الجزائر

فيروس الوساطة ينخر المجتمع الجزائري



مرض اجتماعي تتعدد سلبياته
فيروس الوساطة ينخر المجتمع الجزائري
تحولت الوساطة أو المعريفة إلى ممارسة راسخة في المجتمع الجزائري حتى أنها أضحت سلوكا سلبيا يُنتهج في ابسط المواقف التي من الممكن للشخص قضائها دون أي تدخل من أحد لكن شيوع المعريفة في مجتمعنا غيّر الذهنيات وأفسد طباع الناس وعلى الرغم من أوجهها السلبية من خلال الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص والمساس بحقوق الآخرين بما يتناقض مع مبادئنا الإسلامية وأعرافنا الاجتماعية الا ان دائرتها لازالت تتسع حتى أضحى من لا يمتلك وساطة يعجز عن قضاء أبسط مشاغله بحيث تحولت إلى ظلم وجور والمدهش أن البعض يستسهلونها ويفسرونها بلفظ مجاملة للطرف الآخر بغرض تحسين الصورة.
أسماء غناي
الوساطة كلمة تتردد في مجالسنا ومكاتبنا وحواراتنا والكل تقريبا يستنكر التوسط وإعطاء من ليس له حق في الوظيفة والتعيين والفائدة المعنوية والمادية وكلنا ننادي بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب ولكننا في الجانب الآخر نمارس عكس مانعلن بوعي أو بدون وعي.. وحتى لو لم نكن بحاجة للتوسط والأمثلة كثيرة.. فالأستاذ الجامعي يعاني من ضغوط الأقارب والمعارف لكي يساعد الكثير من الطلاب وفي أحيان كثيرة أن هذا الطالب الذي تم التوسط له لا يحتاج هذه المساعده اصلا وقد تكون بين حشود المنتظرين في إحدى الدوائر الحكومية أو المستشفيات أو احدى المؤسسات الخاصة ثم يأتي أحدهم متأخرا ويدخل قبل الجميع وقد يتقدم المئات لوظيفة معينة ويحصل عليها احدهم عن طريق معرفته بأحد المديرين أو المسؤولين عن التوظيف ويحصل الطالب غير المهتم على درجات تفوق جهده الذاتي ولا يستحقها وهي كلها مواقف روتينية يصادفها البعض في حياته وفي مجالات مختلفة.
وصول على حساب الآخرين
فعندما تغيب المبادئ والقيّم الأخلاقية يصبح المحظور مباحا وتصبح العلاقات الإنسانية تحكمها مبادئ المصلحة وسلطة القوي التي خدمت الكثيرين في مواجهة مواقفهم الحياتية إلا أنها في المقابل شكلت عاملا مهددا لسلامة المجتمع وتطوره خاصه أنها خلقت واحدة من الظواهر السيئة التي تغلغلت في مجتمعاتنا الاسلامية وأصبحت أمر ضروري في أي لحظة يكون فيها الفرد له رغبة في الوصول على حساب الآخرين ولهذا يبقى السؤال مطروح هل ستمحى الوساطة من قاموسنا الأيام القادمة أو على الأقل هل سنتمكن من وضعها في نطاق ضيق ويحصل كل منا على حقوقه؟
محاباة واستغلال النفوذ
ثقافة الوساطة التي صنفت من الفيتامينات الأكثر فاعلية في المجتمعات ليست حكرا على الموظف الكبير فحسب بل حتى الموظف الصغير على رغم تصنيفها ضمن أسوأ جرائم استعمال السلطة الوظيفية إذ أن الواسطة في جوهرها محاباة الأقارب والأصدقاء و تفضيلهم بسبب قرابتهم لا كفاءتهم وتوظيفهم على رغم وجود الأكثر كفاءة.
وفي هذا الصدد يرى الخبراء الاجتماعيين أن الكثير من الأفراد لا يجدون أي حرج في استخدام معارفهم لقضاء حاجاتهم في حين أن هناك في الاتجاه الآخر مناصري المساواة وإعطاء كل ذي حق حقه ويرون فيها المرض الاجتماعي المزمن الناتج عن ضعف في تطبيق القوانين ومحاربة هذا الفيروس الخطير الذي ينخر المجتمع الجزائري وهو كذلك مرض نفسي يكتسبه الفرد باحتكاكه اليومي في المعاملات الإدارية واعتباره أمرا مسلما به محاولة منه للوصول لمبتغاه مختصرا بذلك الوقت والجهد بدون الأخذ بعين الاعتبار انتهاك حقوق الإنسان.
