الجزائر

فيدرالية فرنسا ساهمت كثيرا في إنجاح الثورة وانتزاع الاستقلال



فيدرالية فرنسا ساهمت كثيرا في إنجاح الثورة وانتزاع الاستقلال
أكد المجاهد أبرسيان محند البالغ من العمر 83 سنة، الذي أنجبته قرية تمعسيت ببلدية أغريب (دائرة أزفون)، أن فيدرالية فرنسا ساهمت بشكل كبير في إنجاح الثورة ونيل الاستقلال، موضحا أن الحصول على الحرية كان بتضافر جهود الجميع، لاسيما الشعب الذي ذاق الذل والمعاناة والحرمان والتعذيب وغيرها، حيث يقول: «يجب ألا ننسى أن الدور الكبير لنجاح الثورة كان بفضله، حيث ساندها بكل ما يستطيع من حيث توفير الأكل، الدواء، الملابس، جمع معلومات، إيواء المجاهدين وغيرها». مؤكدا أن فيدرالية فرنسا قامت بمهمتها وبنسبة 80 بالمائة من العمل الثوري، ولم تتأخر عنها، بهذا افتتح المجاهد دا محند الذي استقبلنا بمنزله، حديثه مع «المساء»، حول نضاله في صفوف المجاهدين، حيث قال: «إن النضال إبان الثورة كان بطرق مختلفة، فمنهم من قام بالتكتم على أسرار المجاهدين وآخر بتوفير متطلباتهم، فيما تكفل آخرون بجمع المعلومات وغيرها، فهو بذلك جاهد من أجل الاستقلال».وبعدها أخذ المجاهد يسرد علينا ما عاشه إبان الثورة، حيث قال: «ذهبت إلى فرنسا عام 1949، مثل كل شاب يبحث عن عمل، لأقرر العودة إلى أرض الوطن، ثم بعدها العودة مجددا إلى فرنسا. وأثناءها، كان المجاهد عمر أومزيان حاضرا فوجد أبي يبكي، وحاول أن يستفسر الموقف، وقلت لهما بأن عودتي هذه لن تكون مثل الأولى، وفعلا، بعد مرور فصل الشتاء، عدت إلى فرنسا عبر الباخرة التي كانت حينها وسيلة التنقل الوحيدة، وذكر المجاهد أنه بدأ مهمته في صفوف المجاهدين، وكرجل، يسعى إلى خدمة وطنه بروحه. فعندما أوكلت له مهمة نقل رسالة إلى المجاهدين بفيدرالية فرنسا التي قام بخياطتها على إحدى أطراف سترته، يقول؛ «أتذكر يومها المجاهد عمر أومزيان والشهيد أوعزوق اللذان قالا لي؛ هل ستكون في مستوى المسؤولية الملقاة عليك، فهذه الرسالة تحمل أسرارا كبيرة وإن وقعت في يد العدو سيكون مصيرنا الهلاك حتما»، وفعلا، رغم صغر سني أنذاك، كنت أتميز بالذكاء، وهو ما كان المجاهدون إبان الحرب يعترفون به، فقد استطعت أن أوصل الأمانة إلى أصحابها وفقا للخطة، أي المكان والساعة، وكان اللقاء في مقهى بباريس، ثم الانتقال إلى مقهى آخر لتفادي أي طارئ، وهناك سلمت الرسالة للمدعو راجب بلقاسم الذي ينحدر من مدينة الأربعاء ناث ايراثن، وآخر يدعى صالح الوانشي، وهما من إطارات «فيدرالية فرنسا».وأضاف المجاهد؛ «كانت هذه بداية نشاطاتي في صفوف المجاهدين، حيث تسلمت سلاحا وتلقيت تعليمات بالعمل دون محاولة معرفة من يكون المتعامل معه. المهم أن تنجز المهمة والهدف واحد، وكنت أعمل بأمر من المدعو سي احمد الذي كان قائد فرقتنا، ثم أوكلت لي بعدها مهمة جمع التبرعات واستطعت حينها جمع 120 فرنك فرنسي أرسلتها إلى الجزائر لإعانة عائلات الشهداء والمجاهدين، الفقراء وغيرهم»، موضحا؛ «كنا نعمل على جمع 500 فرنك لكل ولاية»، مشيرا إلى أن نجاح العملية كان بمساهمة الآباء البيض من خلال نقلهم لوثائق خاصة وأموال إلى الجزائر.