الجزائر

فيما أكدت استعدادها لمرافقة البلد لتحقيق التوافق الوطني الجزائر تعرض تجربتها على مالي في مجال تنظيم الانتخابات



أكد مصدر دبلوماسي استعداد الجزائر لمرافقة مالي في مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية التي تجرى اليوم بهذا البلد الشقيق من أجل الوصول إلى توافق وطني بين مختلف الأطياف المالية، مضيفا في تصريح ل«المساء"، أمس، أن الجزائر عرضت تجربتها للمسؤولين الماليين وممثلي المجتمع المدني لهذا البلد حول تنظيم الانتخابات.وقال المصدر إن المسؤولين الماليين الذين زاروا الجزائر في الفترة الأخيرة أبدوا إرادة كبيرة للاستفادة من التجربة الجزائرية في مجال تنظيم الاستحقاق، الذي من شأنه أن يرسم بعض الآفاق الواعدة للمستقبل السياسي لهذا البلد الذي يعيش حالة اللااستقرار منذ أشهر، مشيرا إلى أن تنظيم هذه الانتخابات أمر لابد منه في المرحلة الراهنة، كونه من شأنه أن يعبد الطريق أمام جهود الحل السياسي الذي كثيرا ما دعت إليه الجزائر منذ بداية الأزمة.
وإذ جدد المصدر موقف الجزائر القاضي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، فإنه أكد استعداد بلادنا لتقديم المساعدة لهذا البلد لاسيما بعد مطالبة الماليين أنفسهم الجزائر بلعب دور لحل الأزمة وتحقيق المصالحة الوطنية بين الماليين، مضيفا أن بلادنا لن تقصر في تقديم يد العون من أجل ضمان الأمن والاستقرار في هذا البلد.
وفي هذا الصدد، أوضح مصدرنا أن هناك حقيقة طلبا ماليا من أجل أن تقدم الجزائر مبادرة لإطلاق مشروع مصالحة في مالي، مجددا استعدادالجزائر للإسهام فيها في ظل احترام خصوصيات المجتمع المالي، غير أنه أشار إلى أنه من السابق لأوانه الحديث عن هذا الموضوع الذي يحتاج إلى دراسة وإشراك بعض الأطياف المالية من أجل صياغة مشروع مصالحة يحظى بالإجماع في هذا البلد.
وكانت الجزائر قد أكدت عقب اختتام الاجتماع الوزاري لدول الميدان (الجزائر-مالي-النيجر-موريتانيا) المنعقد ببلادنا نهاية جوان الماضي استعدادها لمساعدة دولة مالي بكل ما في وسعها حتى تمكنها من إجراء الانتخابات في أحسن الظروف. مشيرة إلى أن الوضع في هذا البلد في طريقه إلى الاستقرار، كونه بدأ يسترجع هدوءه وأن وحدته الترابية لم تعد عرضة للتهديد، وهو يتجه نحو استكمال مساره الدستوري.
وبرز حرص الماليين على إشراك الجزائر في حل أزمتهم من خلال سلسلة الاجتماعات التي شاركوا فيها والتي خصصت للوضع في بلادهم، كما هو الشأن للندوة الدولية لتضامن المجتمع المدني لبلدان الساحل مع الشعب المالي التي احتضنتها بلادنا شهر ماي الماضي والتي أكدت على أهمية الحل السياسي لحل الازمة، بعد أن تبين أن التدخل العسكري لم يسهم إلا في تعقيد الأمور لاسيما على المستوى الإنساني.
ومن هذا المنطلق، أبدى ممثلو المجتمع المدني بمالي وعيا بالمخاطر المحدقة ببلدهم وأيدوا طرح الجزائر في معالجة الوضع، وهو ما تجلى في إشادتهم بمواقف الجزائر التي تحمل رؤية جدية وواقعية في التعاطي مع الأزمة، وأجمعوا في هذا الصدد على أنها -أي الجزائر- تبقى مفتاح حلها لكونها ساعدت هذا البلد في أصعب المراحل وفي شتى المجالات.
وتيقن الماليون أخيرا بأن كل الحلول التي وضعت لحد الآن لم تكن لها التأثيرات المنتظرة وأن الحوار يبقى الطريق السلمي الوحيد لكل أبناء مالي من أجل استقرار حقيقي للبلد. ولن يتأتى ذلك إلا من خلال إشراك كافة أطياف هذا البلد في تقديم أفكار لتسوية الأزمة، وبإشراك دول الجوار أيضا كون هذه الأزمة لها انعكاسات سلبية على المنطقة ككل في حال ما إذا لم يتم تشريح الوضع بكافة أبعاده في ظل نظام اقتصادي عالميأثبت فشله في تجاوز الأزمة التي تعصف بالعديد من البلدان، من خلال تشجيع الحرب بالوكالة في بعض الدول.
ولطالما نبهت الجزائر إلى مخاطر غياب هذا الحوار، في وقت وجه لها اللوم بسبب صمتها في التعاطي مع هذه الأزمة وهي التي تتمسك بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
وتتمثل المقاربة الجزائرية في معالجة أزمة مالي في ثلاث نقاط، الأولى أن يكون للماليين دور محوري في البحث عن حلول لمشاكلهم والثانية أن تتفق الأطراف الفاعلة في المجتمع الدولي على أجندة واحدة ومسار أوحد لجهودهم، يأخذ بعين الاعتبار إرادة الماليين وصلاحيات المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وكذا مصالح الأمن الوطني لدول الميدان المجاورة لمالي (الجزائر والنيجر وموريتانيا). أما النقطة الثالثة فتتلخص في ضرورة التوصل إلى حل سياسي تفاوضي لتفادي أي انزلاق يجر معه الأطراف التي تنبذ بشكل صريح الإرهاب والجريمة الدولية المنظمة وترفض أي مساس بالسلامة الترابية لمالي.
وتأتي هذه الرؤية الواقعية للجزائر في سياق استقراء تداعيات اعتماد الخيار العسكري كحل أوحد لا سيما وأن تجارب عدة دول أثبتت عدم نجاعته، ويتجلى ذلك من خلال الإفرازات الخطيرة التي انعكست على دول الجوار، بل يمكن القول أن الازمة الليبية قد كانت بمثابة البنزين الذي أوقد الفتيل في مالي، وهي التداعيات التي كثيرا ما حذرت منها الجزائر.
وبما أنها قد عانت من ويلات الإرهاب فإن الجزائر تدرك جيدا العوامل التي تساعد على تقوية شوكة هذه الظاهرة العابرة للحدود، حيث كثيرا ما كانت تضع حواجز لمنع تنامي الآفة من خلال تقديم هبات مالية لدول الساحل من أجل تحسين الظروف المعيشية لسكان المنطقة، فضلا عن مساعيها الدبلوماسية في حل مشاكل مالي كما هو الشأن لرعايتها لاتفاق الجزائر الموقع سنة 2006 بين الحكومة المالية ومتمردي الطوارق في شمال البلد والذي يتضمن حلولا للمشاكل المطروحة بين الجانبين، قبل أن تعصف به التطورات الأخيرة في هذا البلد بسبب عدم الالتزام به.
وأمام هذه الجهود التي يسجلها التاريخ فإن الماليين مازالوا يقرون بدور الجزائر في مساعدة بلدهم، حيث يمكن الاستشهاد بتصريح إبراهيم بوبكار كيتا المترشح للانتخابات الرئاسية المالية، حيث قال "أمام الاستعمار الذي يهدد السيادات الوطنية، الجزائر ستبقى رمزا لشجاعة وكرامة شعوب إفريقيا والعالم".


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)