الجزائر

في يومها العالمي



العربية في مواجهة تحديات التكنولوجيا
ما مدى اِنسجام اللّغة العربية مع التكنولوجيا؟ وما هي أكثر التأثيرات التي ظهرت على هذه اللّغة في ظل تكنولوجيا متسارعة ومُمتدة ومتوغلة في كلّ شيء. وما هي إيجابيات وسلبيات هذه التأثيرات؟ أيضاً هل ساهمت التكنولوجيا ووسائلها المتنوعة في اِنتشار اللّغة العربيّة أو في اِزدهارها وتطورها؟ وما الرَّاهن الرقمي والتكنولوجي للّغة العربية؟ والرهان الرقمي في توظيف التكنولوجيا بشكلٍ فعّال لتطوير اللّغة العربيّة؟ وما مستقبلها وتحدياتها في هذا الفضاء الالكتروني؟،. أيضاً هل التكنولوجيا الحديثة وسيلة لتطوير اللّغة العربيّة أم أداة لتأخرها؟ أيضاً ما ينبغي أن يُطرح في سياق التحوّلات الرقميّة ذاتها هو موضوع البرمجة؛ التي تعدّ واحدة من أبواب الرقمنة الوثيقة الصلة برهانات اللّغة. وهل مُستقبل اللّغة العربيّة في الفضاء الرقمي سيكون واعدًا مع تزايد الاِهتمام بتطوير التكنولوجيا وتوسيع الوصول الرقمي في العالم العربي؟
أعدت الملف: نوّارة لحرش
محمّد تحريشي
الاِهتمامات بتطوير اللّغة العربيّة تتزايد في مجال التكنولوجيا
يؤكد الدكتور محمّد تحريشي أن اللّغة العربيّة شهدت تطورًا في مجال التكنولوجيا في السنوات الأخيرة بدءاً من إدخال الحرف العربي إلى لغة مفاتيح الحاسوب، فضلا عن تزايد الاِهتمام بتطوير تقنيات التعامل مع اللّغة العربية عبر الإنترنت وفي تطبيقات التكنولوجيا المعلوماتية بشكلٍ عام.
وتجلى ذلك -حسبَ رأيه- في تطوير التطبيقات والمواقع باللّغة العربيّة، مِمَّا دفع العديد من المطورين إلى الاِهتمام بدعم التفاعل مع اللّغة العربيّة وتحسينه. وتطوير تقنيات معالجة اللّغة الطبيعية (NLP) لتحسين التفاعل بين الأفراد والأجهزة الذكية باِستخدام اللّغة العربيّة. كما تقدم تقنيات الذكاء الاِصطناعي والترجمة الآلية خدمات لفهم النصوص باللّغة العربيّة وتحويلها، ومن ثمَّ يتم توفير محتوى تعليمي ومنصات تعلم عبر الإنترنت باللّغة العربية.
مُضيفًا أنّ الاِهتمامات بتطوير اللّغة العربية تتزايد في مجال التكنولوجيا عبر اللسانيات الحاسوبية التي تُشكل فرعًا هامًا في مجال اللسانيات؛ يركز على تطبيق التقنيات الحاسوبية والذكاء الاِصطناعي على فهم اللّغة الطبيعيّة ومعالجتها.
وفي هذا السياق، يُواصل قائلاً: "تتداخل اللسانيات الحاسوبية مع تطوير تقنيات مُعالجة اللّغة الطبيعية وتطبيقاتها على اللّغة العربية. من ذلك مُعالجة اللّغة العربية باِستخدام الحواسيب وتحسين أداء الترجمة الآلية وتطوير نماذج اللّغة للعربية وكذا التعامل مع تحديات اللّغة العربية مثل تنوع اللهجات وقواعد الإملاء والتراكيب. وينضاف إلى ذلك تنمية التطبيقات التفاعلية باللّغة العربية مِمَّا يُعزز التفاعل بين الأفراد والتكنولوجيا. كما تُساهم اللسانيات الحاسوبية في تعزيز وتحسين اِستخدام اللّغة العربية في البيئة الرقمية وتقديم تجارب تكنولوجية أفضل للمُتحدثين بها. لعلّ مشروع الذخيرة العربية للأستاذ الدكتور عبد الرحمن حاج الصالح (رحمه الله) خير نموذج لهذه العلاقة بين اللّغة العربية والتكنولوجيا".
