الجزائر

قائد كتيبة الحكماء للسلام: الثورة حافلة بالمعارك المنسية روى فصولا غير معروفة عن الصراع مع المصاليين



قائد كتيبة الحكماء للسلام: الثورة حافلة بالمعارك المنسية                                    روى فصولا غير معروفة عن الصراع مع المصاليين
يكشف المجاهد المخضرم محمد شراير (اسمه الثوري محمد الصغير) عن اكتناز ثورة التحرير النوفمبرية الخالدة لعديد المعارك المنسية، في صورة أربع ملاحم كبرى شهدها محور الجزائر العاصمة – المدية – سور الغزلان.
وفي هذا الحديث الخاص بالسلام، يروي هذا الثائر الذي كان نجارا قبل أن يقود كتيبة الحكماء (الحكيمية)، فصولا غير معروفة عن صراع جيش التحرير مع قوات المصاليين، والمواجهات المسلحة التي جمعت الجانبين، ويدعو محدثنا طلائع الجيل الجديد إلى الحفاظ على الوطن الغالي على درب خمسينية ثانية أكثر إشراقا.
من هو المجاهد محمد الصغير وكيف التحقتم بجيش التحرير؟
اسمي الحقيقي “محمد شراير” من مواليد 15 مارس 1932 بالمدية، التحقت بجيش التحرير سنة 1956، واشتهرت منذ ذلك الحين باسمي الثوري محمد الصغير، كنت أعمل نجارا عند بن عثمان بالمدية، وفي أحد الأيام بدأت طائرات العدو تحوم فوقنا بطريقة إستهزائية، فقال لنا الراحل يعقوبي الذي كان مسؤول الورشة: “راكم تشوفوا فالعدو فوقكم، واش راكم تستناو باه تطلعوا للجبل؟”، قلنا له أنّه ليست لدينا علاقات مع جيش التحرير، لكنه عاد ليحفزنا على إيجاد طريقة للوصول، ومنذ تلك الساعة سكنت الفكرة وتخمّرت في أذهاننا. وبعد مرور أيام قليلة، وبينما كنت أتجول رفقة محمد لكحل في المدية، رأينا سيارة الدرك تقتاد مجاهدا أسيرا وهو مكبّل اليدين والرجلين إلى مقر الدرك في المدية على وقع سيل من الشتائم والاهانات من طرف الفرنسيين، تأثرت حينها كثيرا، ولم أنم لعدة أيام من فرط القلق والهول ورحت أبحث عن وسيلة للالتحاق بجيش التحرير وأثأر للكرامة المهدورة. وفي أعقاب تشاوري مع زميلي محمد لكحل، اتصلنا بجارنا عمر النقيس الذي رحّب بنا وساعدنا على تسهيل مأمورية الالتحاق بجيش التحرير، وقام عمر النقيس بإرسالي رفقة 14 شخصا إلى عبد القادر الدايري بسيدي نعمان، وذلك على متن شاحنة كانت محمّلة بلوازم النجارة وتوجهنا إلى تلك المنطقة دون أن يعلم سائق الشاحنة بوجهتنا الحقيقية، لنبلغ مرادنا بعدما تناولنا كسكسي بالبيض واللبن، قبل أن يتولى أحد المسبلين إيصالنا إلى جبال الفاتحة التي كان يتمركز بها رفقاء الكفاح.
ماهي أهم المعارك التي شاركت فيها وماذا عن الملاحم المنسية التي يؤكد مجاهدون أنها سقطت من دفاتر الثورة ولم ينتبه إليها المؤرخون؟
هي كثيرة، لكن أربع منها خضناها خلال أسبوع واحد في أوت 1959، لا تزال راسخة في ذاكرتي، ويتعلق الأمر بمعارك “المرّة”، “بوقعيدن”، “ديرة”، و«ميصاليصت”.