وأضاف المجاهد؛ «كنا نعمل ضمن مجموعة واحدة، لكن المهام تختلف حتى لا يتسنى لأحد معرفة الآخر، بغية ضمان السرية التامة التي كانت وراء نجاح الثورة، كما قام بعدة عمليات رفقة المجاهد ازقاغ محند وآخرين، لكنني طلبت من المسؤولين أن أنجز مهامي لوحدي كون هذا الأخير كان يثير الانتباه بحركاته وتصرفاته، رغم تنبيهي له عدة مرات، ذلك أن حركة غير محسوبة ستكشف عن كل خططنا، حيث كنا نعمل وفق خطة، فحتى الحديث والمخالطة كانا ممنوعين، لما يتطلبه عملنا ومهمتنا ومن يخالف الأوامر يعاقب.وبفضل النجاحات التي حققها المجاهد في مهامه، تم نقله إلى فرقة «الصدمة» التي كان يقودها سي احمد، حيث يشير إلى أنه عمل معه بشكل منظم ومحكم إلى غاية 24 ماي 1957، عندما ألقت فرنسا القبض على المجاهد في الشارع، وقتها كان يهم للقيام بعملية، لكن فاجأته القوات الفرنسية عند مداهمة المكان. وأضاف بأنه حاول إخفاء سلاحه من نوع «ريفولفير س635»، لكن شخصا شاهده وكشف أمره للقوات الفرنسية، ليتم بعدها اقتياده إلى المركز السري للقوات الفرنسية، حيث حاولت بشتى وسائل التعذيب أن تتحصل على مخططات المجاهدين، لكن المجاهد صمد ولم يبح بكلمة واحدة، فيما قام بذكر أخبار كاذبة، حيث أخبرهم بشأن السلاح أنه اشتراه بشكل غير قانوني من أحد محلات باريس، فتنقلوا إلى المكان للبحث عن البائع المزعوم، لكنهم لم يجدوه، وفيما يخص أسماء المجاهدين، أدلى المجاهد بأسماء غير موجودة في مناطق ومواقع غير موجودة، وأمام هذا الوضع الذي لم يعجب فرنسا، ومن شدة الغضب لعدم التأكد من صحة ما أخبرهم به المجاهد، أمر القائد العسكري الفرنسي بتعذيبه بأقصى شدة، ليفقد خلالها إحدى الخصيتين، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد أدانته المحكمة العسكرية الفرنسية بعقوبة الإعدام والأعمال الشاقة، بعد مثوله أمام المحكمة العسكرية 9 مرات، حيث حاول القاضي المدعو «بيراز» بكل الطرق أن يتحصل على كلمة من المجاهد الذي كان دائما ينكر وينفي أنه مجاهد ويعرف المجاهدين، حيث قال: «كانت كلمتي نفسها في كل جلسة».وعين لي محام يدعى جورج تواتي (يهودي) للدفاع عني، إلا أنني كنت لا أثق فيه إلى أن أخبرني الأستاذ بن عبد الله أنه حتى وإن كان أجنبيا، لكنه يعمل وفقا للقانون، فلا يخشى أي شيء، وقال المجاهد: «لقد بقيت في المركز أربعة أيام، وبعد التعذيب بشتى الوسائل، حولت إلى سجن «كلير أوب»، حيث بقيت حوالي 13 شهرا، وهناك التقيت بسجناء تم توقيفهم على خلفية مظاهرات ماي 45 وبقيت هناك رفقة 6 مجاهدين، لكن قوات الاستعمار قامت بتفريقنا، حيث وضعت كل سجين لوحده حتى لا يتم التواصل بيننا».