وهنا أردفَ مُوضحاً بأنّ "الذخيرة اللغويّة (أو الموارد اللغويّة) تُشير إلى مجموعة من المعلومات اللغوية واللغويات التي يمكن اِستخدامها لفهم اللّغة وتحليلها. ويمكنُ للتكنولوجيا أن تُسهم بشكلٍ كبير في اِستفادة الذخيرة اللغويّة وتعزيز فعاليّتها من خلال إنشاء القواعد اللغويّة وإدارتها وعبر التحليل الآلي للنصوص والتصنيف التلقائي وتحسين التفاعل مع المُستخدم أيضاً، وكذا عبر نُظُم الإجابة التلقائية وتقنيات الدعم اللغوي وتطوير أدوات الترجمة، من ترجمة آلية وترجمة نصوص فورية".
وهُنَا –حسب قوله- تتجلى العلاقة بين التكنولوجيا والذخيرة أيضًا عبر دعم التعلم الآلي والتحليل اللغوي من خلال تطوير نماذج التعلم الآلي وباِستخدام تقنيات التنقيب البياني.
مُشيراً إلى أنّ تحليل الكميات الكبيرة من البيانات اللغوية لاِستخراج الاِتجاهات والأنماط. وتُحسين التعليم الإلكتروني بتطوير محتوى تعليمي ذكي ونُظم تقييم تلقائية، وباِستخدام التكنولوجيا بشكلٍ فعّال، يمكن تعزيز الذخيرة اللغوية وجعلها أكثر قوّة وفاعلية في مجموعة واسعة من التطبيقات والمجالات. كما يعكسُ الرهان الرقمي للغة العربيّة فُرص اِستخدام التكنولوجيا لتعزيز هذه اللّغة في مُختلف السياقات.
عميد كلية اللغات بجامعة بشار، يعتقد من جهةٍ أخرى، أنّ هذا الرهان يقومُ على تحدياتٍ كبيرة منها؛ تطوير التكنولوجيا اللغويّة عبر تحسين مُعالجة اللّغة الطبيعية:(NLP) واِستمرار البحث والتطوير في تقنيات مُعالجة اللّغة الطبيعية لتحسين اِستيعاب اللّغة العربيّة وفهمها بشكلٍ أفضل. والترجمة الآلية لتقديم ترجمة دقيقة وفعّالة بين اللّغة العربيّة ولغات أخرى.
وأيضاً -كما يُضيف- "من خلال تعزيز التفاعل اللغوي بتطوير واجهات مُستخدم باللّغة العربيّة عبر تحسين المحتوى اللغوي والاِبتكار في المحتوى الرقمي وتوسيع نطاق التعلم الآلي؛ وذلك من خلال تقديم دورات تعَلُم آلي باللّغة العربيّة ودعم التنمية الاِقتصادية بريادة الأعمال والاِبتكار، وتعزيز الهويّة الثّقافيّة بالحفاظ على اللّغة والثقافة باِستخدام التكنولوجيا للمساهمة في الحفاظ على اللّغة العربية وتعزيز الهويّة الثّقافيّة العربيّة".
باِختصار، يتمثل الرهان الرقمي -حسب الدكتور تحريشي دائماً- في توظيف التكنولوجيا بشكلٍ فعّال لتطوير اللّغة العربيّة وتعزيز اِستعمالها في مجالات مُتعدّدة، مِمَّا يُعزز التواصل الرقمي ويُساهم في تطوير المجتمع والاِقتصاد.
ومُستدركاً أضاف: "مع ذلك فهناك سلبيات وإيجابيات لعلاقة اللّغة العربية بالتكنولوجيا، فمن السلبيات نقص المحتوى اللغوي وتحديات مُعالجة اللّغة الطبيعيّة والتحديات الثّقافيّة واللهجات والتأخر في بعض المجالات. ومن الإيجابيات: تسهيل التواصل وتحسين الوصول للمعلومات وتوفير فُرص التَعلُم وتسهيل الأعمال والاِبتكار وتعزيز الثّقافة الرقمية. وعلى الرغم من التحديات، إلاّ أنّ التكنولوجيا تُقدم إمكانيات كبيرة لتعزيز الاِستفادة من اللّغة العربية في الساحة الرقمية وتحقيق التواصل والتفاعل بشكلٍ فعّال".