في شهر أوت 1959، زار الشهيد حميدو قائد الكتيبة الحكيمية آنذاك مجاهدي الناحية، كنا في كوخ أحد المواطنين بالمنطقة المسماة “بالكات”، وكنت رئيس فرقة حينها، وبعد النصائح والإرشادات المقدمة من طرفه، سمعنا حركة كبيرة وصوت مدفعيات الجيش الفرنسي تقترب من الكوخ، كانت قوة عظيمة، بينما اقتصرت كتيبتنا وقتئذ على 132 مجاهد.
على الساعة السابعة والنصف صباحا، انقسمنا إلى أربع فرق كل واحدة كانت مكوّنة من 34 مجاهدا، وخرجت كل واحدة منها في اتجاه مخالف، وبعد اشتباك مطوّل، نجحت إحدى الفرق الأربعة في فتح الطريق لنا، ما سمح للمجموعة التي كنت أقودها بمعية مجموعة حميدو رحمه الله، بالوصول إلى أسفل الوادي بغرض المرور لاحقا إلى جبل بوقعيدن في سور الغزلان، لكننا فقدنا 9 مجاهدين لعدم معرفتنا الجيدة للمكان المخصص لقنوات الصرف الصحي، حيث فاجأنا الجيش الفرنسي أمام منطقة أولاد خلوفي، لكننا استطعنا الإفلات منهم غداة اشتباك خفيف.
في المساء أردنا قطع المسافة الفاصلة بين منطقتي بئر غبالو وجواب، وهناك اصطدمنا مجددا بفلول الجيش الفرنسي على الساعة العاشرة والنصف، وكنا قاب قوسين أو أدنى من الوقوع في شراك المحتلين الذين كانوا على مقربة ستة أمتار منا، إلاّ أننا واجهنا قوات العدو ببسالة تحت شعار الموت خير من العثور علينا أحياء، فقمنا بقتل الكثير من الكلاب المدربة والجنود الفرنسيين في معركة تواصلت إلى ساعات متأخرة من الليل، فقدنا أثناءها 16 مجاهدا استشهدوا حرقا بعد استخدام الفرنسيين للنابالم، الأمر الذي حرمنا أيضا من الظفر بأسلحة العدو التي غنمناها.
في الصباح الموالي، ذهبنا إلى وادي المالح أين وجدنا اشتباكات أخرى بين جماعة رابح درموش والجيش الفرنسي، لم نستطع دخول المعركة بسبب العياء والجوع، حيث لم نحظ بالنوم والأكل على مدار 48 ساعة كاملة ما اضطرنا إلى تحويل مسارنا إلى ضاحية “ديرة”، هناك وجدنا أنفسنا محاصرين مجددا من طرف الجيش الفرنسي وكذا جيش مصالي، وبعد عمل منظم وطريقة محكمة قلبنا الأمر رأسا على عقب، وأصبح المتربصون بنا هم المحاصرين، وتمكّنا من أسر 7 مجندين محسوبين على جيش مصالي الذي كان يقوده بلونيس، مع الإشارة أنّ الأسرى السبعة تمّ تحويلهم إلى اللجنة العسكرية التي أمرت بإعدامهم جميعا.
كما قتلنا 5 فرنسيين واستحوذنا على أسلحة كثيرة وجهاز اتصال وراديو، مع العلم أنّ الكتيبة الحكيمية كانت تمتلك ترسانة من الأسلحة.
ماذا عن مواجهاتكم مع جيش بلونيس؟
على الثانية والنصف مساء ذهبنا إلى أولاد قمرة الموجودة ببلدية جواب، ثم عاودنا الرجوع الى سيدي مسلم بسور الغزلان، التي كانت بمثابة معقل جيش المصاليين بقيادة بلونيس الذي كان يسيطر حتى على مدينة المسيلة، ودأب على تأليب الناس ضدنا.
