الديمقراطية داخل الأحزاب، ومن يكرس هذه الممارسات العصبوية فهو يريد القول أن الأحزاب ليست هياكل للتكوين السياسي وترشيد الفعل الأخلاقي السياسي، وإنما أضحت هياكل لتنظيمات أسرية جوفاء تطبخ فيها القرارات المصيرية للحزب. إن ملمحا سياسيا سيتشكل لدى الناخبين وهو أنه لا فرق بين الحزب والعائلة والعرش والقبيلة. وفي الوقت الذي ترتقي فيه الأمم والديمقراطيات العريقة وتؤسس لقواعد المواطنة الجديدة القائمة على الولاء للوطن والكفاءة، نشهد عندنا تراجعا عن هذه المبادىء لمصالح ضيقة تغيب فيها عوامل الثقة بين قيادة الأحزاب وقواعدها. إن هذا السلوك البدائي يشير إلى عقم الطبقة السياسية عن توليد قيادات سياسية جديدة.
يقول قادة الأحزاب المعنيون بهذه الظاهرة، أن الاختيار تم على أساس الكفاءة والقبول في أوساط المناضلين. هذا مجرد ضحك على الذقون، وإذا كان ذلك حقيقة كما يزعمون، فأين كانت هذه الطاقات والكفاءات خلال الفترة الماضية؟ إن الكفاءة التي تغيب في الفترات العصيبة التي يكون الوطن بحاجة لها ولا تنشط إلا في المواسم، لن تمارس عمليا إلا التهريج. أما إذا كان الاختيار سيتم على أساس الكفاءة فتأكد أن القواعد النضالية الحزبية ستبارك ذلك ولن تنقلب على قيادتها كما نلاحظ اليوم.
هناك من يتهم السلطة بأنها شوّهت العمل السياسي في البلاد، مما أبعده عن قواعد الممارسة السياسية السليمة، وبالتالي أنتج هذا النوع من الممارسات. هل تشاطر هذه النظرة؟
لا يجب أن تعلق بعض الأحزاب فشلها وإخفاقاتها المتكررة على مشجب السلطة. هل السلطة هي من يقترح على الأحزاب ترتيب القوائم وإحلال أسماء الأقارب؟ وما هي القرائن الدالة على ذلك؟ وأين موقف القواعد؟ من المؤسف إذن القول بذلك ونحن نشاهد هذه الممارسات الحزبية السياسية داخل كثير من الأحزاب، ومنها المعتمدة حديثا وانتشار هذه العدوى في القوائم الحرة، ومن ثم تبدو ممارسة الديمقراطية الداخلية والعودة إلى القواعد في الترشيحات أحد أهم الوسائل القوية للتأسيس للممارسة السياسية السليمة.
الجزائر: حاوره حميد يس
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 07/04/2012
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : elkhabar
المصدر : www.elkhabar.com