وخَلُصَ إلى القول: "إنّ مُستقبل اللّغة العربية في الفضاء الرقمي يبدو واعدًا مع تزايد الاِهتمام بتطوير التكنولوجيا وتوسيع الوصول الرقمي في العالم العربي. مع اِستمرار التطوّر التكنولوجي، يمكن أن يكون مُستقبل اللّغة العربيّة في الفضاء الرقمي مليئًا بالفُرص والتحسينات، مِمَّا يُعزز التفاعل الرقمي ويسهم في تطوير المجتمع وتعزيز التواصل الثقافي والاِقتصادي".
محمّد بن ساعو
تحتاج إلى مكان بين لغات البرمجة والتطبيقات وهندسة التكنولوجيا
يرى الأستاذ والباحث الأكاديمي محمّد بن ساعو، أنّ اللّغة بوصفها إبداعاً بشرياً وفضلاً عن كونها آلية تواصل كما عرّفها الكثير من المفكرين واللسانيين، فهي كائن يتطور ويتفاعل مع الواقع باِستمرار، ومن ذلك الثورة الرقمية التي عرفتها العقود الأخيرة، والتي لم يبق مجال من المجالات بعيداً عن تأثيراتها وانعكاساتها.
وأضاف: "ما من شك أنّ اللّغة العربية كان لها حظ من هذه الثورة؛ التي مسّت جل جوانب الحياة، إذ ونحن نتّجه بخطى مُتسارعة في هذا المجال، فإنّ الحديث عن رقمنة اللغات لم يعد أمراً بعيداً عن مرامي العاملين في هذا الميدان، فهل تشهد اللّغة اِستنساخاً لتجارب اتخذت من معطيات مادية قيمية كالعملة مثلاً مجالاً لذلك؟".
وفي ذات المعطى، أردف قائلاً: "يُشكل حجم المعارف والمواد المُتاحة على شبكة الانترنت واحداً من أهم المعايير لتقييم مدى حضور أي لغة في الفضاءات الرقمية، وإن لم تتمكن العربية من حجز موقع يعكس عدد الناطقين بها، إلاّ أنّ هناك مشاريع تبنتها بعض الجهات الأكاديمية والمستقلة تستحق التشجيع والتنويه، لكن ما ينبغي أن يُطرح أيضاً في سياق التحوّلات الرقمية ذاتها هو موضوع البرمجة؛ التي تعدّ واحدة من أبواب الرقمنة الوثيقة الصلة برهانات اللّغة، ويبدو أنّ هذا المجال لم يلق من الاِهتمام الشيء الكثير، خاصةً وأنّ الأمر ليس تقنياً بحتاً، بقدر ما هو مرتبط أيضاً بمدى مواكبة الثورة المصطلحية التي تُرافق هذا التحوّل والاِنخراط".
بن ساعو، -وبالمقابل، أوضحَ- أنّ هذه ليست دعوة لأن تُنافس اللّغة العربية اللّغة الإنجليزية الرائدة في مجال البرمجة والتي تستأسد بأكبر حصة في هذا المجال، لكن المأمول أن يكون للعربيّة مكان بين لغات البرمجة في أنظمة التشغيل والتطبيقات وهندسة التكنولوجيا.
مُضيفاً: "مع وجود لغات برمجة عربية على محدودية توظيفها وضيق مجالات اِستخدامها، فإنّ السؤال المحرج الّذي يُطرح هو كيف تتم المُناداة بإدماج العربيّة في التطبيقات والبرامج في وقت يختار الكثير من العرب أو المستخدمين للغة العربية لغات أخرى لتشغيل البرمجيات حتى في ظل وجود العربية ضمن قائمة الاِختيارات المُتاحة؟".
يُعيدنا هذا التساؤل -حسب المتحدث- إلى الإقرار بأنّ هذا التواري والخجل اللغوي ليس مطروحاً فقط على مستوى وظيفية اللّغة العربية في ظل الرهان الرقمي وخطورة الاِستمرار التقليدي لهذه اللّغة على نفسها بِمَا يُشكله من اِنغلاق وتهديد لكيانها، لكن أيضاً على مستوى تلقي مستخدم اللّغة العربية ذاته وتعامله معها كلغة تراثية.