وحاول بلونيس وأتباعه الانتقام لأصحابهم، بقيادة عمر لعور، حيث سعى الأخير لقتلنا بواسطة الخداع، لكن حراس المعسكر تفطنوا للمكيدة، ونشبت بيننا معركة دامية، قتلنا حينها 14 من المصاليين، بينما فرّ عمر لعور، واستحوذنا على أسلحة كبيرة يومها، استخدمناها في تسليح عدد هائل من المسبلين لاستخلاف الشهداء رحمهم الله.
ما هي الذكرى الثورية التي بقيت راسخة في ذهنك وتفتخر بها كثيرا؟
هي من دون شك، العملية التي قتلت فيها الضابط الفرنسي توتو الذي كان يقطن بمدينة سور الغزلان، وفشل المجاهدون في قتله خلال عديد المرات بسبب قربه من ثكنة الجش الفرنسي وامتلاكه أسلحة ثقيلة، لكني عقدت العزم آنذاك على النيل منه.
وبفضل الله، قمنا بجمع معلومات بشأنه من طرف عماله في المزرعة، حيث يقوم بجلب الأموال كل خميس لتسديد أجور مستخدميه، وعليه استبقنا الموعد، إذ توجهنا فجر اليوم المذكور إلى مكان مقابل لمنزله، وأمرت بتموقع المجموعة هناك، وخرج توتو صباحا من منزله ونادى سائقه واثقا: “أحمد ما كاش الفلاقة اليوم خرّج السيارة”، كان يحسن العربية الدارجة وكان يملك سيارة من نوع 403 رمادية تركناه يذهب ولدى رجوعه للمنزل على الساعة الحادية عشر صباحا نزل من السيارة ووقف وقال له متهكما: “الفلاقة ما يجوش خص مواتهم يخافوا مني”، في ذاك الحين أعطيت الإشارة للمجاهدين العيد والبشير سلطاني وآخر، قتلناه هو وسائقه، حاولنا العودة به حيا لكننا لم نستطع، وبعد موته قام الطيب الجغلالي قائد الناحية الرابعة والحاج بن رقية، بإهدائي حصانا أبيضا ومذياع من النوع الجيد كتكريم لي على تخليصي الجزائر من توتو.
كيف هو شعوركم لدى خوضكم المعارك؟
كنا ننتظر العدو الغاشم بفارغ الصبر، وينتابنا ونحن ذاهبون إلى المعارك شعور خاص جدا، حيث كنا نستحضر رحلة الكفاح منذ ثانيتها الأولى، وكنا نستذكر باعتزاز شديد أولئك الأبطال الذين استشهدوا فداء للوطن والحرية وردّ الاعتبار. لا أخفيكم أنّ بعض الخوف كان ينتابنا، لكنّه وبمجرد إطلاق أولى رصاصة وترديدنا بحماس “الله اكبر - الجهاد في سبيل الله والوطن”، كان كل شيئ يزول والعزيمة تزيد وتتضاعف”.وغداة كل معركة كنا نستعيد شريطها ونتحدث عن الشهداء الذين فقدناهم.
كيف تجدون الجزائر اليوم بالتزامن مع الاحتفالات بخمسينية الاستقلال؟
الحمد لله، سعيد ببلادي الحرة المستقلة التي أطاحت بالاستعمار وكسرت شوكة رابع قوة عسكرية في العالم قبل نصف قرن، فالخلود لشهدائنا الأبرار. أريد أن أشدّد على أننا جاهدنا في سبيل الله وليس من أجل المادة أو الرياء، وسعادتي لا توصف حينما أرى العلم الوطني يرفرف، إنّه المجد بعينه. لذا أنصح وأوصي الشباب بالحفاظ على وطننا الغالي والوقوف ضدّ المفسدين، لأنّ الحرية افتككناها ولم يتصدق بها أحد علينا، والثمن كان غاليا بأرواح مليون ونصف المليون شهيد سقوا بدمائهم الطاهرة هذه الأرض المعطاء، وأنا جزائري أفتخر بهذا ومستعد لخدمة الوطن في أي وقت.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)