المعريفة مرض متفشي في الجزائر
إلا أن الحقيقة التي لا يمكن نكرانها هو أن المرض تفشى في أوساط المجتمع الجزائري خاصة عندما يحرم أصحاب الحق في الحصول على فرصهم وتصبح الوثائق والمواعيد تعجل في قضائها لأصحاب الوساطة أو ما يصطلح عليه في اوساط المجتمع الجزائري بمصطلح المعريفة . وفي ذات الإطار تبادلنا الحديث مع مجموعة من الأشخاص حول نظرتهم للوساطة وتقييمهم لحجم المشكلة في الجزائر حيث أكد أغلبيتهم أنها خيبت آمال الكثيرين من الشباب الكفء وذلك بإعطاء مناصب لمن لا يستحقونها وغير قادرين على تحمل مسؤوليتها حيث يقول سفيان وهو متخرج جامعي نحن على علم أن المحسوبية أصبحت تحكم معظم مؤسسات الدولة بميادينها المختلفة التعليمية والادارية والثقافية والاقتصادية وما علينا إلا أن نتعايش مع هذا الواقع الذي بات يزيد من تخلف المجتمعات وهذا ما نلاحظه اليوم لدى الكثير من المتحصلين على شهادات عليا ليس بمقدورهم صياغة جملة صحيحة وهذا أمر مؤسف خاصة إن كان صاحب منصب مهم في المجتمع .
اما الآنسة حنان فتاة جامعية تحضر لشهادة الماجستير تقول بالرغم من أنني على علم أن القائمة وضعت مسبقا إلا أنني أجرب حظي فلربما أكون واحدة ضمن قائمة الناجحين رغم سلطة الوساطة التي أصبحت حاكما مستبدا وطاغي حتى في مقاعد الدراسة بحيث نجد في قوائم الناجحين صعود من لا يستحقون ونجاح طلبة كان مصيرهم الرسوب لضعف مستواهم العلمي لكن وساطتهم هي من سهلت لهم الأمر .
الوساطة لم تتوقف عند حد الظاهرة فقط بل تخطت ذلك بكثير حتى أصبحت طريقة في الحصول على وظيفه أيا كان موقعها وهو ما أدى الى ضياع حقوق الموهوبين وأصحاب الحقوق الذين لا يعرفون وزيرا أو مديرا فهي تؤدي إلى وقوع المجتمعات في دائرة الفساد الإداري والمالي وانتشار الفساد بشكل أسرع من ذي قبل وأيضا سوف تؤثر في فئات الشعب كافه وتكوين فكره المحسوبية في أذهان المواطنين.
سبل القضاء على الوساطة
هناك الكثير من الحلول للتخلص من ظاهرة الوساطة ومنها العمل بنظام الوظيفة بالمنافسة للتخلص منها فيما يخص أمر التعيينات وتفضيل شخص عن الاخرين وأيضا هذا النظام يمكننا من إرجاع الحق لأصحاب الكفاءة العلمية والتخصص الصحيح ومن الحلول الأخرى محاولة وضع قوانين صارمة فيما يخص ظاهرة المحسوبية ومن يعمل بها لكلا الطرفين لمحاولة التخلص منها وكذلك الرقابة الشديدة على المؤسسات والدوائر الحكومية والتعيينات ويكون دور الاعلام كبير في القضاء على المحسوبية من خلال وضع برامج و ارشادات لتوعية الناس وتعريفهم بالاخطاء التي يقومون بها و كيفية الابلاغ على حالات مشابهة.
ولحل هذه الظاهرة والتقليل من انتشارها لابد في البداية من النظر في أصل وأساس المشكلة فالقرار بأيدي الجميع فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم لما فيها من ظلم وإضاعة لحقوق الغير فأولا لا ترضى بأن تحصل على شيء بدون جهدك الذاتي بدون طلب عليه وبدون انتظار هذه الأمور تجعلنا دائما نشعر بلذة إنجاز ما نحصل عليه مهما كان الحصول عليه صعبا من جهه اخرى يجب متابعة الموظفين بالتوعية والارشاد كتنظيم محاضرات وندوات توعوية في الاماكن التي تنتشر فيها هذه الظاهرة ايضا وضع لوائح ارشادية و ملصقات تذكيرية تمنع من التعامل بالوساطة و التوعية الاعلامية و سن قوانين و عقوبات تدين من يتعاملوا بالوساطة للطرفين و أيضا غرس مفاهيم المساواة و عدم التفضيل بين الاخرين بغض النظر عن دينه وعرضه و جنسه.
الوساطة ظاهرة سلبية موجودة بيننا ولا يمكن انكارها وتتجسد في الكثير من الصفات التي تختلف في تسمياتها إلا أنها تتفق في مضمونها وعلى الرغم من أن التفسيرات للوساطة تختلف من شخص لآخر فالبعض يسميها مساعده أخوية أو مجاملة أو محاباة بينما يصر آخرون على أنها ليست إلا نوعا من أنواع المحسوبية أو اعطاء الحق لمن لا يستحق إلا أن انتشارها في مجتمعاتنا أصبح داء إجتماعي سبب الكثير من المشاكل والمصاعب حيث تحولت الى ضرورة حياتية لا يمكن في أحيان كثيرة أن تتم أي معاملة أو مصلحة مهنية دون اللجوء إليها.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)