خليل بن الدين
التوافق مع التكنولوجيات الحديثة أكبر تحديات العربية
يستعيد الكاتب والصحفي بقناة الجزيرة، خليل بن الدين، مقولة قديمة تشترط بقاء أي لغة على قيد الحياة بالتحدث بها، ويضيف على ذلك بالقول إن "بقاء أي لغة في الوقت الراهن هو في اِستعمالها للتكنولوجيا الحديثة، وعليه فإنّ أكبر التحديات التي تُواجه اللّغة العربية، هو توافقها مع التكنولوجيا الحديثة".
مُضيفاً: "لقد أدت العولمة إلى اِستخدام اللّغة الإنكليزية باِعتبارها اللّغة الرئيسية للإنترنت إلى تراجع اللغات الأخرى، بِمَّا في ذلك اللّغة العربية، ويزداد القلق على اللّغة لدى الشباب خاصةً، حيثُ أصبحت وسيلة التواصل فيما بينهم عبر وسائط التواصل الاِجتماعي تتم عبر اللّغة العامية عموماً، وبواسطة لغة أخرى هجينة، لا عربية، ولا أجنبية، مزيجٌ من ذلك من خلال اِستعمال أبجدية لاتينية في جُمل رديئة".
وهُنا يُؤكد بن الدين، أنّ خطورة الأمر تكمن في أنّ شريحة الشباب التي تتصدر المد التكنولوجي لا تتوفر على رصيد لغوي كاف يُؤهلها لمُناقشة أمور الحياة، أو الخوض في مجالات المعرفة بواسطة اللّغة العربية، فالمناهج القديمة التي تستعملها المدرسة في أطوار التعليم المُختلفة لم تعد كافية لتدريس اللّغة العربية بشكلٍ يُرسخ لدى التلاميذ اِنتماءهم اللغوي والثقافي.
وفي ذات السياق واصل قائلاً: "لقد أحدثت التكنولوجيا الحديثة ثورة في الاِتصال البشري ومن الواضح أنّه بدأت في تغيير طريقة التعايش والعلاقات الإنسانية، والروابط الاِجتماعية. لقد تحولت اللّغة العربيّة لتكون واحدة من لُغات العالم الاِفتراضيّ، لكنها لم تصل إلى ما وصلت إليه لُغاتٌ أخرى، وأهمها اللّغة الإنكليزية، التي فرضت نفسها من خلال البنية التحتية التكنولوجية التي تتوفر عليها، والتي اِستطاعت من خلالها بناء شبكة من المعلومات غير متوفرة لأي لغة أخرى".
الأمر -حسب رأيه- لا يقتصر على المعلومات العامة، التي تجتاح العالم الاِفتراضي بالملايين في كلّ دقيقة وحين، بل إنّ القصور يُلاحق الدراسات الأكاديميّة المُختلفة والتي تعرف بدورها نقصاً فادحاً باللّغة العربيّة.
وهنا أضاف مُوضحاً: "هذا النقص أو القصور، أو التهاون في اِستعمال اللّغة العربية يُلاحق أيضا وسائل الإعلام التي نُسميها مجازاً (الثقيلة)، وهي التلفزيونات والإذاعات والجرائد، والمواقع الإلكترونية، فرغم التكنولوجيا المُتطورة التي تتوفر عليها هذه الوسائل إلاّ أنّ محتواها أصبح يحد من اِنتشار اللّغة العربيّة، بل أصبح السؤال المُلِّح هو عن كيفية المحافظة على لغة سليمة فقط، في هذه الوسائل. فالتلفزيونات والإذاعات التي تطورت من الناحية التقنية، أصبحت تستعمل اللّغة العامية، الضاربة في المحلية في مختلف برامجها، بل حتّى نشرات الأخبار التي تبث باللّغة العربية اِعتراها الوهن، وأصبحت لغتها ضعيفة، مليئة بأخطاء النحو والصرف، والأمثلة كثيرة وفي مختلف التلفزيونات العربية. الأمر هذا يسري أيضا على الصحف التي تراجع مستواها اللغوي بشكلٍ لافت".
ويعود السبب في ذلك -حسب رأيه- إلى تراجع التأهيل اللغوي في المدارس والجامعات، ما انجر عنه نقص فادح في الصحفيين والإعلاميين الجيدين، والقادرين على الكتابة بشكلٍ سليم وصحيح.