وأضاف المجاهد: «لا أزال أتذكر حادثة تركت بصمة في ذاكرتي، وقعت لي في هذا السجن، حيث قدمت لسجين حصتي من الطعام، مما أثار غضب الحارس وقام بمعاقبتي مدة 15 يوما داخل غرفة أرضيتها مليئة بالماء، ظلماء لا توجد بها سوى نافذة صغيرة في السقف، إنه فعلا مكان مخيف قد يجن من لا يستطع أن يتحكم في هدوئه، إذ تتبادر إلى ذهنك أشياء جنونية من شدة الوحدة والانعزال، فقد كنت لا أفارق تلك النافذة الصغيرة التي كانت أملي في البقاء حيا، ثم حولت إلى سجن «ليل دوين» الذي لا يمكن لأي كان الفرار منه، كونه يقع وسط البحر وبالمياه المحاطة به تيار كهربائي، فمحاولة الفرار يعني الهلاك الأكيد. وأضاف؛ «لقد كنت في هذا السجن رفقة صحافيين فرنسيين ناهضوا سياسة فرنسا الاستعمارية في الجزائر وساندوا الثورة الجزائرية، منهم جون، غودا، صالون وغيرهم». وذكر أنه دخل رفقة مجموعة من المجاهدين في إضراب عن الطعام، و«كانت نجاتنا غير أكيدة»، فقد كنا، يضيف المجاهد، نشرب الماء الساخن لمدة أسبوع حتى لا تفسد أمعاؤنا وتتعود شيئا فشيئا على الطعام، مشيرا إلى أنه بقي في السجن من عام 1957 إلى غاية وقف إطلاق النار سنة 1962، حين سقط الحكم بالإعدام.وأضاف؛ «لم نستمتع بفرحة الاستقلال، لقد كنا، رغم الإعلان عن وقف إطلاق النار، تحت رحمة الخوف الذي كان يتربص بنا، لاسيما أمام محاولات المنظمة السرية الفرنسية «ال أو أس» اغتيال أية محاولة معادية لفرنسا، كما كثر حينها التجسس في السجون، وقال: «أتذكر في أحد الأيام، تملكني الغضب..»، وفي استرجاعه لتلك الذكرى التي امتزجت بشعور الفرحة كونه يرويها لنا في ظروف تملأها الحسرة والألم باستعادته لذكريات، ذاق خلالها الويلات على أيدي القوات الفرنسية التي لم تعرف الرحمة والشفقة، حيث قال؛ «بينما كنت في ذلك السجن، كنت أرى عبر فتحة صغيرة من الباب حركة الذهاب والإياب، فقلت في نفسي؛ كيف أن الكل حر ما عدا أنا؟»، ويقول المجاهد وهو يبتسم؛ «لقد ظننت أننا أحرار وأنني هناك منسيا، من شدة الفرحة، لكن في الحقيقة كان وراء الباب جنود فرنسيون، فتأكدت من ذلك بعدما كسرت الباب وخرجت، ليتم معاقبتي بأسوأ عقاب». كما التقى حينها؛ بن بلة، آيت أحمد، خيذر، لزهر ولشرق الذين وقعوا في مكيدة، بينما كانوا في طريقهم إلى تونس للتفاوض مع فرنسا.وبعد خروجي من السجن، يقول المجاهد؛ «تزوجت وأنجبت 3 بنات و4 ذكور»، ليختم كلامه بأن خدمة الوطن لم تتوقف عند الجهاد من أجل إخراج العدو ونيل الحرية فقط، وإنما استمرت من أجل بنائه، فلقد ناضلت في وزارة النقل إلى جانب 14 وزيرا من أجل الرقي بالبلاد واستمريت على ذلك إلى غاية التقاعد.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)