الجزائر

في وداع الشاذلي؟!



وأنا أتابع أخبار صحة الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، أمس، تذكرت فجأة صورته الأخيرة وهو رئيسا للجمهورية، تذكرته مساء 11 جانفي 1992 وهو يقدم استقالته أو ربما إقالته الإجبارية إلى رئيس المجلس الدستوري آنذاك عبد المالك بن حبيلس.
كانت الوجوه متجهمة، ولم يقو بن حبيلس على صياغة جملة مفهومة، ربما لجلال الحدث، وربما يدرك جيدا ما وراء الإقالة، وماذا سيفتحه هذا القرار من جبهات على الجزائر، التي دخلت في مرحلة من أخطر المراحل بعد الاستقلال، مرحلة التعددية التي أتت بالتيار المتشدد إلى الواجهة، وما يشكله هذا التيار من تهديد لمستقبل الدولة الوطنية، ولمستقبل الديمقراطية.
لا أدري اليوم في أية خانة أصنف الرجل وتاريخه الثري، بسلبياته وإيجابياته. فمشاعري تجاهه متضاربة، ومثلما أحيي فيه المجاهد الفذ والقائد الشجاع في صفوف جيش التحرير، وما قدمه بعدها من جهد في بناء الجيش الوطني الشعبي، أعيب عليه، أنه أول رئيس قدم مصلحة أقاربه وأنسابه فوق الجميع وسمح لأصهاره بالانتفاع من المال العام وبناء شبكة مصالح، لا تقل في نهمها وأطماعها عما فعلته عائلة الطرابلسي في تونس، لولا أن أحداث أكتوبر جاءت لتضع حدا لشبكة المصالح هذه، خاصة بمجيء التعددية الإعلامية حيث سمحت حرية التعبير الفتية بفتح كل الملفات التي كانت محرمة سابقا.
لكن شئنا أم أبينا، يعتبر الشاذلي بن جديد بكل مساوئه، الرئيس الذي أسس للديمقراطية في الجزائر، ولعب كل أوراقها بكل ديمقراطية واقتناع، وكان مستعدا لتقاسم السلطة مع الفيس مهما كانت المخاطر، لأنه لم يكن لديه خيار آخر غير المضي في هذا الطريق.
الشاذلي أيضا هو من أبعد الجيش عن السياسة عندما أجبر عناصره على الخروج من صفوف جبهة التحرير الوطني، وعدم الانتماء إلى أي تنظيم سياسي، كما أنه هو من تكلم عن عصرنة الجيش الوطني ليجعل منه جيشا مهنيا، ملتزما بمهمة الدفاع عن الدستور والمصالح العليا للبلاد.
والشاذلي أيضا، هو من أعاد علاقة الأخوة مع المغرب، وفتح الحدود، وكسر الجمود الذي ميز العلاقة بين البلدين قرابة العشرين سنة من الزمن.
وفي عهد الشاذلي تراجعت الجزائر عن الخيار الاشتراكي كأسلوب تسيير، مثلما كسر كل المكاسب المحققة في عهد سلفه بومدين، الذي لم يعمل على محو أثره فقط في تسيير البلاد، بل منع حتى مجرد الحديث عن الرئيس الراحل في وسائل الإعلام، مع أنه كان مسؤوله في جيش التحرير.
الشاذلي كان أول رئيس جزائري يؤدي زيارة رسمية إلى فرنسا، ويحاول بناء علاقة صداقة مع رئيسها الأسبق فرانسوا ميتيران ويفتح صفحة جديدة مع مستعمر الأمس.
مرة أخرى لا أدري في أية خانة أصنف الرجل، فالمرحلة التي تولى حكم الجزائر فيها يكتنفها الكثير من الغموض، فقد نخطئ في حقه ونظلمه؟!
رحم اللّه الرجل؟!


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)