ثم أردفَ قائلاً: "شهدت اللّغة العربية قفزات تكنولوجية مُتلاحقة منذ إنشاء أوّل مطبعة بالأحرف العربية في حلب عام 1706، وفي العديد من أديرة لبنان، إلى تطوير خوارزميات تقنية الكتابة العربية في أنظمة الحاسوب من طرف الجزائري بشير حليمي عام 1986، إلاّ أنّ الضرورة أصبحت ملحة في القيام بنهضة اللّغة العربيّة رقميًّا، مِمَّا يُساعد على توفير محتويات في مختلف المجالات الفكريّة والعلمية".
من نافلة القول، -كما يضيف" "إنّ تطور أي لغة هو رهينة بتطور الإنتاج العلمي والفكري والأدبي، والإعلامي بتلك اللّغة، هنا تكمن أهمية تطوير البحث الجامعي والأكاديمي باللّغة العربية، وتطوير حركة الترجمة. كما أنّه من الضرورة تعزيز دور المواقع الإلكترونية العربية، وتطوير البرامج الرقميّة باِستخدام اللّغة العربيّة، ما يُؤدي إلى بناء محتوى رقمي باللّغة العربية يُعزز مكانتها في حقول المعرفة".
واختتم بقوله: "تُواجه اللّغة العربية أيضا غياب سياسات حكومية لتطويرها، رغم وجود بعض المبادرات المعزولة هنا وهناك، إضافةً إلى سيادة اللغات الموروثة عن الاِستعمار في الإدارة والاِقتصاد والتعليم، ومن هنا يلح السؤال التالي: هل تُساعد التكنولوجيا في تطوير اللّغة العربية أم تُساهم فقط في حمايتها، أم أنّ وسائل الاِتصال الاِجتماعي ستُساهم في تدهورها وتراجعها ؟".
حمزة قريرة
حاضرة بقوّة في البرمجيات وفي المادة المُنتجة
يؤكد الدكتور حمزة قريرة، أنّه لا قوّة لأمة دون رفع شأن لغتها، فاللّغة مفتاح القوّة والسيطرة على جميع مناحي الحياة، ولغتنا العربية لغة تتحدى الزمن فهي قوية ومستمرة عبر الزمن بِمَا تحمله من إمكانات تجعلها لغة عِلمٍ وأدب وتعبير، وهي من القوّة ما يسمح لها بالاِنسجام مع كلّ المستجدات الحضارية.
ففي عصر الرقمنة –يُضيف المُتحدث- اِستطاعت اللّغة العربية الحضور بقوّة سواء في البرمجيات أو في المادة المُنتجة باللّغة العربية، فنجد مثلاً فهرسة المعاجم العربية التي قدّمت آلاف الجذور اللغوية بمختلف تقليباتها، وأصبحت مُتاحة للاِستخدام على الحاسوب، كما نعثر على آلاف البرامج التي تظهر يوميًا لخدمة اللّغة العربية في مجال التعليم أو الثقافة بشكلٍ عام.
ويُعد توافق اللّغة العربيّة -حسب رأيه- مع البرمجيات الحاسوبية أمرٌ مُهم ويعكس مرونة اللّغة وقدرتها على التموقع في ظل التطورات التكنولوجية المُتسارعة.
ثم استدرك موضحاً: "لكن رغم قدرة اللّغة العربيّة في دخول عالم التكنولوجيا تظل مجرّد أداة ومستهلك لهذه التكنولوجيا، فعِلم البرمجيات مازال لا يستخدم اللّغة العربيّة بشكلٍ كلي خصوصًا في البرمجيات المُتعلقة بالمواقع والتطبيقات، بل حتّى عناوين النطاقات، وكلها مسائل وجب على مستخدمي اللّغة العربيّة تطويرها لتكون الصناعة التكنولوجية خالصة بالحرف العربي، وهو أمرٌ ليس ببعيد عن قدرات العربي في تطوير العلوم".
كذلك تأتي الدعوة -يُضيف الدكتور قريرة- للتطوير التكنولوجي باللّغة العربيّة في ظل الدعوة إلى تطوير الصناعات والاِقتصاد والثقافة وكلّ المجالات باللّغة العربيّة، فالنهضة باللّغة يجب أن تكون شاملة ومتكاملة، والأمة العربية اليوم تحمل كلّ مقوّمات التطوّر فلا تحتاج إلاّ لإرادة سياسية ورغبة ثقافية لتتصدّر الريادة في كلّ شيء.
