قدم مالك بن اسماعيل، أول أمس، بالسينماتيك، فيلمه الجديد «الصين لاتزال بعيدة»، مستعرضا فيه بعض مسائل الهوية والتاريخ والتحولات التي عرفها مجتمعنا، وحمل الفيلم نقدا لبعض الظواهر السلبية، ولكنه في المقابل أيضا، تضمّن قراءة أخرى لتاريخنا الثوري.
تدور أحداث هذا الفيلم الوثائقي في قرية «غسيرة» في قلب الأوراس التي انطلقت منها شرارة 1 نوفمبر 1954، حيث عاش المخرج المتأثر بالسينما الإيطالية الواقعية في القرية، وسجل يومياتها خاصة بمدرسة القرية التي بنيت في العهد الاستعماري والتي تستقبل أطفال المنطقة من بنين وبنات.
يعود المخرج بالذاكرة إلى الشرارة الأولى للثورة، وفيها تمّ قتل معلم فرنسي بالمدرسة كان هو وزوجته بالحافلة، كما قتل القايد، وانخرطت المنطقة في الثورة تحت لواء جبهة التحرير، وقادها الشهيد مصطفى بن بولعيد، الذي خطط للكثير من العمليات العسكرية.
طرح الفيلم لم يكن بريئا مائة بالمائة، إذ وكأنّه اتّهم الثورة باستهداف المعلمين الذين كانوا يقدمون رسالة إنسانية للمجتمع حينها، الفيلم عرض شهادة منفذ هذه العملية، الذي أكد أن أوامر الشهيد بن بولعيد كانت تفرض تجنب المدنيين.
بعد 50 سنة يعرض هذا التاريخ ويحمل المخرج كاميراته ليسأل أهل هذه القرية عن التاريخ والحرب ويسألهم عن فرنسا، ويحاول الفيلم طمس الماضي ليطلق العنان للحاضر الذي يبدو بائسا بلا قيم ولا روح ولا تحضر، لم يكن من المتوقع أن يستحضر بعض تلاميذ المعلم الفرنسي الذي قتل خلال الثورة، لقد أصبحوا اليوم في سن تجاوزت ال 80 يتذكرون ذلك “المعلم الشهم” الكفء الذي أحبهم كأبناءه كذلك الشأن مع زوجته المعلمة التي أصيبت برصاصة في رجلها.
لقد كانت -حسبهم- “ملاكا لم يروا ابتسامتها من قبل أو من بعد”.
يسجل الفيلم احتفالات القرية بذكرى أول نوفمبر، وكيف أن بعض المجاهدين احتجوا على عدم تسجيل أسماء بعض الشهداء في اللوحة التذكارية، وتتوالى اليوميات في القرية خاصة في المدرسة ما بين قسمي العربية والفرنسية، في قسم العربية مثلا يقدم المعلم دروسا عن تاريخ الثورة وعن الهوية والجزائر، ويتجاوب الصغار أحيانا معها، في حين أنهم لا ينتبهون إلى هذه القيم ويفضلون اللعب وسرعان ما يخرجون متجهين نحو الوادي أو إلى الشعاب لينطلقوا.
أمّا أستاذ الفرنسية أكثر لطفا مع الأطفال، لايثير قضايا التاريخ والهوية،
يجد هؤلاء الأطفال ظالتهم في اللعب والمرح وأحيانا في العنف، وكانت تبدو على بعضهم مظاهر البؤس والفقر.
شخصيات أخرى ظهرت في الفيلم، منظّفة المدرسة البائسة التي تشتكي حال المرأة في القرية، كذلك “ليميڤري” المولوع بجمع تراث منطقة الشاوية، وجذب استثمارات السياحة لكنه يصاب بالإحباط.
الفيلم نقد لاذع للواقع، ويستعمل أسلوبا فجّا وغير بنّاء، خاصة في قضايا الهوية واللغة، على خلفية تفضيل الدارجة على الفصحى مثلا. على العموم يبقى الفيلم وجهة نظر للمخرج كان له كامل الحرية في طرحها، لكن الملاحظ هوالتشكيك في إنجازات ماحققته فترة الاستقلال خاصة في مجال التعليم، حيث يلاحظ مدى تحفظ المخرج من “التعريب” مثلا،.
من جهة أخرى، فإنّ الفيلم يحمل نبرة تشاؤم وهو ما يفسرعنوانه، بأن الصين لا تزال بعيدة، يشار فقط إلى أنّ قضية مقتل المعلم الفرنسي جاءت في إحدى مؤلفات المفكر الفرنسي «إيف كوريير» وهو ما يؤكد تشويه ثورة التحرير وحقائقها، المخرج بن اسماعيل من مواليد قسنطينة سنة 1966، كل أفلامه الوثائقية خاصة بالذاكرة، يستخدم السينما للمراهنة على المواطنة والديمقراطية، علما أنّ فيلمه هذا حصد عدّة جوائز دولية، كما أنه دعم ماليا من طرف مؤسسات أوروبية وقنوات تلفزيونية فرنسية.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 26/02/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : مريم ن
المصدر : www.el-massa.com