وخلص إلى القول: "وبهذا لن تُحقّق اللّغة العربيّة حضورها الفعلي في ظل الرقمنة وعالم التكنولوجيا المُتسارع دون تضافر كلّ الجهود خصوصاً المؤسساتية لتقديمها إلى الآخر بصفتها لغة عِلم وتكنولوجيا، ويتم ذلك من خلال ما نُنجزه بها سواء من العلوم أو حتى المصطلحات المستخدمة في مختلف المجالات. فاللّغة اِستخدامٌ بالدرجة الأولى وأوّل مقامات الاِهتمام باللّغة وإعطائها حقها هو توظيفها والتعايش معها في حياتنا العامة أو العلمية".
عبد القادر فيدوح
العربية في حاجة إلى تفعيل مع المستجدات أمام خطر العولمة
يعتقد الناقد والأكاديمي الدكتور عبد القادر فيدوح، أنّ اللّغة العربية لا تُشكل الواجهة الحقيقية لمسار الاِكتشافات العلمية، وهذا يجرنا إلى عدم وجود مناخ علمي، ناهيك عن وجود عوامل من شأنها أن تسهم في شيء اِسمه "عِلم" في المعمورة العربية.
ثم يتساءل: "ولكن، أين الخطأ هنا؟ في اللّغة؟ أم في راعي هذه اللّغة؟ ذلك أنّ مرتكزات العِلم -أنَّى كان موقعه- بحاجة إلى مبادرة وإلى سياسات مسؤولة وحكيمة، وتبقى اللّغة هي الوسيلة لتنفيذ ما تستوجبه هذه الأحكام والسياسات لإمكان بلوغ مرامي الكشف العلمي، والوصول إلى تحقيق أهدافه النبيلة، ولا غرو أن يكون هذا عزيز المرام في حال وجود سياسة لغوية مدروسة، وأملنا في ذلك كبير".
وفي سياق قريب من هذه المسألة. أردفَ قائلاً: "في خِضم الرهانات المُزايِدة للذهاب بلغة ما إلى أبعد من الثانية في اِكتشافاتها، أو تقربها من اللّغة الإنجليزية التي أصبحت تُهيمن على العالم، بوصفها اللّغة النموذج على مختلف مستويات الحياة العادية، ناهيك عن مستوى تكنولوجيا المعلومات. في ظل هذا الإشكال أصبح من المسلمات أنّ اللّغة العربية إذا لم تُواكب الاِكتشافات العلمية فإنّ اِستمرار بقائها مرهون بعزيمة أهلها، وبإسهامهم في صنع مقومات الألفية الثالثة، وعواملها التي بها تقوم، وإن أبقيناها على عهدها، ولم نسهم في تفعيلها بحسب مستجدات العصر، فإنّ أدوارها ووظائفها ستتضاءل".
من هذا المنظور -حسب رأيه- يجب التأمل بجدية في مصير لغتنا التي تُمثل هويتنا أمام الزحف الجارف، والسيل الكاسح لمظاهر العولمة، حيث أجمع جل الباحثين في مختلف أنحاء العالم أنّ عولمة الثقافة، وتربع اللّغة الإنجليزية على رأس قائمة اللغات العالمية يعدُ أكثر خطورة على اللغات الوطنية من الغزو الاِستعماري على الأوطان، وذلك من خلال إضعاف هويتها، وسلخها من شخصيتها؛ الأمر الّذي ينعكس سلبًا على بناء ثقافة الناشئة، وخلخلة هويتهم العربية الإسلامية.
ومواصلاً في هذا الشأن، يقول: "لقد بدأت ظاهرة تكنولوجيا المعلوماتية تُؤثر تأثيراً سلبياً في جميع المجالات، بخاصة ما يتعلق بالثقافة في مضامينها وأهدافها، وعلاقة ذلك باللّغة القائمة على أجواء هذه الثقافة التي أصبحت ممسوسة بخروقات العولمة المموِّهة للحقائق، والمفسِدة للمرجعيات، ويعتقد أنصار هوس العولمة من بني جلدتنا أنّ للغة العربية إخفاقات كثيرة منها: -زوال صفة ثبات اللّغة العربية أمام اللغات الحية. -اِنتفاء القيمة الجوهرية للغة العربية في ظل العولمة. –عُقم الثقافة العربية لا يشجع على تبني اللّغة العربية وإحيائها. -اِنقطاع الثقافة العربية عن دوران الركب الحضاري، فانقطع بها حبل التواصل".


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)